ذكرى 11 سبتمبر: كيف غيّرت أمريكا سياساتها وأشعلت حروبًا استمرت لعقود؟ - زاجل الإخباري

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

استهداف برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك ومبنى البنتاغون قرب واشنطن، بينما هناك سقطت طائرة رابعة في ولاية بنسلفانيا بعد مقاومة الركاب للخاطفين.، أسفرت جميعها عن مقتل نحو 3،000 شخص وإصابة الآلاف، وخلّفت صدمة عميقة داخل الولايات المتحدة والعالم. كل هذا في يوم واحد أحداث 11 سبتمبر 2001 الدامية، والتي تعدّ واحدة من أكثر اللحظات تأثيرًا في التاريخ الحديث، وصارت أيقونة لمصطلح الإرهاب يثستشهد به في كل مكان.

ذكرى هجمات سبتمبر: هل فشلت أمريكا في الحرب على الإرهاب؟ - صحف عربية - BBC News عربي

تنظيم القاعدة سلسلة الهجمات المنسّقة لم تكن هذه الأحداث مجرد كارثة إنسانية فحسب، بل شكّلت نقطة تحوّل مفصلية في السياسات الأمريكية الداخلية والخارجية، إذ أعلنت واشنطن “الحرب على الإرهاب” وخاضت حروبًا طويلة في أفغانستان والعراق، وأعادت تشكيل سياساتها الأمنية والاستخباراتية لعقود تالية، وألق بظلالها على أمن العالم العربي، وزاد التوتُّر، فلم يلبث عالمُنا من بعدها أن يستشعر هدوءًا، وكأنها مكبس زر، طرق ناقوس البلايا والمخاطر.

كيف تغيّرت السياسات الأمريكية بعد 11 سبتمبر؟

1. خلق إطار قانوني وأمني جديد في الداخل (السياسة الداخلية)

بعد أحداث 11 سبتمبر سارعت الولايات المتحدة إلى سنّ قانون باتريوت (USA PATRIOT Act) في أكتوبر 2001، الذي منح الحكومة الفدرالية صلاحيات واسعة لمكافحة الإرهاب. أتاح القانون لوكالات الأمن جمع معلومات شخصية، والتنصت على الاتصالات، ومراقبة الإنترنت، وتتبع التحويلات المالية بدعوى حماية الأمن القومي. وقد أُعفيت السلطات إلى حد كبير من بعض القيود التقليدية المتعلقة بالخصوصية والشفافية القضائية، الأمر الذي أثار جدلًا واسعًا حول مدى توافقه مع الحقوق المدنية. حسب مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي  “Council on Foreign Relations”، اعتُبر القانون أداة أساسية في تمكين الأجهزة الأمنية من مواجهة تهديد غير تقليدي مثل الإرهاب العابر للحدود.

قانون
إلى جانب ذلك، في عهد جورج بوش الابن، أسست واشنطن وزارة الأمن الداخلي (Department of Homeland Security) عام 2002

إلى جانب ذلك، في عهد جورج بوش الابن، أسست واشنطن وزارة الأمن الداخلي (Department of Homeland Security) عام 2002 لتنسيق مهام أكثر من 20 وكالة وهيئة أمنية كانت تعمل بشكل منفصل. وتركزت مسؤولياتها في حماية المطارات والموانئ، مراقبة الحدود، والاستجابة للكوارث والطوارئ. وفقًا لتحليلات أمريكية، كان الهدف هو سدّ الثغرات التي كشفتها هجمات 11 سبتمبر نتيجة غياب التنسيق بين الأجهزة المختلفة. كما أُعيدت هيكلة أجهزة الاستخبارات عبر إنشاء مكاتب جديدة مثل مكتب مدير الاستخبارات الوطنية، مع الاعتماد المتزايد على التقنيات الرقمية الضخمة لمراقبة المكالمات والبيانات.

2. السياسة الخارجية والحروب

على الصعيد الخارجي، أعلن الرئيس جورج بوش الابن بداية ما سمّاه “الحرب على الإرهاب”، وهو إطار عسكري واستراتيجي غيّر مفهوم التهديد الأمني العالمي. فبعد أن كان الخطر يُفهم تقليديًا على أنه نابع من دول، باتت واشنطن تتعامل مع منظمات عابرة للحدود كتنظيم القاعدة باعتبارها تهديدًا وجوديًا يستدعي حربًا مفتوحة. وبحسب History.com وCFR، أدى هذا الإعلان إلى توسع غير مسبوق في التدخلات العسكرية الأمريكية، وأعطى شرعية لاستخدام القوة خارج الأطر التقليدية للأمم المتحدة، مما خلق نقاشًا دوليًا حول حدود السيادة والشرعية.

