كتب محمد الجمل:
يتواصل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة لليوم الـ461 على التوالي، ويستمر الاحتلال في مذابحه وجرائمه دون توقف، بينما تتعمّق الأزمات في القطاع.
"الأيام" نقلت مشاهد جديدة من قلب العدوان والحصار على قطاع غزة، أبرزها مشهد تحت عنوان: "المروحيات.. القتل المُباغت للنازحين"، ومشهد آخر يُسلّط الضوء على حلم سكان مدينة غزة بالعودة إلى بيوتهم، ومشهد ثالث يوثق كيف حوّل الاحتلال القطاع إلى سجن مُحكم الإغلاق، وغيّر ديموغرافيته.
المروحيات.. القتل المُباغت للنازحين
منذ نحو 3 أشهر باتت مروحيات الاحتلال العسكرية، تصنف على أنها الأداة الأكثر قتلاً للنازحين في قلب ما تُسمى "المنطقة الآمنة"، في مدينتي دير البلح وغرب خان يونس، اللتين يتكدس فيهما جميع النازحين.
ففي كل مرة تُحلّق فيها المروحيات فوق البحر، أو فوق مخيمات النازحين، تشن غارات تستهدف غالباً الخيام، حتى باتت هذه الطائرات من أكثر أدوات القتل للنازحين، لاسيما خلال ساعات الليل.
وعادة ما يُسمع تحليق الطائرات في الأجواء لبضع دقائق، ثم تُطلق صواريخ جو أرض باتجاه الخيام، وبعدها تنسحب، قبل أن تسمع أصوات سيارات الإسعاف، التي تهرع إلى مناطق الاستهداف الجديدة، وتبدأ بنقل الشهداء والجرحى إلى المستشفيات الميدانية في منطقة المواصي، وحتى المستشفيات الأخرى.
وشنت الطائرات المروحية خلال أقل من شهرين، أكثر من 25 غارة على خيام النازحين، بعضها تسببت بمجازر مُروّعة، مثلما حدث قبل عدة أيام في مواصي خان يونس، حيث وقعت مجزرة جراء قصف خيمة من طائرة مروحية، راح ضحيتها 11 شهيداً، بينهم 3 أشقاء من عائلة البردويل، و3 ِأشقاء من عائلة المدهون، وهذا تكرر فجر أول من أمس، حيث قصفت مروحيات الاحتلال عدة خيام، ما تسبب بسقوط عشرات الشهداء والجرحى.
وقال المواطن أيمن جبريل، إن هناك رابطاً وثيقاً بين تحليق الطائرات المروحية في الأجواء، وبين ارتكاب مجازر في قلب مخيمات النزوح، فمنذ أكثر من شهرين لم تُحلّق طائرة مروحية في أجواء خان يونس دون أن تُقصف خيمة أو أكثر، حتى أنها باتت بديلة للطائرات المُسيّرة، وكأن الاحتلال خصص هذا النوع من الطائرات، التي تحمل صواريخ حارقة وفتاكة، لقصف الخيام، وقتل النازحين.
وأشار إلى أنه وحينما تبدأ تلك الطائرات بالتحليق في الأجواء، يسود الصمت والخوف والترقب بين الجميع، وينصت النازحون، ليسمعوا صوت القصف، خاصة أن القصف عادة ما يصدر عنه صوتان؛ الأول انطلاق الصاروخ من الطائرة، وحينها يحدث انفجار ليس بالكبير، ثم يتبعه صفير الصاروخ وهو متجه إلى الهدف، وأخيراً انفجاره داخل خيمة تؤوي نازحين أبرياء.
وأشار إلى أن بعض الصواريخ التي تُطلقها المُسيّرات، تتسبب باندلاع حرائق في الخيام، كما حدث قبل نحو أسبوعين في محيط منطقة "فش فريش"، في مواصي خان يونس، حيث احترقت الخيام، وتفحمت الجثامين، وهناك صواريخ أخرى تُطلقها المروحيات، يصدر عنها مئات الشظايا الحادة، تؤدي إلى بتر الأطراف، وتقطيع الأجساد.
يحلمون بالعودة إلى بيوتهم
مضى أكثر من 15 شهراً على نزوح الكثير من العائلات من مدينة غزة وشمال القطاع باتجاه جنوب ووسط القطاع، دون أن يُسمح لهم بالعودة إلى بيوتهم وأحيائهم، بل يواصل الاحتلال الضغط على من تبقى من سكان هناك، من أجل النزوح والرحيل.
وما زال أكثر من 600 ألف نازح من محافظتي غزة وشمال القطاع، يوجدون في مواصي خان يونس، ومدينة دير البلح، ومخيمات وسط القطاع، يحلمون بالسماح لهم بالعودة إلى ديارهم، آملين أن يُسهم الاتفاق المرتقب، بانسحاب جيش الاحتلال من "محور نتساريم"، الذي يُقسم القطاع، ويحول دون حركة المواطنين من الجنوب باتجاه الشمال.
