العقد الثامن يفتح أبواب النبوءة المرعبة لزوال الكيان المحتل - زاجل الإخباري

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

إسرائيل على حافة الهاوية ..

في قلب الشرق الأوسط، حيث تختلط الأساطير بالسياسة، يقف كيان الاحتلال الإسرائيلي اليوم أمام مرآة تاريخه وهو يقترب من عامه الثامن والسبعين. ليس لأن هذا الرقم عادي، بل لأنه يحمل ما يصفه مفكروه أنفسهم بـ "لعنة العقد الثامن"، النبوءة التي تقول إن أي كيان يهودي في التاريخ لم يعش أكثر من ثمانين عامًا.

النبوءة ليست قصة في كتاب قديم أو إشاعة عابرة، بل صارت هاجسًا إسرائيليًا يتردد في خطابات رؤساء الوزراء السابقين، وعلى صفحات كبريات صحف تل أبيب، وحتى على ألسنة جنرالات الجيش، واليوم بعد صدمة السابع من أكتوبر 2023، تبدو هذه النبوءة كأنها تتحرك من بين صفحات الأساطير لتصبح حقيقة سياسية ملموسة.

تبدأ القصة من التاريخ القديم في مملكة داود وسليمان، رمز القوة والوحدة، لم تصمد بعد العقد الثامن من قيامها، فتفككت إلى مملكتين ثم انتهت، مملكة الحشمونائيم، التي قامت على أنقاض الاحتلال اليوناني، سقطت هي الأخرى بعد نحو ثمانين عامًا فقط من ولادتها، بسبب صراعات الإخوة والاقتتال الداخلي.

واليوم يقف الكيان الثالث، إسرائيل الحديثة، في النقطة نفسها، عقدها الثامن يطل برأسه، والانقسامات الداخلية تزداد عمقًا، بينما يعلو صوت التحذيرات من مصير مشابه، حتى إيهود باراك، رئيس وزراء إسرائيل الأسبق، كتب بوضوح أن التاريخ اليهودي لم يعرف دولة عاشت أكثر من ثمانين عامًا، وأن "إسرائيل الثالثة" لن تكون استثناءً ما لم تغير مسارها سريعًا.

لكن إسرائيل اليوم، التي ولدت في 1948 على أنقاض نكبة الفلسطينيين، تواجه عقدًا ثامنًا مليئًا بالحرائق، احتجاجات مليونية تشل شوارع تل أبيب بسبب خطة تعديل القضاء، انقسامات بين اليمين المتشدد والتيارات العلمانية، تهديدات بالتمرد داخل الجيش، واستقالات في وحدات النخبة، وانهيار الثقة بين فئات المجتمع.

كل هذا يجري فيما يصفه المحللون بأنه أكبر تهديد خارجي منذ حرب 1973، وصعود محور مقاومة مسلح أكثر جرأة، وعمليات نوعية كالتي حدثت في "طوفان الأقصى"، الهجوم الذي هز إسرائيل من الداخل وأسقط صورة التفوق الاستخباراتي والعسكري التي تغنت بها لعقود.

في السابع من أكتوبر، استيقظت إسرائيل على مشهد كابوسي، مقاتلون يقتحمون مستوطناتها ويأسرون جنودها، بينما تترنح أجهزتها الأمنية في صدمة غير مسبوقة، هذا اليوم لم يكن مجرد هجوم عسكري، بل كان نقطة تحول نفسية، الحصن الذي ما دام اعتبر نفسه غير قابل للاختراق، انكشف فجأة.

ومنذ تلك اللحظة ارتفع الخطاب الفلسطيني عن "لعنة العقد الثامن" إلى مستوى جديد، أبو عبيدة، الناطق باسم كتائب القسام، قال بصوت مليء بالثقة "زمن انكسار الصهيونية قد بدأ، ولعنة العقد الثامن ستحل عليهم، فليعودوا إلى توراتهم وليقرؤوا نهايتهم"، كلمات كهذه لم تعد مجرد حرب نفسية، بل تجد صدى حتى داخل أوساط إسرائيلية تتساءل بقلق ماذا لو كانت هذه هي الحقيقة؟

آري شافيت، الصحافي الإسرائيلي البارز، كتب أن إسرائيل "باتت العدو الأكبر لنفسها"، محذرًا من أن الخطر ليس في غزة أو طهران، بل في الانقسامات الداخلية التي تمزق المجتمع، ونفتالي بينيت بدوره حذر في 2020 من أن العقد الثامن يمثل اختبار الوجود الحقيقي، بينما تحدث بنيامين نتنياهو أكثر من مرة عن أن الدولة اليهودية عبر التاريخ لم تنجُ من هذا العقد إلا نادرًا، مؤكدًا أن إسرائيل "لن تسقط إذا بقينا متحدين".

