عاجل

المستهلك العصري للرفاهية - زاجل الإخباري

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

لم يعد المستهلكون وصنّاع الثروة يتكيّفون مع أنظمة الترفيه، بل يتوقعون أن تتكيّف هذه الأنظمة معهم، حيث يشكّل صعود النزعة الفردية المفرطة وامتدادها التجاري المتمثل في التخصيص الفائق، تحولاً عميقاً لا في سوق الرفاهية فحسب، بل أيضاً في طريقة تفكير النخبة الحديثة في عالم الأعمال.
وفي الماضي، كانت الرفاهية تعني الوصول إلى النخبة والجماليات الراقية، أما اليوم، فهي تعني التحكّم الكامل التحكّم في أسلوب الحياة، والسفر، والاستهلاك، والقيادة.
إن المستهلك العصري للرفاهية، لا سيّما في الأسواق سريعة النمو مثل دولة الإمارات ودول الخليج العربي، لا يشتري منتجاً أو خدمة فحسب، بل يستثمر في زمن يعكس هويته الشخصية وكيفية تفاعله مع العالم من حوله.
ومن منظور تسويقي، يتوق هذا المستهلك، لأن يُخاطَب كفئة قائمة بذاتها، كشخص واحد بسوق مُخصصة له وحده. لم تعد الرفاهية الحقيقية تُقاس بما تملكه، بل بمدى تعبير أسلوب حياتك وتجاربك عن ذاتك، إنها تتعلق بالحرية، والانسيابية، والسياق العميق المتجذّر في شخصيتك.
وفي دول مجلس التعاون الخليجي، حيث تتشكل الهوية وتتطور في الزمن الحقيقي، لم يعد هذا التحوّل في المفهوم مجرّد توجّه مستقبلي، بل أصبح هو الواقع السائد بالفعل. وبالنسبة للجيل الجديد من رواد الأعمال والمستثمرين والمواطنين العالميين الناشئين من الخليج، لم يعد النجاح يسير وفق دليل ثابت أو مسار تقليدي.
وأصبحت الجداول الزمنية، ونماذج الأعمال، وحتى المقار الرئيسية أكثر مرونة وتكيّفاً، فالقواعد الجديدة للقيادة تُكتب لحظة بلحظة، من قبل أفراد يتوقعون أن تُبنى حولهم الأنظمة بما يتماشى مع قيمهم، وعاداتهم، وطموحاتهم.
إن المستهلكين العصريين للرفاهية يضعون رفاههم وأداءهم في صدارة الأولويات لا المكانة الاجتماعية، وعندما يسافرون يختارون المسارات، والبيئات، والشراكات التي تعكس هوياتهم الحقيقية، لا التي تُحدّد مواقعهم ضمن إطار نمطي.
ولم يعد التخصيص الفائق مجرد وسيلة للراحة أو رمز للرفاهية، بل أصبح تعبيراً متكاملاً عن الذات واختياراً واعياً، يعبّر عن التناسق الداخلي ويتوقّع أن يُصمَّم كل شيء، من بيئة العمل إلى وسيلة التنقّل، بما يتماشى مع إيقاع حياتك وأهدافك الشخصية.
وفي عالم الرفاهية، بدأت العلامات التجارية تدرك هذا التحوّل وتستجيب له بذكاء. من مستحضرات العناية بالبشرة المصممة خصيصاً على ارتفاع 40000 قدم، إلى منصات الخدمات المالية، التي تتكيف لحظياً مع سلوك المستخدم، يكاد الخط الفاصل بين المنتج والمساعد الشخصي أن يختفي تماماً.
لا تكتفي منطقة الخليج بتبنّي النزعة الفردية المفرطة فحسب، بل أصبحت تصدّرها عالمياً. سواء كان ذلك من خلال مشروع نيوم في السعودية، الذي يعيد صياغة تخطيط المدن المستقبلية المبنية، حول أسلوب حياة متطور، أو من خلال قاعدة رواد الأعمال العالميين في دبي، الذين يعملون عبر الحدود والمناطق الزمنية، فإن دول مجلس التعاون الخليجي تتبوأ مكانة مركزية عالمية للنجاح المصمم خصيصاً لكل فرد.
وبالنسبة لهؤلاء الأفراد، لم يعد السفر مجرد عملية انتقال، بل أصبح أداة استراتيجية لتحقيق أهدافهم، وتتكيف الشركات التي تخدمهم مع هذا التوجه المتطور، فعلى سبيل المثال، تحول الطيران الخاص من خدمة نقل نقطية بسيطة إلى منظومة متكاملة من الخدمات الصحية، وإدارة الوقت والتجارب الشخصية المصممة خصيصاً لكل عميل.
وهذا يشمل تصميم مقصورات الطائرات، التي تتماشى مع الملف الشخصي لكل مسافر، سواء أكانت مخصصة للإنتاجية، أو التأمل، أو الاسترخاء. لم تعد قوائم الطعام على متن الطائرة نمطية، بل تُفصَّل لتعكس أهداف الأداء والتفضيلات الثقافية والاحتياجات الغذائية الخاصة.
وحتى على الأرض، تستمر تجربة الترفيه، عبر مسارات سفر معدّة بعناية، تشمل كل شيء من الاجتماعات الحيوية، والدعم الطبي السري إلى الوصول الحصري إلى مطاعم الخمس نجوم، لم يعد كافياً تقديم خدمات للمسافر الفاخر فقط، بل أصبح التحدي هو خدمة القائد الفردي، وفقاً لشروطه الخاصة.
وبالنسبة للعلامات التجارية ومقدمي الخدمات في مختلف القطاعات، يمثل هذا الوقت تحدياً وفرصة معاً.
التحدي يكمن في أن العميل كلما ازداد تفرداً، زادت تعقيدات ومتطلبات طلبه، ما كان يُرضي عميل الثروات التقليدي قد يبدو عاماً وغير مُلبٍ لرائد الأعمال المحسّن والمُصمّم بدقة في العصر الحالي.
أما الفرصة، فهي أن التخصيص الفردي، في عصر التشتت والتنوع، أصبح أقوى عامل لتعزيز الولاء. فكلما تمكنت العلامة التجارية من عكس هوية العميل بشكل دقيق، ازدادت مكانتها ولا يمكن الاستغناء عنها.
وبذلك، لا تُعتبر الرفاهية مجرد طموح، بل تصبح توافقاً وانسجاماً عميقاً، وتتحول العلامات التجارية الفاخرة إلى شركاء حقيقيين في تحقيق أهداف حياتك.
وفي منطقة تتحرك فيها الطموحات بسرعة وتتطور فيها الهوية بشكل مستمر، لن تكون العلامات التجارية أو الشركات الأكثر شهرة هي فقط من ينجح، بل تلك التي تتحلى بالمرونة، والقدرة على التكيف، والاستجابة الذكية لحقيقة أن النجاح يكون في عصر الترفيه المخصص، الذي لم يعد يتعلق بالتكيف مع المستهلكين.
*الرئيس التنفيذي للتسويق
في «فيستا» للطيران الخاص
[email protected]

0 تعليق