الثقافة والقانون في الحرب على الإرهاب | المنتدى العالمي للوسطيه

في أكتوبر 2001، شنّت الولايات المتحدة غزوًا عسكريًا لأفغانستان بهدف إسقاط حكم طالبان الذي وفر ملاذًا آمنًا لتنظيم القاعدة. اعتُبرت هذه العملية أطول حرب في تاريخ الولايات المتحدة، حيث امتدت لعقدين قبل الانسحاب الكامل في 2021. ورغم نجاحها الأولي في تفكيك معسكرات القاعدة وإسقاط طالبان، إلا أنّ النتائج كانت متباينة، إذ عادت طالبان للسلطة بعد الانسحاب، مما أثار جدلًا حول جدوى الحرب وكلفتها الباهظة. أما في مارس 2003، فقد شنت واشنطن غزوًا آخر على العراق بحجة امتلاكه أسلحة دمار شامل وارتباطه بالإرهاب. غير أن هذه الادعاءات لم تثبت صحتها، وأدى الغزو إلى سقوط نظام صدام حسين، لكنه فتح الباب أمام صراعات طائفية وظهور جماعات إرهابية جديدة مثل “داعش”. وفقًا لـ Brookings، شكّل هذا التدخل أحد أكثر القرارات المثيرة للجدل في السياسة الأمريكية بعد 11 سبتمبر.

3. التأثير على حقوق الإنسان والحوكمة الدولية

انعكست الحرب على الإرهاب أيضًا على حقوق الإنسان، حيث أنشأت الولايات المتحدة معتقل غوانتانامو لاحتجاز المشتبه بهم دون محاكمة عادلة أو التزام بالقوانين الدولية. وكشفت تقارير  أنَّ آلاف المعتقلين تعرضوا لفترات احتجاز طويلة دون اتهام رسمي أو إجراءات قضائية واضحة، وهو ما أثار انتقادات واسعة من منظمات حقوقية ودولية. هذا النهج مثّل تراجعًا عن التزامات واشنطن التقليدية بدعم سيادة القانون وحقوق الإنسان.

إلى جانب ذلك، مارست الإدارة الأمريكية سياسات مثيرة للجدل مثل التعذيب والترحيل السري (Extraordinary Rendition)، حيث نُقل مشتبه بهم إلى دول أخرى لاستجوابهم بأساليب قاسية لا تسمح بها القوانين الأمريكية. وأشارت تقارير CFR إلى أن هذه الإجراءات قوضت صورة الولايات المتحدة عالميًا، وأضعفت شرعية حربها على الإرهاب. كما توسعت الدولة في المراقبة الجماعية، إذ استخدمت تقنيات لجمع بيانات شاملة عن المواطنين والمقيمين، بالتعاون مع شركات تقنية واتصالات كبرى. ورغم أن الهدف المعلن كان تعزيز الأمن، إلا أن ذلك أثار نقاشات حادة حول التوازن بين حماية الوطن والحفاظ على الخصوصية الفردية، وفقًا لـ CFR.

كم خسرت الولايات المتحدة بحروبها في أفغانستان والعراق؟
الحروب التي أشعلتها 11 سبتمبر واستمراريتها

الحروب التي أشعلتها 11 سبتمبر واستمراريتها

1. أفغانستان

بدأ الغزو الأمريكي لأفغانستان في أكتوبر 2001 بهدف إسقاط حكم طالبان الذي وفّر مأوى لتنظيم القاعدة بعد هجمات 11 سبتمبر، إضافةً إلى تفكيك البنية التحتية للتنظيم ومنع استخدام البلاد كقاعدة للهجمات المستقبلية. فشاركت قوات دولية في العمليات لسنوات طويلة، لكن النتائج كانت متباينة؛ فبعد عشرين عامًا من الحرب وتكلفة بشرية ومادية هائلة، انسحبت الولايات المتحدة في أغسطس 2021، ليعود طالبان إلى السلطة مجددًا خلّف ذلك انسحابًا فوضويًا، أزمات إنسانية حادة، وتعثّرًا في إعادة البناء السياسي والأمني، مما أثار تساؤلات حول جدوى أطول حرب في تاريخ الولايات المتحدة.

