كتب محمد الجمل:
تواصل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، أمس، لليوم الـ470 على التوالي، وتصاعدت فصوله في بعض المناطق، قبيل دخول اتفاق التهدئة المُرتقب بساعات.
"الأيام" رصدت مشاهد جديدة من العدوان في ساعاته الأخيرة، منها مشهد بعنوان "إحراق رفح قبيل التهدئة بساعات"، ومشهد آخر يرصد تدمير شبكات الطرق في قطاع غزة، ومشهد ثالث جاء تحت عنوان "تشييع بلا مآتم".
إحراق رفح قبيل التهدئة
اندلعت سلسلة من الحرائق الضخمة داخل مدينة رفح، جنوب قطاع غزة، وذلك قبيل دخول اتفاق التهدئة المرتقب بساعات قليلة، ما أثار مخاوف وقلق المواطنين الذين يترقبون العودة إلى المدينة.
وشُوهدت سُحب الدخان الكثيف تتصاعد من داخل مدينة رفح، خاصة مناطق وسط وغرب المحافظة، حيث أكد شهود عيان، ومصادر محلية، أن جيش الاحتلال بدأ بأوسع عمليات حرق داخل المدينة، التي تخضع للاحتلال والعدوان للشهر التاسع على التوالي، دون توقف.
ويتابع نازحون يقيمون في مناطق غرب وجنوب محافظة خان يونس الحرائق من خلال سُحب الدخان التي يشاهدونها، حيث أكدوا أن النار تتركز وسط مدينة رفح، ومخيم الشابورة، ومناطق في حي تل السلطان، وبعض المربعات السكنية في المناطق الشمالية الغربية للمحافظة، خاصة قرب "ثلاجة زغلول".
ووفق المصادر ذاتها، فإن الحرائق المذكورة جاءت بالتزامن مع تحركات إسرائيلية واسعة داخل مدينة رفح، حيث شوهدت عمليات تفكيك متواصلة لمواقع عسكرية ومرابض مدفعية، خاصة في مناطق غرب وجنوب غربي المحافظة، بينما جرى رصد خروج عشرات الآليات من المحافظة من خلال "محور فيلادلفيا"، ما يُشير إلى أن هناك انسحابات إسرائيلية متتالية من رفح، وهذا يحدث تحت غطاء ناري كثيف، من غارات جوية، وقصف مدفعي لا يتوقف.
وأشار المواطن عبد الله رزق إلى أنه يُتابع من موقعه في مواصي رفح ما يحدث داخل المدينة، موضحاً أنه اعتباراً من الثلاثاء الماضي صعّد الاحتلال عمليات النسف والتدمير، حيث كانت تُشاهد سُحب الدخان تتصاعد من داخل المدينة على مدار الساعة، والانفجارات الناجمة عن تفجير حاويات و"ملالات" تُسمع طوال اليوم.
وقال رزق: إنه بعد ذلك بدأ جيش الاحتلال بتنفيذ مرحلة جديدة، وهي مرحلة الحرق، حيث تم إشعال عشرات الحرائق يومياً، بعضها يبدو أنه ينفذ بوساطة تفجيرات، إذ تندلع الحرائق بعد كل موجة تفجير، ويبدو أن جيش الاحتلال يستخدم نوعية جديدة من القنابل، التي تُحدث حرائق على نطاق أوسع بكثير من الحرائق التي يتم إشعالها بشكل يدوي، أو من خلال المُسيّرات الصغيرة التي يستخدمها في حرق منازل المواطنين.
وأكد أن الاحتلال عازم على جعل مدينة رفح مكاناً غير صالح للحياة، حتى البيوت التي نجت من التدمير يجري إحراقها، ما يجبر أصحابها على تركها وعدم العيش فيها.
وكان جيش الاحتلال نفذ عمليات إحراق مشابهة في مدينة خان يونس قبيل الانسحاب منها بأيام، في نيسان العام الماضي، ويبدو أن الحرائق تكون في العادة آخر خطوات العمليات العسكرية.
تدمير شبكات الطرق
لم يكتفِ الاحتلال بتدمير أكثر من ربع مليون وحدة سكنية داخل قطاع غزة، إضافة إلى التدمير الواسع لمرافق البنية التحتية، إذ عملت آلياته وبشكل ممنهج على تدمير وتخريب شبكة الطرق والمواصلات في محاولة لتقطيع أوصال القطاع، وجعل الحركة والتنقل بين المدن وحتى داخلها أمراً صعباً.
ووفق وزارة الأشغال العامة والإسكان في قطاع غزة، فإن جيش الاحتلال دمّر أكثر من 80% من الطرق والشوارع الرابطة بين محافظات ومدن القطاع، وكذلك الأحياء المختلفة.
وما زالت محافظة خان يونس تمثل نموذجاً مصغراً لتدمير الطرق في القطاع، إذ عمل الاحتلال خلال تواجد قواته في مركزها وشرقها، على تدمير الشوارع وتخريبها، وفتح طرق جديدة بين المنازل.
