كتب محمد الجمل:
يتواصل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، لليوم الـ434 على التوالي، وتتصاعد المجازر وعمليات القتل في جميع أنحاء القطاع، وتتواصل تداعيات العدوان وآثاره.
"الأيام" واصلت نقل مشاهد من قلب العدوان والمأساة، منها مشهد تحت عنوان: "شمال القطاع 4000 شهيد ومفقود"، ومشهد آخر يرصد امتداد أوامر الإخلاء باتجاه مدينة غزة، ومشهد ثالث يوثق وجود عشرات الآلاف من المعاقين بفعل الحرب المستمرة على القطاع.
شمال القطاع 4000 شهيد ومفقود
أنهى العدوان الإسرائيلي المُتصاعد على مناطق شمال قطاع غزة، يومه الـ70 على التوالي، بينما يتواصل القصف والتدمير على مدار الساعة، وتُرتكب المجازر في مناطق شمال القطاع الثلاث، وهي جباليا ومخيمها، وبيت لاهيا، وبيت حانون.
ووفق آخر الإحصاءات الصادرة عن جهاز الدفاع المدني والمكتب الإعلامي الحكومي في غزة، فإن حصيلة الشهداء والمفقودين في مناطق شمال القطاع تجاوزت الـ4000 منذ بداية العدوان على تلك المناطق مطلع شهر تشرين الأول الماضي.
وأكد الدفاع المدني، أن ما يحدث شمال قطاع غزة جرائم إبادة جماعية، وهناك المئات من الشهداء والمفقودين تحت الركام، وفي الشوارع، لم تستطع فرق الإنقاذ الوصول إليهم وانتشالهم حتى الآن.
وأشار الدفاع المدني إلى أن الاحتلال يُواصل منع فرق الإنقاذ من العمل في مناطق شمال القطاع، بعد تدمير مركبة الإنقاذ الوحيدة، ومحاصرة مركبات أخرى عند مداخل شمال القطاع.
بينما أكد مواطنون نزحوا من شمال القطاع، أن الاحتلال يُواصل ارتكاب مجازر وفظائع في المناطق التي يحاصرها، إذ تقوم الطائرات بقصف عمارات وبنايات مأهولة كل يوم، وقد أباد جيش الاحتلال عائلات بأكملها.
وقال المواطن أكرم نصر الله، وهو نازح يقيم وسط قطاع غزة، إن عائلته استطاعت الخروج من بلدة جباليا، بعد حصار استمر نحو شهرين، عاشوا خلالها أهوالاً لا تُوصف.
وبيّن نصر الله، أن والدته أخبرته بأن المجازر التي يرتكبها جيش الاحتلال شمال القطاع، أكثر بكثير مما يتم توثيقه، ونقله عبر وسائل الإعلام، فهناك بيوت قُصفت ودُمرت على رؤوس ساكنيها، ولم يستطع أحد الوصول إليها، وهناك بيوت أُحرق سكانها داخلها، ولا يعلم عنهم أحد، وهناك منازل دمرتها الجرافات على رؤوس ساكنيها وقتلتهم، عدا حدوث وفيات في منازل مُحاصرة، بسبب الجوع والعطش، ومنع الاحتلال إيصال الطعام والماء للمحاصرين.
وأوضح نصر الله أن الوضع في شمال قطاع غزة يزيد صعوبة يوماً بعد آخر، وغالبية سكان تلك المناطق أخلوها، وباتوا يُقيمون في مدينة غزة، والذين تبقوا يواجهون ظروفاً عصيبة.
وشددت مؤسسات حقوقية على أن الاحتلال يُمارس "تطهيراً عرقياً" بحق سكان شمال القطاع، ويضع المواطنين هناك بين خيارين، إما الموت جوعاً أو بالرصاص، أو النزوح باتجاه مدينة غزة.
أوامر الإخلاء تمتد لمدينة غزة
فوجئ سكان جنوب وغرب مدينة غزة، بأوامر إخلاء جديدة، شملت 6 "بلوكات"، تتضمن مناطق واسعة في قلب المدينة، منها حي الرمال، ومفترق الصناعة، ومنطقة الريس، ومحيط المستشفى الأردني، ومحيط الجامعات، وهي مناطق تُشكل حوالي 35% من مساحة مدينة غزة، ويتواجد فيها الثقل السكاني، خاصة أن سكان المناطق الشرقية من المدينة، وسكان شمال القطاع نزحوا إليها ويقيمون فيها.
وذكر مواطنون أن أوامر النزوح الجديدة كانت مفاجئة، ولم تسبقها أية أحداث تُبررها، مثل إطلاق قذائف صاروخية، وهي الذريعة التي عادة ما يتذرع الاحتلال بها، لتنفيذ أوامر الإخلاء في مختلف مناطق القطاع.
وعبّر مواطنون عن اعتقادهم، بأن ما يحدث هو نقل لثقل العمليات من شمال القطاع باتجاه مدينة غزة، وهو بمثابة تطبيق فعلي وحقيقي لـ"خطة الجنرالات"، التي تهدف إلى تفريغ جميع مناطق شمال وادي غزة من السكان.