لكن أين هو هذا الاتحاد الآن؟ مشاهد الشوارع تقول العكس  متظاهرون ضد الحكومة، متظاهرون مع الحكومة، مجتمع متدين يزداد تشددًا، مجتمع علماني يشعر بالاغتراب، عرب 48 في توتر دائم، ويمين فاشي يلوّح بإجراءات استبدادية تذكر بأيام الانقلابات.

العقد الثامن في حياة الدول ليس مجرد رقم، بل مرحلة نضج زائد غالبًا ما يكشف التشققات العميقة، وعلماء الاجتماع يصفون ما يحدث لإسرائيل بأنه نتيجة طبيعية لتراكم أزمات غير محلولة، وهوية غير متفق عليها يهودية أم ديمقراطية؟، اعتماد شبه كامل على دعم الولايات المتحدة، احتلال مستمر يولد مقاومة متنامية، وفجوة طبقية متزايدة.

حتى الجريمة المنظمة انفجرت في الداخل الإسرائيلي، وحوادث إطلاق النار والقتل أصبحت شبه يومية في مناطق العرب واليهود معًا، وهذا الانهيار الداخلي يحدث بالتوازي مع تراجع صورة إسرائيل عالميًا، حيث باتت تُتهم علنًا في محافل دولية بارتكاب جرائم حرب، فيما تتزايد حركات المقاطعة الأكاديمية والاقتصادية ضدها.

المؤيدون لفكرة لعنة العقد الثامن يرون أن كل هذه العوامل ليست مصادفة، بل تعبير عن قانون تاريخي يعيد نفسه، والكيانات التي تولد وسط العنف وتعيش على الحروب تنكسر عندما تواجه عقدها الثامن، إذ تصبح ضحية تناقضاتها الداخلية أكثر من أعدائها الخارجيين، ويضيفون أن إسرائيل لن تستمر حتى 2028 بشكلها الحالي، وأن انهيارها قد يبدأ من الداخل عبر حرب أهلية سياسية أو تمرد عسكري، دون الحاجة إلى هزيمة خارجية تقليدية.

لكن هل هي نبوءة حتمية؟ بعض الأصوات الإسرائيلية ترى أن بالإمكان كسر هذه "اللعنة" عبر إصلاح شامل، وإنهاء الصراع مع الفلسطينيين، بناء دستور دائم، تحقيق مساواة داخلية، وتوزيع عادل للثروة، غير أن الواقع يشير إلى أن هذه الإصلاحات بعيدة المنال في ظل سيطرة التيارات اليمينية المتشددة التي ترفض التنازل، وتتعامل مع أي صوت معارض باعتباره "خيانة وطنية".

الحقيقة المؤكدة أن العقد الثامن فتح جرحًا نفسيًا عميقًا في الوعي الإسرائيلي، وسؤال البقاء لم يعد رفاهية نظرية، بل هاجس يومي، وكثير من الإسرائيليين بدأوا يهاجرون إلى الخارج، خصوصًا الأثرياء وأصحاب الكفاءات، فيما تتحدث تقارير عن هجرة عكسية لليهود من إسرائيل نحو أوروبا وأمريكا الشمالية، وهذه الظاهرة وحدها تكفي للإشارة إلى تآكل الإيمان بالمشروع الصهيوني في عقر داره.

اليوم إسرائيل ليست فقط أمام أعداء خارجيين، بل أمام أعداء من الداخل، انقسامات اجتماعية، أزمات اقتصادية، وصراع أيديولوجي يهدد هوية الدولة، ومع دخولها العقد الثامن، يبدو وكأن عقارب الساعة تسير أسرع من أي وقت مضى، وكأن التاريخ يوشك أن يعيد كتابة نفسه على الأرض ذاتها التي شهدت قيام وانهيار ممالك يهودية سابقة.

سواء صدقنا النبوءة أو اعتبرناها مجرد مصادفة تاريخية، فإن إسرائيل تعيش أخطر سنواتها منذ تأسيسها، والعقد الثامن لم يعد مجرد أسطورة بل واقع سياسي واجتماعي يترجم نفسه في كل شارع وكل مؤسسة وكل معركة، وإذا كان السقوط سيأتي من الداخل، كما يحذر كثيرون، فإننا ربما نكون أمام مرحلة فاصلة، قد تجعل من إسرائيل قصة تضاف إلى سلسلة الممالك التي انتهت في عقدها الثامن، لتصبح مجرد سطر آخر في كتاب التاريخ.

0 تعليق