كتب عيسى سعد الله:
بات البحث عن "الكابونة" المهنة الوحيدة لسكان محافظتي غزة والشمال، في ظل المجاعة العميقة التي يعيشونها منذ اليوم الأول للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة قبل نحو 15 شهراً، وما رافقه من حصار مشدد فرضه جيش الاحتلال.
وأجبرت ظروف الحصار ومنع قوات الاحتلال إدخال أية مواد تموينية أو غذائية أو أي شيء آخر للمنطقة إلا من خلال مؤسسات دولية تدخل عبرها معونات شحيحة بالكاد تكفي شريحة محدودة ممن تبقى من سكان في المحافظتين.
وأشغل الاحتلال السكان البالغ عددهم نحو 450 ألفاً من أصل مليون ونصف المليون مواطن قبل العدوان، في البحث الدائم عن المساعدة التي باتت تعرف بين الغزيين بـ"الكابونة".
ويتسابق السكان مضطرين للحصول على أكبر عدد من "الكابونات" المتنوعة بين الغذائية والصحية والملابس وغيرها.
وباستمرار يتفقد الغزيون خانة الرسائل في هواتفهم النقالة أملاً بوصول رسائل تحمل لهم الخير من مؤسسات مختلفة غالبيتها أممية ودولية.
وتشهد مخازن المؤسسات المنتشرة بشكل مركّز في وسط وجنوب مدينة غزة اكتظاظاً بالمنتفعين من هذه المساعدات، والمراجعين الذين لم يحالفهم الحظ بالحصول على "الكابونة" بشكل منتظم، كما هو الحال مع المواطن محمد صبحي الذي اشتكى من عدم حصوله على أي طرد غذائي منذ خمسين يوماً.
وقال صبحي في الأربعينيات من عمره لـ"الأيام" إنه اضطر للتوجه إلى نقطة مراجعة تابعة لوزارة التنمية الاجتماعية خاصة بالمراجعين من نازحي شمال غزة، للوقوف على أسباب حجب المساعدات عنه.
وأوضح أن "الكابونة" هي شريان الحياة له ولغيره من المواطنين في ظل انعدام مصادر الدخل للجميع.
وأبدى الكثير من المواطنين تذمرهم الشديد من حجب المساعدات عنهم لأكثر من شهر، وهي مدة طويلة جداً، خاصة للأسر الكبيرة التي يزيد عدد أفرادها على ستة، كما هو الحال مع المواطن نزار رمضان الذي انتقد بشدة غياب آلية شفافة لتوزيع المساعدات.
وأشار رمضان إلى أنه اضطر للاستدانة والعيش بأقل من الحد الأدنى من الطعام، بسبب انحسار المساعدات التي تقدمها المؤسسات المختلفة.
وأوضح أن غيره من أصحاب الأسر الأقل عدداً حصلوا على مساعدات بمعدل ثلاث أو أربع مرات في الشهر، بينما هو لم يتلقاها منذ أكثر من شهر ونصف الشهر.
واضطر رمضان الى المخاطرة بنفسه والخروج بصعوبة بالغة من منطقة النزلة المحاصرة في بلدة جباليا من أجل الاستفسار من نقطة أقامتها وزارة التنمية في أحد المرافق الرياضية بحي الشيخ رضوان المجاور كاستعلام لنازحي الشمال.
وفي ظل الغلاء الفاحش الذي تشهده أسعار جميع السلع الغذائية والتموينية، لا تجد الغالبية العظمى من السكان إلا "الكابونة" والمساعدات لإبقائها على قيد الحياة، كما ذكر المواطن محمد جميل سعد الذي اشتكى من ارتفاع الأسعار خاصة الخضراوات وزيت الطهي والسكر والأرز وجميع الأصناف الأخرى.
وأوضح أنه يحتاج الى أكثر من 600 شيكل يومياً من أجل شراء أقل من الحد الأدنى من احتياجات أسرته اليومية، في حال انقطعت المساعدات عنه تماماً، مبيناً أن استمرار حصوله على الطرود بشكل دوري يعفيه من أكثر من ثلثي هذا المبلغ.
وقال سعد في منتصف الخمسينيات من عمره، إن الواقع الأمني القاسي الذي يعيشه في جباليا يحد من قدرته على العمل أو حتى التحرك بحرية لجلب "الكابونة".
ولفت إلى ان يتفقد خانة الرسائل في هاتفه النقال عشرات المرات يومياً، تحسباً من وصول رسائل تحمل في طياتها "كابونة".
0 تعليق