2. العراق

في مارس 2003، غزت الولايات المتحدة العراق بدعوى - من وجهة نظرها - امتلاكه أسلحة دمار شامل وعلاقته بالإرهاب، وأسقطت حكم صدام حسين بسرعة. لكن ما أعقب ذلك كان مرحلة طويلة من الاضطرابات والفوضى، إذ تفاقمت الصراعات الطائفية وظهرت جماعات إرهابية جديدة مثل تنظيم داعش. لقد كانت التكاليف البشرية والمادية هائلة، ليس فقط بسبب القتال المباشر، بل نتيجة التداعيات المستمرة مثل النزوح الجماعي، تدهور البنية التحتية، انهيار النظام الصحي، والأعباء الاقتصادية والاجتماعية التي لا تزال تلقي بظلالها على العراق والمنطقة.

3. توسّع الصراع في بلدان أخرى

امتدت الحرب على الإرهاب إلى دول عديدة خارج أفغانستان والعراق، حيث نفذت الولايات المتحدة عمليات عسكرية في باكستان، اليمن، الصومال، سوريا، وليبيا، مستخدمة الطائرات دون طيار، الضربات الجوية، والعمليات السرية، إضافة إلى تقديم الدعم العسكري والاستخباراتي لحكومات محلية. وبحسب تقارير Watson Institute، كانت لهذه العمليات كلفة بشرية هائلة على المدنيين؛ فقد قُتل عشرات الآلاف بشكل مباشر، في حين كان عدد القتلى غير المباشرين أكبر بكثير بسبب انهيار البنية التحتية، نقص الرعاية الصحية، تفشي الأمراض، والتشريد الجماعي، ما جعل الحرب على الإرهاب ذات أثر ممتد يتجاوز ميدان المعركة التقليدي.

هجمات 11 سبتمبر على مسار القضية الفلسطينية

بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، تأثرت القضية الفلسطينية بشكل مباشر من خلال تغيّر الخطاب الدولي وتركيز الولايات المتحدة وحلفائها على مكافحة الإرهاب. فقد استغلت إسرائيل المناخ الجديد لتصوير المقاومة الفلسطينية، خصوصًا من حركتي حماس والجهاد الإسلامي، كجزء من “الإرهاب العالمي”، وهو ما أتاح لها مساحة أوسع لتبرير عمليات عسكرية مشددة، وفرض قيود أمنية صارمة، ومواصلة سياسة الاستيطان والجدار الفاصل. كما ساعد هذا التصنيف على تقليل التعاطف الدولي مع الفلسطينيين، إذ باتت وسائل الإعلام والخطاب السياسي الغربي ينظر إلى الصراع من منظور أمني أكثر منه قضية حقوق واحتلال، ما أضعف الزخم السياسي العالمي الداعم للقضية.

من القدس إلى غزّة، السلطات الإسرائيلية تؤكد هيمنتها مجددا | Human Rights Watch
في المقابل، أدى انشغال الولايات المتحدة بالحروب في أفغانستان والعراق ضمن إطار “الحرب على الإرهاب” إلى تراجع القضية الفلسطينية في قائمة الأولويات الدولية

في المقابل، أدى انشغال الولايات المتحدة بالحروب في أفغانستان والعراق ضمن إطار “الحرب على الإرهاب” إلى تراجع القضية الفلسطينية في قائمة الأولويات الدولية. تعطلت المفاوضات، وضعفت الضغوط الأمريكية والإقليمية من أجل حل سياسي، فيما ازدادت الانقسامات الداخلية الفلسطينية وتراجعت قدرة السلطة على الحشد الدبلوماسي. كما انعكس هذا التحول على السياسات الأمريكية تجاه الفلسطينيين عبر ربط المساعدات والشراكات بشروط أمنية صارمة، الأمر الذي ضيّق هامش المناورة السياسية والدبلوماسية. وهكذا شكّل 11 سبتمبر نقطة تحول سلبية للقضية الفلسطينية، إذ عزز الموقف الإسرائيلي وأضعف موقع الفلسطينيين على الساحة الدولية.

التكاليف — البشرية والاقتصادية

تكشف الدراسات عن أن الحروب التي شنتها الولايات المتحدة بعد أحداث 11 سبتمبر، من أفغانستان إلى العراق ثم العمليات في دول أخرى، مثّلت عبئًا اقتصاديًا غير مسبوق. فبحسب مشروع Costs of War التابع لجامعة براون، تجاوزت التكاليف المباشرة وغير المباشرة لهذه النزاعات 8 تريليونات دولار أمريكي، تشمل الإنفاق العسكري، رعاية قدامى المحاربين، الفوائد على الديون، وإعادة الإعمار في مناطق النزاع. هذا الإنفاق الضخم أثار جدلًا واسعًا حول أثره على الاقتصاد الأمريكي الداخلي، إذ جاء على حساب استثمارات في مجالات الصحة، التعليم، والبنية التحتية.

