كتبت بديعة زيدان:
"ذبذبات من غزة"، هو عنوان الفيلم الوثائقي القصير (16 دقيقة)، الذي حازت عنه المخرجة الفلسطينية رحاب نزال العديد من الجوائز السينمائية في المهرجانات الدولية، كان آخرها جائزة أفضل فيلم في مهرجان لندن السينمائي الدولي، علاوة على العديد من الجوائز، بينها: جائزة أفضل فيلم قصير في مهرجان إيران الدولي السابع عشر للأفلام للعام 2023، وجائزتا "آزر فينيكس" للأفلام القصيرة، وجائزة الجمهور في مهرجان أفلام الشرق الأوسط وجنوب أفريقيا في كندا.
ويروي الفيلم، الذي عُرض مساء أول من أمس، في دارة الفنون بالعاصمة الأردنية عمّان، بحضور مخرجته، تجربة أطفال صمّ في غزة، خاصة خلال الحروب، ممن يعتمدون على استشعار ذبذبات الهواء وأصوات المباني المنهارة لفهم ما يجري حولهم من إبادة.
ويقدّم "ذبذبات من غزة" صورة شاملة عن حياة أولئك الأطفال الصمّ، الذين وُلدوا ونشؤوا تحت حصار الاحتلال الإسرائيلي وهجماته المتكررة، إذ يتسيّد الصورة في قرابة ست عشرة دقيقة كل من موسى (عشر سنوات) وشقيقه مصطفى (ست سنوات)، وأماني (عشر سنوات) وشقيقتها إسراء (أربع سنوات)، ليقدموا شهادات حيّة عن تجاربهم في مواجهة قصف الاحتلال الإسرائيلي المتكرر، والوجود المستمر للطائرات المُسيّرة.
لا يستطيع هؤلاء الأطفال الاستماع إلى صوت هذه الطائرات المعروفة باسم "الزنّانة"، إذ إنّها تطنّ فوق رؤوس الناس، إما لتنفيذ ضربة، وإما لجولة استطلاعية تُحدّد فيها بعض الأهداف، وتعود مزودة بمعلومات عن المنطقة المُحتمل استهدافها، لكنهم، وعبر لغة الصمّ التي تترجم على الشاشة، يتحدثون عن استشعارهم الاهتزازات في الهواء، وارتجاج الأرض، وصدى المباني المنهارة.
ويطرح الفيلم تساؤلاً عمّا إذا كان صَممُ هؤلاء الأطفال ناتج عن استخدام الاحتلال الإسرائيلي للأسلحة الثقيلة، بما في ذلك الأسلحة الصوتية، كذلك يثير تساؤلات عن صمت العالم تجاه الظروف القاسية التي يعيشها قرابة مليونين ونصف المليون فلسطيني في قطاع غزة، إذ يعيشون تحت حصار خانق وحروب إبادة متواصلة منذ العام 2007.
يبدأ الفيلم بمشهد ليلي للبحر، تليه مشاهد متعددة جلّها صُوّرت نهاراً للأطفال الأربعة وأقربائهم وأصدقائهم وصديقاتهم على شاطئ البحر وفي مياهه، مركزاً على علاقة هؤلاء الأربعة بالبحر، ما بين كونه مساحة للمرح أو استعادة لذاكرة صعبة في آن.
في حديثها إلى جمهور "دارة الفنون"، شددت المخرجة رحاب نزال على أن الفيلم يطرح قضية محورية حول أطفال غزة من الصمّ، وتجاهل العالم لمأساة شعب يعيش في حصار خانق واعتداءات عسكرية متكررة، ورقابة وحصار متواصلين منذ قرابة عقدين، وكان أصعبها في الخمسة عشر شهراً الماضية.
وتابعت: أصررتُ على أن أصوّر الفيلم بنفسي.. ورغم تصويره وإتمامه قبل الإبادة الجماعية الإسرائيلية التي تعرض لها الشعب الفلسطيني في القطاع منذ تشرين 2023، إلا أنه يكشف عن أن الإبادة والتطهير العرقي سبقت ذلك بكثير، وتعمقت منذ العام 2008، لذا عمدتُ إلى الكشف عن الآلية التي عبرها يمكن لهؤلاء الأطفال الصمّ النجاة من القصف، ونقلها بالتالي إلى العالم، في حين كان البحر هو الرابط بين الأطفال الأربعة فيه، باعتباره ذا قيمة خاصة لأهل غزة، حيث إن غالبيتهم العظمى، ومع بدء تنفيذ وقف إطلاق النار في العام 2021، توجهوا دون تنسيق إلى شواطئ بحر غزة.
ولفتت نزّال، التي تحمل الجنسية الكندية، إلى أنّ الفيلم صُوِّر بالتعاون مع جمعية أطفالنا للأطفال الصمّ في غزة، وإلى أن التصوير بدأ في صيف العام 2022، بعد عام من زيارة المخرجة لغزة، وعملها في برنامج علاج بالفن مع أطفال القطاع إثر عدوان الاحتلال الإسرائيلي عليه في العام 2021، بحيث أُنتج بدعم من مجلس فنون مقاطعة أونتاريو في كندا.
0 تعليق