وقال المواطن عبد الله المصري، إنه نزح من غرب مدينة غزة في شهر تشرين الثاني من العام 2023، وتنقل بين أكثر من مكان، حتى استقر في خيمة بمواصي خان يونس.
وأكد أنه يحلم باليوم الذي يعود فيه إلى مدينة غزة، خاصة أن منزله مازال قائماً، ولم يُدمّر، وفي كل مرة تحدث فيها محادثات للتهدئة يشعر بالأمل، ويترقب، ثم يُصاب بالخيبة، وهذه المرة جدد تفاؤله، ويأمل بأن تكون المحادثات هذه المرة جيدة، وتقود إلى وقف حقيقي لإطلاق النار، وانسحاب الاحتلال، ما يسمح بعودة النازحين إلى بيوتهم.
وشدد المصري على أنه تعب من حياة النزوح، والعيش في خيمة، ويأمل بأن يعود إلى منزله، ويستقر فيه برفقة عائلته.
بينما قال المواطن أشرف صيام، إنه يعيش أسوأ كابوس منذ 14 شهراً، فمنذ نزح عن منزله في مدينة غزة وهو يفقد الاستقرار والأمان، واضطر حتى الآن للنزوح 7 مرات، متنقلاً بين منازل أصدقاء وأقارب، وخيام، حتى استقر به الحال نازحاً يُقيم في خيمة بمواصي خان يونس.
وبيّن أنه في الماضي كانت له أحلام كبيرة، أما الآن في ظل الوضع الكارثي الذي يعيشه لا يحلم سوى بأمرين؛ الأول انتهاء العدوان، والثاني العودة إلى بيته في مدينة غزة.
وأكد أنه يشعر بالندم الشديد لأنه ترك منزله ونزح عنه، وتمنى لو بقي في مدينة غزة، ولم يتوقع أن تطول مدة النزوح، وأن يواجه المصير القاسي والصعب الذي يعيشه الآن، لكن مازال يأمل بعودة قريبة.
تحويل القطاع إلى سجن
لأول مرة منذ عقود طويلة، يُصبح قطاع غزة بمثابة سجن مُحكم الإغلاق، بعد أن شدد الاحتلال حصاره من جميع الجهات، وأغلق جميع المعابر، بما فيها معبرا رفح، وبيت حانون "إيريز".
كما فرض الاحتلال حصاراً بحرياً شاملاً على قطاع غزة، ومنع قوارب الصيادين من دخول البحر، بل عمل على فصل القطاع إلى ثلاثة مناطق معزولة ومنفصلة، تشبه "الكانتونات"، إذ عزل محافظتي غزة والشمال، عن باقي أرجاء القطاع، ثم فصل محافظة الشمال عن غزة.
كما خلق الاحتلال واقعاً ديموغرافياً جديداً داخل القطاع، إذ عمل على تغيير مناطق تجمعات السكان، وأخلى مناطق كاملة من سكانها، كما حدث في محافظتي رفح، وشمال القطاع، وأجبر المواطنين على العيش في مناطق صغيرة، والتكدس فيها، كما حدث في مواصي خان يونس.
وذكر المُسن أحمد علي، أنه عايش النكبة، والنكسة، وسلسلة أحداث عصفت بقطاع غزة على مدار أكثر من 80 عاماً، لكنه لم يشهد في حياته ظروفاً أصعب من تلك التي يعيشها الآن، ولم يسبق أن حاصر الاحتلال غزة بهذا الشكل من قبل.
وأوضح أن ما يحدث أكبر من حرب وحصار، فهي إبادة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وتغييرات جذرية في المعالم الديموغرافية والسكانية، والحضارية داخل القطاع.
ونوّه إلى أن الاحتلال جعل من القطاع سجناً كبيراً، ويتحكم في كل تفاصيله، ويفرض الجوع والمرض على السكان، ويمنع حتى المرضى من العلاج.
من جهته، قال المواطن أيمن رشيد، إن الحصار الحالي يفوق الحصار الذي فرضه الاحتلال على قطاع غزة في العام 2007 بأضعاف كثيرة، فلا يُسمح حالياً لأي شخص بمغادرة القطاع، حتى وإن كان من أجل العلاج، كما يمنع حركة السلع، ويمنع حتى المتضامنين والصحافيين من دخول القطاع، وفوق كل هذا يُدمر القطاع الصحي، بعد أن أباد كل القطاعات الزراعية والاقتصادية والعمرانية.
وأوضح أن الشيء المُحزن خلال الحصار الحالي، الذي يُعدّ من أشد وأبشع أشكال الحصار في التاريخ الحديث، أن العالم مازال صامتاً، وأميركا والدول الغربية تواصل دعمها لإسرائيل، والتغطية على جرائمها المتواصلة، بل والدفاع عنها في المحافل الدولية.
0 تعليق