كتب يوسف الشايب:
احتضنت قاعة الجليل في متحف محمود درويش بمدينة رام الله، مساء أول من أمس، قراءات شعرية من غزّة، بحيث قرأ الشاعر خالد جمعة نصوصاً للشاعر حيدر الغزالي، وقدّمت الشاعرة سنابل قنو نصوصاً للشاعرة هند جودة، وألقى الشاعر فارس سباعنة نصوصاً للشاعر جواد العقاد، بينما حضرت الشاعرة مريم قوّش بقراءة الكاتب خليل ناصيف.
وأشار الشاعر خالد جمعة في تقديمه للشاعر حيدر الغزالي، إلى أن كثيرين قد يتفاجؤون لكونه من مواليد العام 2004، خاصة لمن لا يعرفه موهبةً يافعة منذ كان في العاشرة من عمره، مشيراً إلى أنه نضج كثيراً في خضم حرب الإبادة الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة، وباتت نصوصه أكثر عمقاً في حجم التعبير عن المأساة، بحيث ترجمت نصوصه التي يكتبها عبر موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" إلى ثماني لغات، هو الذي كان يدرس آداب اللغة الإنكليزية والترجمة في الجامعة الإسلامية، وكان حصل على المركز الثالث في مسابقة جبرا إبراهيم جبرا الشعرية في العام 2020، وفي ظل الحرب المستمرة عمل مع مؤسسة عبد المحسن القطان في برامج عدّة مرتبطة بالإسعاف النفسي للأطفال عبر الفنون والإبداع، وسبق أن شارك في العديد من الأمسيات والفعاليات الثقافية في غزة التي هو عضو في العديد من جمعيّاتها.
وكان النص الاول للغزالي بعنوان: "ماذا يعني أن أحبَكِ؟"، أتبعه جمعة بنصّ آخر يحمل عنوان "أيتها الإبادة"، قال فيه الغزالي: أيتها الإبادة.. ارتدي ملابسي، خذي شكلي، وأمنياتي.. خذي أقدامي المسطحة، ومشيتي العرجاء، وعيشي تجاربَ حبي وخجلي.. صادقي رفاقاً لا يملكون أعماراً كافية، تعلقي بهم كثيراً.. استيقظي باكراً مثلي، تغسلين وجهكِ بالضوء، تروين ظمأ النعناع.. وتحلمين دون أن تدري أنّ موتَ النائمين أسهل.. خذي حياتي، علّكِ تموتين".
وأتبعها جمعة بنصوص أخرى للغزالي، من بينها: "على الحرب أن تنتظر"، و"كيف تعرف أنك عاشقٌ من إسرائيل"، و"أقف في طابور وكالة الغوث"، و"سأسميكِ حزني"، و"أحمل صفات سيئة"، و"أحلامنا بسيطة جداً"، و"سلة الغسيل مرعبة".
بدورها أشارت الشاعرة سنابل قنو إلى أنها تقف لتقرأ شعراً على منصة محمود درويش للمرّة الأولى، وبين يديها قصائد كتبتها شاعرة غزّية أثناء حرب الإبادة الإسرائيلية، معبرة عن إيمانها بأن لا شيء يقهر العدو بقدر أن يرى ضحيته قادرة طوال الوقت على إنتاج الفن والجمال، وعلى تطويع الأمل رغم أنف الألم، مشددة على أنه "لا يمكن للقصيدة أن تشعر المرتجفين برداً بالدفء، إلا أنها تفضح كل من تسبب بهذا البرد إلى الأبد، وما الشعر إلا فضيحة الظلم ومرافعة المظلوم أمام العالم".
وبعد أن عرّفت قنو بالشاعرة هند جودة، قرأت لها قصائد عدّة كتبتها إبّان حرب الإبادة المتواصلة، هي: "بحيرة مالحة"، و"شكراً للصاروخ الأخير"، و"طبول".
بدوره قرأ الكاتب خليل ناصيف قصائد للشاعرة مريم قوّش، بعد أن عرف الحاضرين بها، كاشفاً أنه هاتفها للمرّة الأولى في ذات يوم الأمسية، ولم يكن يعرفها من قبل، وأدرك خلال المكالمة جدوى هذه القراءات حين لمس مقدار بهجتها، عبر قراءة نصوصها في حضرة درويش، فبدأ بـ"أهيل التراب"، ومن ثم "يداك"، و"رسالة إلى بيتنا في الرمال"، و"يقول الندى".
وكان ختامها مسكاً مع قصائد الشاعر جواد العقاد بصوت الشاعر فارس سباعنة وتعابيره، هو الذي بدأ باستذكار عدد من شاعرات وشعراء غزة وكل الشعراء، اللواتي والذين "ذكروني بأنني لم أكتب الشعر إلا كي أنجو"، مضيفاً: "لو كنتُ شاعراً من غزة، قد يحق لي ما لا يحق لغيري من البشر أو الشعراء، لكن الحرب ليست مهرجاناً شعريّاً كما يتصورها البعض، ولا حفلاً خطابيّاً، فماذا تظن الشاعر فاعلاً بهذا الحق المطلق في التعبير؟ وما هي اللعنة التي يخافها الآخرون أكثر منّي إذا كنتُ أكبر طفلٍ خائف على وجه الأرض؟ ولماذا أشارك في هذه الأمسية إذا لم تكن الحرب مهرجاناً شعريّاً؟.. أشارك لأن إنساناً من غزة سيفرحه أن صوته المخزون بين القذائف، استطاع الخروج من حصار الظلمات، وأن هذا الخروج قد يعطيه أملاً، وأشارك لأن هذا الإنسان الذي أحمل صوته هو جواد العقاد".
وبدأ سباعنة بقراءة نص للعقاد أعده خصيصاً لأمسية "قراءات شعرية من غزة"، مخاطباً فيه فارس، بأن "اغضب وأنت ترتل موتي أمام الناس، تمسّد القصائد بالارتجاف، وآلامي تخرج من قلبك كلمات.. اغضب، وقل إن شاعراً في غزة يمارس موته على مرأى من الطيور الذبيحة، إن شاعراً يموت، شعباً يموت، والصمت يذبح.. هذه القصائد حياتنا الرقيقة.. وردات عشق نزحت إلى براح الحلم.. أعقاب سجائر في منفضة القلب.. الحريّة المشتهاة.. الموت العادي.. لسعة البرد في ليالي يناير.. صباحات الحنين ومطرٌ حنونٌ يهطل أغاني.. شوق شاعر يكبر أوجاعاً وياسمين.. قصائدي جمر الكلامِ، فاغضب وأنت تحكي للناس موتي وآلامي وخسارتي وحبّي.. كلهم رأوا غزّة أشلاء ودماء وشظايا، صارت في قلبي قصائد وفي جوارحك غضب، فاغضب".
وأتبعها سباعنة بقصائد متنوعة للعقاد، جلّها تعانق الحبّ في زمن الحرب، ومنها: "لأجلكِ"، و"ليلة سلام"، و"قمر ساهر"، و"قيامة"، و"غزة لا تنام".
0 تعليق