أما من الناحية البشرية، فقد كانت الخسائر أكثر مأساوية؛ إذ يُقدَّر عدد الوفيات المباشرة وغير المباشرة جراء هذه الحروب بما بين 4.5 و4.7 ملايين شخص، حسب تقارير. الغالبية العظمى من الضحايا كانوا من المدنيين، خاصة النساء والأطفال، الذين قضوا ليس فقط بسبب العمليات العسكرية، بل نتيجة التداعيات الطويلة مثل الأمراض، انهيار الخدمات الصحية، نقص المياه والغذاء، الفقر المدقع، والتشريد الجماعي. هذه الأرقام تسلّط الضوء على أن كلفة ما بعد 11 سبتمبر لم تقتصر على الأمن والسياسة فحسب، بل شكّلت مأساة إنسانية واقتصادية عابرة للأجيال.

النتائج على السياسة العالمية والمكانة الأمريكية

على الصعيد الدولي، واجهت الولايات المتحدة تراجعًا ملحوظًا في مشروعيتها وسمعتها بعد 11 سبتمبر. فبينما سعت لتقديم نفسها كقائدة للحرب على الإرهاب، كشفت الممارسات مثل السجون السرية، التعذيب، الغارات التي تسببت في خسائر مدنية واسعة عن تناقض بين خطابها حول الديمقراطية وحقوق الإنسان وبين ممارساتها العملية. هذه السياسات أدت إلى فقدان ثقة حلفاء وشعوب كثيرة، وأضعفت المكانة الأخلاقية لواشنطن في النظام الدولي، خصوصًا في ظل انتقادات منظمات حقوقية وأممية.

الخارجية الأمريكية: نشكر مصر على دورها في الحد من وتيرة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي - بوابة الشروق - نسخة الموبايل

إلى جانب ذلك، شهدت السياسة الخارجية الأمريكية تحولًا في طبيعة تحالفاتها، إذ أقامت تعاونًا أوسع مع أنظمة غير ديمقراطية ودول إسلامية بدعوى مكافحة الإرهاب، وغالبًا ما جاء ذلك مقابل تنازلات عن معايير حقوق الإنسان (CFR). كما أدى التركيز المفرط على الأمن والدفاع إلى تحويل مليارات الدولارات من الميزانيات الفدرالية نحو الإنفاق العسكري والاستخباراتي والأمن الداخلي، وهو ما أشار إليه Center for American Progress باعتباره توازنًا مختلًا أضر بالسياسات الاجتماعية مثل الصحة والتعليم والبنية التحتية، وأثر في صورة الولايات المتحدة كدولة نموذجية للقوة الناعمة.

النقد والمآزق

رغم أن الولايات المتحدة تقول إنها جعلت البلاد أكثر أمنًا من هجمات كبيرة داخلية، هناك من يرى أن التكلفة (إنسانية، مالية، أخلاقية) كانت باهظة جدًا مقابل الفوائد.  

بعض السياسات ربما أسهمت في تأجيج الإرهاب بدلًا من قمعه، من خلال التسبب في استياء شعبي، اضطرابات، تفشي الجماعات المتطرفة نتيجة الفراغ الأمني أو السياسي. كذلك المشكلات طويلة الأجل مثل اللاجئين، الأزمات الصحية والنفسية، الدمار البيئي، إعادة الإعمار، ما زالت تتطلب وقتًا وجهدًا وموارد ضخمة.  

ذكرى 11 سبتمبر ليست فقط مناسبة للتذكير بالضحايا والأحداث والآثار، ولكنَّها، بأدنى ما نملُك إعادة النظر وتقييم مشاهد الماضي الدامي، واحتساب الفرص الضائعة في فشل إقرار سلام أو حماية للحقوق الإنسانية في شتَّى بقاع الارض، وربما مدخل من اجل نظرة عادلة وحقيقية على السياسات التي تعالج جذور الإرهاب من فقرو ظلم وانتهاكات محلية، تُفقد جميعها شعور العالم المعاصر بالشفافية والمساءلة الحقيقية للظالمين أو ببلفظة أكثر رسمية “ضمان الشرعية الدولية والمحلية”.

0 تعليق