كتب محمد الجمل:
مع قرب إنهاء العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة شهره الخامس عشر على التوالي، بات المشهد في القطاع المحاصر مأساوياً، والمعاناة وصلت إلى ذروتها، بينما المجازر والقتل لا تتوقف.
"الأيام" واصلت نقل مشاهد حية من قلب العدوان والأزمات الإنسانية التي تفتك بقطاع غزة، منها مشهد يرصد حالات غرق الخيام جراء المنخفض الجوي الأخير، ومشهد آخر يرصد تداعيات احتلال معابر قطاع غزة، ومشهد ثالث يرصد كيف تسبب "محور نتساريم" بتدمير المخيم الجديد، وسط القطاع.
غرق 1542 خيمة
رغم انحسار المنخفض الجوي الحالي، وعودة الطقس للاستقرار من جديد، إلا أن تبعات وآثار المنخفض الجوي ما زالت حاضرة، حيث يُواصل نازحون رفع المياه من داخل خيامهم، بينما عمل آخرون على نشر الملابس والأغطية تحت أشعة الشمس، في حين يواصل العشرات البحث عن "شوادر" وقطع من النايلون، من أجل صيانة خيامهم التي تضررت بفعل المنخفض الجوي.
وأصدر المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة أرقاماً جديدة تُظهر ما أحدثه المنخفض الجوي الأخير من أضرار كبيرة، مؤكداً أنه خلال المنخفض الجوي الأخير تعرضت 1542 خيمة تؤوي نازحين في مخيمات النزوح ومراكز الإيواء بمناطق قطاع غزة إلى الغمر بمياه الأمطار بدرجات متفاوتة.
ووفق المديرية العامة للدفاع المدني، فإن فرق الإنقاذ رصدت مئات الخيام التي غمرتها مياه الأمطار بمستوى منسوب يزيد على 30 سم، وإصابة كثير من النازحين بحالات ارتعاش بسبب البرد وتلف أمتعتهم وفراشهم.
كما رصدت طواقم الدفاع المدني في محافظة غزة غمر 242 خيمة بمياه الأمطار في كل من المخيمات المقامة على أرض "ملعب اليرموك"، ومتنزه بلدية غزة، و185 خيمة مقامة على أرض مجمع السرايا، و70 خيمة مقامة على أرض موقف الشجاعية.
كما رُصدت في محافظة رفح 170 خيمة غمرت بالمياه مقامة على شارع البحر وفي محيط منطقة استراحة "فش فرش"، وفي خان يونس تركزت عمليات الغرق في مناطق "جامعة الأقصى" ومحيط "سجن أصداء"، و"بركة حي الأمل"، حيث تضررت أكثر من 665 خيمة وغُمرت بالمياه، وفي محافظة الوسطى تركزت الخيام التي غمرتها المياه في منطقة غرب دير البلح، خاصة منطقة البصّة، ومحيط البركة، بينما غرقت نحو 210 خيام في محيط منطقة وادي السلقا.
وأشار المكتب الإعلامي إلى أن هذه الخيام تعرضت لتسرب مياه الأمطار بمنسوب يزيد على 30 سم، في حين أن مئات الخيام الأخرى تسربت إليها مياه الأمطار دون هذا المنسوب، ولم يتمكن النازحون فيها من استخدامها حتى ينتهي المنخفض الجوي.
وإضافة إلى الأرقام المذكورة، تعرضت مئات الخيام للغرق بمياه الأمطار، ولم يُبلغ ملاكها الدفاع المدني أو جهات الاختصاص، إذ قام جيران بمساعدة المواطنين، وإنقاذ العالقين وحاجياتهم في الخيام، وتقديم بعض المساعدة لهم.
احتلال المعابر يخنق القطاع
ما زالت قوات الاحتلال تُحكم قبضتها بشكل كامل على قطاع غزة، وتحتل جميع المعابر الحدودية، سواء تلك التي تُستخدم لحركة الأفراد، أو المُخصصة لدخول وخروج البضائع.
ومنع الاحتلال، منذ احتلاله معابر قطاع غزة في السابع من أيار الماضي، حركة الأفراد بشكل كامل، بعد سيطرته على معبر رفح مع مصر، وهو المعبر الوحيد الذي يُستخدم لتنقل الأفراد.
كما أوقف الاحتلال، منذ اليوم الأول للعدوان في السابع من تشرين الأول 2023، حركة تصدير السلع من داخل قطاع غزة بشكل كامل، قبل أن يدمّر قطاعَي الزراعة والصناعة اللذين كانا ينتجان السلع المُعدة للتصدير.
بينما جرى فرض قيود مشددة على حركة المعابر، ازدادت بعد احتلال معبر رفح، ومنع حركة وصول البضائع والمساعدات من خلاله، وتحويلها إلى معبر كرم أبو سالم.
