كتبت بديعة زيدان:
"كان الشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش يملك تلك المعادلة الاستثنائية في الشعر، والقائمة على الخروج بقصيدة تتكئ على الشعور باعتبار الشعر اصطلاحاً من مشتقاته، ولكن مؤطرة بتأمل فلسفي، وفكر عميق، فإذا كانت القصيدة قائمة على تجربة عاطفية شعورية فقط فهي مراِهقة وساذجة، أما إذا كانت مبنيّة على المعرفة فقط فهي مقال فكري".
بهذه الكلمات تحدثت الشاعرة والكاتبة والناقدة والإعلامية بروين حبيب عن القصيدة، في الحوارية الخاصة التي احتضنتها مؤسسة عبد الحميد شومان، في العاصمة الأردنية عمّان، أول من أمس، وأدارتها الشاعرة الأردنية وفاء جعبور، تحت عنوان "شعر وأحاديث".
وتابعت حبيب: هناك شعراء آخرون، لكن درويش يتميز بسطوة كبيرة، عبر المزج في قصائده، خاصة ما بعد مرحلة البدايات، بين الغنائية العالية والفكر والفلسفة والرؤية الواضحة، وهذا لا ينتقص من تجربة البدايات باعتباره شاعر القضية، ومجنون التراب، وأحد أبرز شعراء الأرض المحتلة، لكنه في تجاربه ما بعد تلك المرحلة بات درويش شاعراً كونياً، والوصول إلى هذه الحالة الاستثنائية، كما أشرت، هو طموح كل الشعراء باختلاف مدارسهم.
وقدمت الشاعرة البحرينية أمام الجمهور شيئاً من "ثلاثية غزة"، وهي من قصائدها الأحدث، وتحديداً القصيدة الأولى من الثلاثية بعنوان "يوسف"، وأهدتها إلى "الأم التي بحثت عن ابنها ذي السبع سنوات، واصفة إياه: "شعره كيرلي وأبيضاني وحلو"، مشيرة إلى أن القصيدة الثانية تحمل عنوان "بواكي حمزة"، في حين أن الثالثة كانت بعنوان "روح الروح".
وأشارت حبيب إلى أن الناشر ماهر كيالي، هو ناشرها الأول، حيث صدرت مجموعتها الشعرية الأولى "طفولتي الورقية"، عبر المؤسسة العربية للدراسات والنشر، كاشفة أن الشاعر البحريني قاسم حدّاد كتب لها يوماً واصفاً إياها بـ"الشاعرة حين يروق لها"، بمعنى أنه "يرى أنني أتعاطى مع الشعر بمزاجية ما"، وهنا "لا أنكر أن العمل التلفزيوني تحديداً يتطلب استعداداً ذهنياً وبدنياً واجتماعياً كبيراً، ولا أنكر أن الكاميرا أثرّت حتى في تقطيع القصيدة، والنجومية التلفزيونية، التي طغت على غيرها، دفعت كثيرين للتشكيك في موهبتي الشعرية، وتضعني في إطار صورة الإعلامية".
وشددت حبيب على أن الشعر يحتاج إلى "العزلة، لكن قد تكون هذه العزلة افتراضية في بعض الحالات، وأحياناً تكون عزلة واجبة، لكن لا نملك الوقت لنمارسها، إلا أنني أعول على تجاربي الإنسانية والعاطفية في تقاطعها مع تجارب الآخرين، وأنا امرأة خارج الكادر، فصورتي تلهو بعيداً".
وحول حلم التمثيل لديها، أجابت: كنت سأندفع وأقول إن الأحلام لا تموت، لكن ثمة أحلاماً تموت.. لا بد أن نتجدد، ثمة تجلّ جديد يجب أن يبنى باستمرار، فطغيان الحلم أحياناً كارثة، وتبنّي الحلم الواحد مأساة قد يودي بالإنسان إلى مصح عقلي، ربّما.. لكن بالنسبة للتمثيل، فقد مارسته في مسرح العرائس، حين كنت طفلة، حيث وجد المسرحي القدير إبراهيم خلفان فيّ ما يؤهلني لأكون ممثلة محترفة، عبر مشاهداته لأدائي في مسرحيات مدرسية خلال مهرجانات للمسرح المدرسي كانت تنتظم على مستوى البحرين، ومن ثم بت أمثل أدواراً صغيرة مع خريجي المسرح البحرينيين القادمين من الكويت، لكني لم أحترف التمثيل، لظروف اجتماعية، وقتذاك، أشعرتني بالغضب والثورة، لكن انشغالي بدراسة الأدب في الجامعة وميولي النقدية وكتابة الشهر، وقبل ذلك وبعد العمل في التلفزيون، بمعنى التجربة برمتها جعلتني أقبل التنازل عن حلم التمثيل المسرحي.. أنا في النهاية صوت، والصوت هو الذي يبقى، وأعتقد أن صوتي هو من قدمني".
وتحدثت حبيب عن عشقها لشخص وكتابات الشاعرة الإيرانية فروغ فرخزاد، باعتبارها تشعر أن ثمة "شيئاً منها في الحياة الموازية، والحياة السابقة من فروخ"، لافتة إلى أنها شاعرة مهمة، ولديها العديد من القصائد المهمة والجميلة، وللأسف ماتت شابة في حادث سير، وهي في نهاية الثلاثينيات من عمرها.
ووصفت حبيب ما يحدث من انعكاسات تقنية على الحالة الثقافية عامة، والشعرية خاصة، بـ"عقاب التكنولوجيا"، مشيرة إلى أنه "بعيداً عن السوداوية، ثمة إيجابيات في هذا الجانب، باعتبار أن وسائل التواصل الاجتماعي، تبعث لنا إشارات جميلة عن مبدعين لا نعرف عنهم، وتوصل لنا أصواتاً ونصوصاً مهمة، ويتم تدويرها، وهناك الكثير من الشعراء الشباب خاصة، برزت موهبتهم عبر السوشال ميديا".
وكشفت بروين حبيب أنها تكتب رواية، ولكن "بكسل"، فهي منذ "ثمانية أعوام"، تكتب "قصاصات"، ولا تدري إن كانت ستخرج برواية أم بنص دونها، مشيرة إلى أن من يشتغل في النص الأدبي، ويشارك في لجان تحكيم لجوائز أدبية، "يدمر شيئاً فطرياً لديه في الإقبال على الكتابة"، لذا "أعيش حالة من الوسواس.. أريد كتابة نص سردي يتقاطع مع سيرتي وسيرة فئتي، ربما، وبخصوصية معيّنة، وأتمنى أن أنجح بذلك، رغم مخاوفي الكثيرة".
0 تعليق