كتب محمد بلاص:
يشعر المواطن ماجد سبتي بني غرّة (50 عاماً)، من مخيم جنين، أنه استرد قطعة من جسده، واستعاد بعضاً من روحه، بعد أن تمكّن من إخراج ما تبقى من رؤوس الأغنام من حظيرتها بجوار منزله في حي "السمران" بالمخيم، بعد أن بقيت بلا طعام أو ماء طوال 23 يوماً متواصلة من العدوان الإسرائيلي على المخيم.
يقول بني غرة وقد حمل حملاً صغيراً ضمه بين ذراعيه: إنه لم يكن ليفكر بأي شيء سوى قطيع أغنامه التي تركها خلفه، بعد أن أجبرته قوات الاحتلال على النزوح من داخل المخيم برفقة عائلته وأهالي الحي، دون السماح له باصطحاب القطيع.
وأضاف للصحافيين ممن رصدوه وهو خارج من المخيم ويشق طريقه بين الآليات العسكرية الإسرائيلية: "اليوم رجعت لي روحي".
ومنذ اليوم الأول من نزوح بني غرة وعائلته إلى بلدة اليامون غرب جنين، لم يكد يغمض عينيه، ولم يهنأ بطعام ولا شراب ولا نوم، وهو يفكر بمصير الأغنام التي تركها خلفه داخل حظيرتها بلا عناية، وسط قصف وحرق ونسف وتدمير المنازل وكل مقومات الحياة داخل المخيم.
وبعد 23 يوماً على النزوح، قرر بني غرة العودة إلى المخيم برفقة نجله، وأمامه هدف واحد ووحيد، هو إخراج أغنامه من حظيرتها، حتى لا يكون مصيرها الموت جوعاً.
وعبثاً راحت عائلة بني غرة تحاول نهيه عن تنفيذ قراره بالدخول إلى المخيم في ظل الاجتياح الإسرائيلي خوفاً منها على حياته، إلا أنه نفذ القرار الذي اتخذه، فتوجه إلى المخيم في ساعات الصباح الباكر بعد أن راقب تحركات جيش الاحتلال خلال الأيام الأخيرة، فأيقن أن هناك فرصة لدخول المخيم والخروج منه قبل أن تبدأ آليات الاحتلال بالتحرك.
"دمروا كل شيء، ولم أشاهد منزلاً واحداً على حاله".. بهذه الكلمات راح بني غرة يروي للصحافيين بعضاً من المشاهد داخل مخيم جنين في ظل استمرار عملية "الأسوار الحديدية" التي أطلقها جيش الاحتلال في الحادي والعشرين من كانون الثاني الماضي.
وقال: "لولا أنني ولدت وتربيت في المخيم، لقلت إنني دخلت إلى مخيم جباليا، حيث الدمار الهائل يفوق كل وصف، لدرجة شعرت فيها بأنني أدخل إلى حارة غير تلك التي ولدت وعشت فيها"، مؤكداً أن جيش الاحتلال غيّر تضاريس المخيم بالكامل، حيث البيوت والمحال التجارية التي مسحت من على وجه الأرض، والشوارع التي تحولت إلى أكوام من الوحل المتحرك بعد أن كانت ولا تزال هدفاً للتجريف من قبل جرافات الاحتلال، وألسنة الدخان التي كانت تتصاعد من منازل أحرقها وفجّرها جنود الاحتلال.
ولا يعلم بني غرة، شأنه في ذلك شأن آلاف النازحين من أهالي مخيم جنين، ما الذي عليه فعله عندما يخرج جيش الاحتلال من المخيم، ولكنه على يقين أنه سيعود إلى المخيم ويعيش فيه ما تبقى من عمره ولو داخل خيمة.
وأكد بني غرة أن أهالي المخيم سيواجهون صعوبات كبيرة في التعرف على بعض أحيائه التي تغيرت تضاريسها بفعل عمليات نسف وتفجير وحرق المنازل والمنشآت، وتدمير كل شيء، في عدوان يعتبر الأعنف والأضخم من نوعه منذ تأسيس المخيم إبان نكبة العام 48.
ورغم شعوره بنوع من الرضا على قدرته على إخراج عدد من رؤوس الأغنام التي يمتلكها من داخل حظيرتها بجوار منزله في المخيم، إلا أن بني غرة يشعر بالحزن لنفوق أكثر من عشرة رؤوس منها جراء الجوع والعطش، حيث اقتاتت الناجية منها من ثلاث بالات قش وقليل من الماء.
وما إن خرج بني غرة بما تبقى من أغنامه من داخل المخيم، حتى توجهت تلك الأغنام إلى منطقة قريبة يكسوها العشب لتسد شيئاً من جوعها وتنال قسطاً من الكلأ والطعام بعد 23 يوماً على الحصار.
0 تعليق