وذكر مواطنون في محافظة خان يونس أن شبكة الطرق الوحيدة التي ما زالت سليمة في خان يونس تتواجد في منطقة المواصي، وهي شبكة مواصلات صغيرة ومحدودة.
أما في محافظة رفح، فقال المواطن ياسر ماضي، الذي وصل إلى المدينة قبل نحو 3 أسابيع، واستطاع العودة إلى محافظة خان يونس: إنه لاحظ أن الاحتلال دمّر وخرب شبكة المواصلات بالكامل في رفح، وعملت جرافاته على اقتلاع طبقة الإسفلت، وأصبحت الشوارع كلها ترابية، في حين قام الاحتلال برصف وتعبيد طريق جديد على محور صلاح الدين "فيلادلفيا"، ليُسهّل هذا الطريق حركة قواته التي تعمل حالياً داخل رفح.
وأوضح ماضي أن الطرق التي دمّرها الاحتلال تتواجد في وسطها كميات كبيرة من ركام البيوت التي جرى تدميرها، وهذا يجعلها غير صالحة للحركة، وإعادة فتحها تتطلب وقتاً وجهداً كبيرَين.
وتوقع ماضي أن يواجه المواطنون مصاعب كبيرة في الحركة بعد انسحاب قوات الاحتلال من محافظة رفح، والعودة إلى بيوتهم، فالمدينة بأكملها بلا طرق.
كما عمل الاحتلال على تدمير الطرق وشبكات المواصلات بشكل كامل شمال قطاع غزة، وجرف الطرق الواصلة بين محافظة غزة ومحافظة شمال القطاع، كما دمّر طرقاً شمال مخيم النصيرات، وكذلك الحال في أغلب مناطق مدينة غزة، خاصة شارع عمر المختار، ومنطقة الرمال، حيث يضطر سائقون لاستخدام طرق ترابية غير منتظمة، تتسبب بتعطل المركبات بشكل مستمر.
تشييع بلا مآتم
لم يستطع ذوو الشهداء إقامة مآتم لاستقبال المعزين، في ظل استمرار الحرب والنزوح، والعيش في خيام، وقصف الطائرات لتجمعات المواطنين.
فلأول مرة تختفي ظاهرة بيوت العزاء من قطاع غزة، ولا يستطيع ذوو الشهداء استقبال المعزين، وإقامة طقوس العزاء المعهودة.
وقال المواطن عبد الرحمن الجمل: إنه والده وشقيقه استشهدا في غارة إسرائيلية شرق رفح، لكن عائلته لم تستطع إقامة بيت عزاء، لعدة أسباب، أهمها خوفهم على المعزين، خشية أن تقوم الطائرات بقصف بيت العزاء، كما فعلت سابقاً في أكثر من مكان، والسبب الثاني عدم وجود مكان، ولا إمكانات لإقامة العزاء، في ظل حياة الخيمة والنزوح، والأهم من ذلك أن الجميع يعيشون في خوف ومنشغلون في تلبية احتياجاتهم اليومية.
وبيّن الجمل أن بيت العزاء سُنة عن النبي (صلى الله عليه وسلم)، وأن له تأثيراً كبيراً على عائلة الشهيد أو الفقيد، بحيث يشاركهم المعزون الأحزان، ويخففون عنهم مصابهم، لكن في ظل تعذر إقامة بيوت العزاء يكون الأمر أكثر صعوبة.
بينما قال المواطن هشام صالح: إن العديد من أقاربه وجيرانه وأصدقائه استشهدوا، ولم يستطع تقديم واجب العزاء كما يليق، وفي بعض المرات زار الخيام على عَجل، وقدم واجب العزاء لوقت قصير، وفي أغلب الأحيان كان يُقدم واجب العزاء عبر الهاتف، وهذا غير كافٍ.
وأكد صالح أن الشهداء ظُلموا في هذه الحرب، ولم يأخذوا حقهم في تشييع لائق بهم، ولا بيوت عزاء يواسى فيها الأهل، وتُذكر فيها مناقب الشهداء ومحاسنهم، وكأن الاحتلال يريد أن يوصل الناس إلى هذه الحالة البائسة، فمن يفقد ابنه عليه أن يدفن جثمانه على عَجل، وبعدد قليل جداً من المشاركين، هذا إن استطاع أصلاً إخلاء الجثمان، إضافة إلى عدم السماح بإقامة بيوت العزاء، التي يعتبرها الاحتلال بمثابة "تظاهرة تحريضية".
ودعا مواطنون إلى العمل على إقامة فعاليات لذوي الشهداء بعد انتهاء الحرب، كإقامة مهرجانات تكريمية لهم، بحضور عدد كبير من المواطنين، تكون تعويضاً لهم عن بيوت العزاء التي لم يستطيعوا إقامتها، وأن يتم نشر أسماء الشهداء على جداريات كبيرة في المدن؛ تخليداً لهم.
0 تعليق