د. محمد الصياد*
بصعوبة بالغة تم تمرير «القانون الضخم والكبير» (One Big Beautiful Bill Act – OBBBA)، أولاً في مجلس الشيوخ يوم 1 يوليو/ تموز 2025 بأرجحية صوت واحد، هو صوت نائب الرئيس جيه دي فانس وبعده بيومين، أقره مجلس النواب، الذي يسيطر عليه الجمهوريون بموافقة 218 عضواً واعتراض 214 عضواً.
قد يكون لكبار النافذين في الحزب الجمهوري من أصحاب الشركات الكبرى، مساهمة مهمة في إنشاء وصياغة هذا القانون الجديد «الضخم»، (ربما بسبب عدد صفحاته ال900) للضرائب في الولايات المتحدة، لكن مسمى القانون يحمل بالتأكيد بصمة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي تستهويه مفردة الجميل، فيميل للإفراط في استخدامها كجزء من زهوه المعتاد بقراراته. يتضمن القانون، حوالي 4.5 تريليون دولار من التخفيضات الضريبية. كما يتضمن 350 مليار دولار لأمن الحدود. ويقدر مكتب الميزانية في الكونغرس أن ما يقرب من 12 مليون شخص، سيفقدون الرعاية الصحية وإن 3 ملايين سيفقدون قسائم الطعام وإذ يلحظ واضعو القانون الضغط المالي الواقع على الحكومة وخطورة إعسارها مالياً، فقد عمدوا إلى رفع سقف الدين المسموح للحكومة الأمريكية باقتراضه، إلى 5 تريليونات دولار.
الأكيد أن التخفيضات الضريبية، ستساعد في تحفيز الاستهلاك وجذب الاستثمار، لكن البلاد تفتقر إلى المال، فمن أين ستأتي بالمال؟ مشروع قانون ترامب سيخفض أكثر من 600 مليار دولار من برنامج Medicaid للرعاية الصحية وأكثر من 260 مليار دولار من إنفاق المساعدات الغذائية، كما يفرض القانون ضريبة بنسبة 3.5% على التحويلات المالية، التي يرسلها العمال الأجانب إلى الخارج، بمن فيهم حاملو البطاقة الخضراء والعاملون في التأشيرات المؤقتة، ما سيؤثر في الدول، التي تتلقى تحويلات مهاجريها مثل المكسيك والصين والفلبين وفرنسا وباكستان وبنغلاديش، كما يفرض القانون رسوم تقديم طلب قدرها 1000 دولار على طالبي اللجوء. القانون ضيّق أيضاً مساحة برنامج المساعدات الغذائية، ورفع الحد الأدنى لسن الحصول عليها من 54 إلى 64 عاماً وخفض الإنفاق الحكومي بمقدار 230 مليار دولار.
يُتوقع أيضاً أن يؤدي القانون إلى فقدان 500 ألف شخص تأمينهم الطبي وفقدان ما يقرب من 4 ملايين شخص فوائد برنامج دعم التغذية الأمريكي وانخفاض أصول أسر دافعي الضرائب الفقراء، كما يدعو مشروع القانون أيضاً إلى «زيادة قدرها 150 مليار دولار في ميزانية الدفاع سنوياً».
باختصار، لكأني بلسان حال ترامب يقول: «عدم وجود المال ليس مشكلة، فلسوف أواصل الاقتراض، مضطراً وما الضير في ذلك؟ ساُخفض الضرائب على الأغنياء، وسأزيد الضرائب (في صورة رسوم جمركية) على الدول الأجنبية وأخفض الرعاية الاجتماعية للفقراء وكذلك الإنفاق الاجتماعي بشكل عام وسأزيد ميزانية الدفاع وسألغي دعم مصادر الطاقة المتجددة وأزيد استخراج مصادر الطاقة الأحفورية (النفط والغاز تحديداً) وسأبيع حيازات الدولة من الأراضي والأصول العقارية، إذا لزم الأمر. سيكون لديّ مالٌ لأنفقه خلال فترة ولايتي هذه على أية حال، أما عن السؤال: كيف سيسدد الرئيس القادم المال المقترض، فهذا أمر لا علاقة لي به، لم تكن الولايات المتحدة، قد انهارت عندما اقترضتُ المال وحتى لو فشلت في الانتخابات القادمة (هو يعمل على ترشيح نفسه مرة أخرى، من دون اعتبار لفترة ولايته السابقة)، سأترك فراغاً هائلاً لن يكون بوسع أحد في الحزب المنافس (الديمقراطي)، ملؤه.
هذا طبعاً، سيزيد الفجوة والتناقضات الطبقية في الولايات المتحدة، حدة واتساعاً وسيُضطر العاملون من الطبقة الوسطى للعمل في أكثر من وظيفة يومياً وقد يضطرون لبيع دمائهم لدى بنوك الدم لكسب عيشهم ولن يحصلوا على رعاية اجتماعية، هذا هو جوهر مشروع القانون (العظيم والجميل)، فليس مهماً إن كان الآخرون يعيشون حياة كريمة أم لا، طالما أنهم على قيد الحياة!
* خبير بحريني في العلاقات الاقتصادية الدولية
0 تعليق