وجراء السياسة المذكورة، عانى سكان غزة من الجوع والحصار وتقنين دخول المساعدات، إذ قلّص الاحتلال، وما زال، دخول السلع من خلال معابر قطاع غزة، وحدّ إلى أقصى درجة وصول المساعدات الإنسانية، بينما عملت قواته على توفير الحماية والرعاية لعصابات اللصوص والسارقين، الذين يتخذون من مناطق يتواجد فيها الاحتلال مكاناً لممارسة سرقة المساعدات.
وذكرت مصادر في عدة مؤسسات إغاثية أن المُساعدات التي تتبرع بها دول أو مؤسسات خارج القطاع، وتصل إلى الجانب الآخر من المعابر، تواجه واحداً من ثلاثة مصائر، إما الانتظار لأسابيع أو لأشهر أمام المعابر؛ حتى تتلف، وهذا حصل مع عشرات آلاف الأطنان من المساعدات التي ما زالت مُكدسة في مدينة رفح المصرية، ويواصل الاحتلال منع إدخالها للقطاع، من بينها مواد غذائية، وأغطية، وفراش، وخيام، و"شوادر" وغيرها.
أما المصير الثاني، فهو السماح بدخولها، وتعرضها للسرقة، سواء من عصابات لصوص على شارع صلاح الدين، أو من قبل جموع مواطنين كما يحدث على "شارع الرشيد"، وهذا يحدث مع غالبية المساعدات التي تدخل قطاع غزة.
والمصير الثالث هو السماح بدخولها ووصولها إلى وجهتها، وهذا نادراً ما يحدث، بحيث تُقدر المساعدات التي تصل بنحو 6% فقط من حاجة المواطنين والنازحين في قطاع غزة.
ويرفض الاحتلال حتى الآن إخلاء معبر رفح، أو السماح بتشغيله، ويواصل احتلاله والسيطرة على طول محور صلاح الدين "فيلادلفيا"، بالتزامن مع احتلال جميع أحياء محافظة رفح، واستمرار طرد سكانها منها.
تدمير المخيم الجديد
ما زالت منطقة "المخيم الجديد"، الواقع شمال مخيم النصيرات وسط قطاع غزة، تتعرض للهجمات والاعتداءات الإسرائيلية بشكل متتالٍ، وتقع فيها مجازر وجرائم متواصلة، مع إصرار الاحتلال على تدميره، وقتل وتهجير سكانه.
فقد شهدت المناطق المذكورة غارات جوية مكثفة، وقصفاً مدفعياً عنيفاً أدى خلال يومين إلى سقوط عشرات الشهداء والجرحى، وأجبر المئات من سكان تلك المنطقة على النزوح باتجاه الجنوب.
وأشار مواطنون إلى أنه من خلال ما حدث خلال الأشهر الماضية يبدو أن هدف الاحتلال بات واضحاً، وهو تدمير المخيم الجديد، لتوسعة محور "نتساريم"، وخلق منطقة عازلة لحماية المواقع والجنود والآليات المنتشرة على طول المحور.
وقال المواطن محمود أبو شمالة: إنه بسبب القصف العنيف، والغارات المتتالية، وإطلاق النار المُستمر من الطائرات المُسيّرة "كواد كابتر"، اضطر للنزوح عن المنزل الذي كان يقيم فيه، حيث كان نزح من مدينة رفح باتجاه منزل صديقه في المخيم الجديد بداية أيار الماضي.
وأكد أن البقاء في المخيم الجديد يشبه البقاء في الجحيم، فطوال الوقت تنهمر القذائف على المواطنين، بينما تتوغل الدبابات والآليات العسكرية في المنطقة بشكل مُستمر.
وأوضح أن الدبابات والجرافات تُدمّر في كل مرة تتوغل فيها مساحات جديدة من المخيم، وتهدم منازل للمواطنين، وهذا يعمل على تقليص مساحة المخيم على حساب زيادة مساحة "محور نتساريم"، وهو يثق بأنه مع مرور الوقت سيتم تدمير المخيم الجديد بالكامل.
بينما أكد مواطنون أن "محور نتساريم" تسبب بتحويل حياة آلاف العائلات وسط القطاع وجنوب مدينة غزة إلى جحيم، وعمل على تدمير منازل، وتجريف أراضٍ زراعية، وخلق واقع ديموغرافي وبيئي جديد في قلب القطاع المُحتل.
ووفق صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية، فإن مساحة الممر الإجمالية تجاوزت 56 كيلومتراً مربعاً من أصل 365 كم2 هي مساحة القطاع الإجمالية، وإن المحور تحوّل إلى بؤرة عسكرية، مع منشآت عسكرية ثابتة ومعتقلات، ومراكز قيادة، وأماكن لنوم الجنود، كما تم تعبيد المحور لتسهيل حركة المركبات العسكرية، حتى في الظروف الجوية العاصفة.
0 تعليق