وقال المواطن عبد الله مرزوق، إن ما حدث في مدينة غزة لم يكن مفاجئاً، وكان يتوقع أن تمتد العمليات العسكرية إلى المدينة، والاحتلال سينقل تجربة شمال القطاع إلى مدينة غزة، بحيث سيُجبر السكان على التجمع في مركز مدينة غزة، وبعض المناطق شرقها، ويُدمر مناطق الغرب والجنوب الغربي، ثم يضغط على السكان من أجل النزوح باتجاه مناطق وسط وجنوب القطاع، وهو الهدف الأساسي من الخطة.
وأعرب مرزوق عن خشيته من أن تشهد مدينة غزة، التي تؤوي حالياً مئات الآلاف من المواطنين، مجازر مُروعة، على غرار تلك التي حدثت شمال القطاع، وأن يتم تشديد الخناق على أهالي المدينة والنازحين إليها، وتجويعهم أكثر.
ولفت إلى أن الخوف الأكبر أن تمتد الخطط إلى مناطق وسط ومن ثم جنوب قطاع غزة، وأن يكون الهدف الإسرائيلي هو تهجير سكان القطاع كلياً، أو على الأقل جزء منهم.
وأشار إلى أن الاحتلال يستغل الصمت الدولي وغياب المحاسبة، ويواصل جرائم القتل والتجويع والتهجير، وينتقل من منطقة إلى أخرى.
وأعرب مواطنون يقطنون مدينة غزة عن رفضهم مغادرة المدينة باتجاه الجنوب، لأنهم في حال فعلوا لن يعودوا إليها، مؤكدين أن الاحتلال يريد طردهم، للبقاء في تلك المناطق، وربما إعادة الاستيطان إليها.
وانقسم المواطنون الذين يقطنون في مناطق الإخلاء إلى قسمين، مواطنون انتقلوا إلى مناطق أخرى داخل مدينة غزة، وآخرون يرفضون ترك منازلهم، رغم أوامر الإخلاء.
عشرات آلاف المعاقين
أظهرت المعطيات الجديدة، ارتفاعاً كبيراً في عدد المعاقين، ممن أصيبوا خلال العدوان الإسرائيلي المُستمر على قطاع غزة.
فقد خلفت الأسلحة الإسرائيلية الفتاكة، والقنابل المُحرمة دولياً، عشرات الآلاف من المواطنين من مختلف الاعمار ومن كلا الجنسين بعاهات مستديمة، ومعظمهم فقدوا طرفاً أو أكثر من أطرافهم.
وقال مدير عام وزارة الصحة في غزة منير البرش، إن 14 شهراً من الحرب المُستمرة على القطاع، خلفت نحو 70 ألف مُعاق، بعضهم مازالوا قيد العلاج والمتابعة، وغالبيتهم بحاجة إلى أطراف صناعية، لكن للأسف في ظل وضع الحرب والحصار، هناك نقص شديد في الأدوية، والأدوات المُساعدة، ولا يوجد مراكز لإعادة تأهيل هؤلاء الجرحى، لذلك هناك حاجة ماسة للسماح لهم بالسفر، لاستكمال العلاج والتأهيل، وتركيب أطراف صناعية، تمكنهم من الحركة مجدداً.
في حين قال المفوض العام لوكالة الغوث "الأونروا" فيليب لازاريني، إن غزة تُسجل أكبر عدد من الأطفال مبتوري الأطراف على مستوى العالم، وأن عدداً كبيراً من الأطفال مازالوا يفقدون أطرافهم ويخضعون لعمليات جراحية من دون تخدير.
وأكد لارزيني أن واحداً من كل 4 أشخاص أصيبوا خلال حرب غزة بإصابات غيرت حياتهم، ويحتاجون إلى خدمات إعادة التأهيل.
ولا يخلو شارع أو مكان في أحياء قطاع غزة، من وجود معاقين من جرحى الحرب، فهذا يسير بعكازين وقد فقد قدمه، وآخر تظهر قضبان البلاتين من خارج القدم، ويمشي مستعيناً بعكازة أو أكثر، وثالث فقد ذراعه، ورابع يدفعه شقيقه أو قريبه وهو يسير على كرسي متحرك.
وبيّن المواطن ياسر عمر، أنه فقد قدمه وجزءاً من أصابع يده، بعد قصف منزل كان يقيم فيه في مدينة رفح قبل اجتياحها، وخاض رحلة علاج طويلة ومريرة، وكان يُصاب بالتهابات وتقرحات بشكل مستمر، حتى استقرت حالته مؤخراً، وبدأ يتماثل للشفاء نسبياً.
وأشار عمر إلى أنه واجه صعوبات كبيرة في العثور على أدوات مساعدة، حتى يستطيع التحرك، وفي نهاية المطاف اضطر لشراء عكازين خشبيين تم تصنيعهما محلياً بواسطة نجار، علماً أن العكازات الطبية تخضع لشروط تصنيع معينة، وتعتبر أكثر سهولة في المشي والحركة، لكنه مضطر لهما، ورغم صعوبة التحرك بواسطتهما، إلا أنهما يساعدانه في التحرك.
0 تعليق