"أصداء المقاومة".. طارق عبّوشي يستعيد ويجدد روح التحدي في الموسيقى التراثية - زاجل الإخباري

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

كتب يوسف الشايب:

في أمسية بعنوان "أصداء المقاومة"، وهي الأمسية الثالثة لمشروع "تعبيرات في المقاومة الثقافية"، قدّم الفنان طارق عبّوشي والفريق المرافق له، مزيجاً من موسيقى حداثية تتكئ على التراث، لتؤكد بأن المقاومة فعل مستمر، وليس النكبة فحسب.
الأمسية، التي احتضنتها "عليّة" مركز خليل السكاكيني الثقافي في مدينة رام الله، تأتي تحت مظلة المبادرة الموسيقية المتجددة "العتبة GRADUS"، بتنظيم وإشراف من الفنانة دينا الشلة، وتركّز على "تأليف موسيقى جديدة، وتعزيز التعاون الفني بين الموسيقيين، وزيادة الوعي بأشكال موسيقية متعددة الأوجه، وتنتظم هذا العام بالشراكة مع مركز خليل السكاكيني الثقافي، وبتمويل من الصندوق العربي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية".
وأطلق عبّوشي أمسية "أصداء المقاومة" مُنفرداً بمقطوعة (It's Complicated)، وهي انعكاس لجملة باتت تتردد في الفترة الأخيرة عند الحديث في الغرب عمّا يحدث في فلسطين، والتي تعد، حسب عبّوشي، جملة تبريرية بأنه لا يمكن التعاطي مع الحالة الفلسطينية، بذات المعايير الدولية المتعارف عليها، مشيراً أنه في خضم حديثه مع أوروبي يعمل في مؤسسة إغاثية للأطفال، وحين علم أنه من فلسطين أبلغه بأنهم عملوا فيها، ثم عقّب بالعبارة التي هي عنوان مُفتتح الأمسية الموسيقية، مستخدماً تقنيّات ومعدات حديثة توفّر رجع الصوت بعد تسجيله بشكل حيّ ومباشر أمام الجمهور.
وانضم إليه منذ المقطوعة الثانية الموسيقيّان وسيم قصيص، وشارلي رشماوي، ليقدم ثلاثتهم مقطوعة "من ديرتنا"، كاشفاً عن أنه وبعد طول اعتقاد بأن الإيقاع المعروف باسم "سبع أثمان"، وهو إيقاع مقطوعة "ديرة" التي كان يقال، إنها عثمانية أو تركية، اتضح أنه إيقاع كان من بين الإيقاعات السائدة في التراث الموسيقي الفلسطيني القديم، ومن هنا جاء اسم المقطوعة.
ومع انضمام الفنان عبد الرحمن علقم مغنّياً، قدم رشماوي وفريقه، عدّة مقطوعات، أولها من وحي "يمّا مويل الهوى" التراثية الشهيرة، مهداة إلى روح الشاعر الشهيد رفعت العرعير، وهو من بين شهداء حرب الإبادة المتواصلة على غزة، واشتملت المعزوفة المغنّاة على أشعار له بالإنكليزية، مع عدم غياب صوت "الزنّانة".
وبعدها كان الجمهور الذي غصّت به "العليّة"، على موعد مع "المثمّن"، الذي هو طقس غنائي موسيقي فلسطيني يقوم على فكرة المبارزة الشعرية متعددة المجالات، والمعروف بـ"الحداء"، أو "الحدّاية" في لهجة بعض سكان ريف الضفة الغربية، وعادة ما يرتبط بحفلات الزفاف، ولا يزال حاضراً إلى أيامنا هذه.
وبعد رحلة مع "السامر" الفلسطيني بقالب جديد متمكن، لم يخلُ من إدخال مقطوعات معتقة من هذا النمط، تفاعل الجمهور مع تنويعة موسيقية غنائية، جلها من أشعار يوسف حسّون، الشهير بـ"حسّون فلسطين"، ومن بينها أغنيات ذائعة الصيت، منذ قرن، واشتهرت في مفاصل سياسية نضالية على وجه الخصوص، قبل نكبة 1948 وبعدها، كـ"حيّد عن الجيشِ يا غبيشي"، و"صامد صامد يا بلادي لو دمي سال"، و"غنى الحادي"، و"ثورة عز ما تنذل"، وغيرها.
واختتمت أمسية "أصداء المقاومة"، وجل موسيقاها من ابتكار طارق عبّوشي، بمقطوعة مغنّاة، مزجت ببراعة بين أشعار لحسّون، وقصيدة للشاعر حسن الباش كتبها في العام 2002، وكان غنّاها الفنان محمد هبّاش أحد مغنّي فرقة العاشقين، جاء في مطلعها: "باسم المخيم لم أمت واسأل جنين، أنا لم أزل شوكة بحلق الغاصبين".
جدير بالذكر أن "أصداء المقاومة"، عمل موسيقي يتعمق من خلاله طارق عبّوشي في استكشاف الموروث الفلسطيني، بحيث يجد في هذا الموروث جمالاً موسيقياً وعُمقاً شعريّاً خاصّيْن، مقتنعاً بأن هذه الثروة الثقافية التي شكلتها قرون من الطقوس والاحتفالات تعكس روح شعبها، كما كلّ موسيقى فولكلورية تعكس أيضاً المشهد السياسي والاجتماعي للمجتمع، بل وتجمع تاريخاً شفوياً ديناميكيّاً ينتقل بين الأجيال.
ويعود عبّوشي في هذا العمل إلى الإرث الموسيقي الفلسطيني ليستكشف ثيمة المقاومة فيه، قبل أن يعيد صياغة الأغاني القديمة، ويمزجها بعناصر من الواقع الحالي، لإعادة الترابط بين التراثي والمعاصر، في تعبير فنّي مُغاير عن روح التحدي الراسخة في ذلك الإرث.

 

0 تعليق