كتب محمد الجمل:
واصلت "الأيام" نقل مشاهد جديدة من قلب قطاع غزة، في اليوم الـ27 من بدء التهدئة، ورصدت لقطات متنوعة من القطاع، مع التركيز على معاناة المواطنين.
ومن بين المشاهد البارزة التي وثقتها "الأيام"، مشهد حول قيام طائرات الاحتلال ببث محتوى تحريضي يؤلب المواطنين على المقاومة في غزة، ومشهد آخر تحت عنوان "الخيمة والكرفان حلم للنازحين"، ومشهد ثالث يُسلّط الضوء على التعويل الشعبي الكبير على دور مصر في إفشال مُخطط التهجير.
مُسيّرات تبث محتوى تحريضياً
فوجئ مواطنون بطائرات إسرائيلية مُسيّرة، تحمل مكبرات للصوت، تُحلّق فوق مناطق واسعة من قطاع غزة، وتقوم ببث محتوى يُحرض المواطنين على المقاومة في القطاع.
وشهدت مناطق في مدينة غزة، وشمال القطاع، وشرق وجنوب محافظة خان يونس، وكذلك وسط القطاع، تحليقاً مُتزامناً للطائرات المذكورة، على ارتفاعات منخفضة، وبثها رسائل تحريضية مُسجلة، تحمل ذات المضامين.
وقال المواطن إسماعيل مسعود من سكان شرق مدينة خان يونس: إنه فوجئ بأصوات مكبرات الصوت في محيط منزله، في الساعات الأولى من الليل، وفي البداية ظن أنهم باعة متجولون، لكن حينما أنصت لسماع التسجيل، فوجئ بسماع عبارات تُحرض على المقاومة، وعلم لاحقاً أنها طائرات إسرائيلية مُسيّرة.
وأكد مسعود أن الاحتلال لم يتوقف منذ بداية العدوان عن بث المحتوى التحريضي، لكن هذه المرة غير الأسلوب، ففي السابق كانت الرسائل التحريضية تصل عبر هواتف المواطنين، أو من خلال نشرة مكتوبة تحمل اسم "الواقع"، تُسقطها طائرات الاحتلال على المناطق المأهولة، لكن هذه المرة الرسائل كانت مُسجلة، يتم بثها عبر مكبرات للصوت.
وأشار إلى أنه وغيره من المواطنين لم ينصتوا لما جرى بثه من رسائل، التي جاءت في ثوب النصيحة، متسائلاً: منذ متى الاحتلال الذي قتل، ودمّر، وهجّر على مدار عام ونصف العام، يسعى لمصلحة الناس، ويُسدي لهم النصيحة؟
من جهته، قال المواطن خليل عاشور: إنه استمع إلى بعض الرسائل التحريضية التي بثتها الطائرات مؤخراً، وهي جزء من دعاية وحرب إسرائيلية نفسية موجهة ضد سكان قطاع غزة، معتقداً أن مثل هذه الرسائل التي تتغير أساليبها باستمرار، باتت مكشوفة ولا تنطلي على أحد، لذلك تجاهلها الجميع، ولم ينصت إليها أحد.
وبيّن أنه لاحظ أن الاحتلال حاول إيصال الرسائل التحريضية لأكبر عدد ممكن من المواطنين، من خلال تسيير أسراب من المُسيّرات، التي تحمل مكبرات للصوت، وتبث نفس المحتوى التحريضي، في مختلف مناطق القطاع، وهذا باعتقاده يأتي ضمن خطة دعائية مدروسة، هدفها التأثير على الناس، وبث الفتنة، وتأليبهم على المقاومة.
ولفت عاشور إلى أن الاحتلال فشل طوال حربه في إخضاع المواطنين، أو إحداث فتنة داخلية، والآن يُحاول تحقيق بعض الأهداف الخبيثة من خلال الدعاية الموجهة، والرسائل التحريضية.
الخيمة والكرفان حلم للنازحين
ما زال أكثر من 60% من سكان قطاع غزة يعيشون حالة من النزوح، إما بسبب فقد منازلهم جراء تدميرها من قبل الاحتلال، أو نظراً لعدم قدرتهم على العودة إليها لوقوعها داخل مناطق "حمراء"، ما زال جيش الاحتلال يُسيطر عليها.
وفي ظل الوضع الحالي، واشتداد البرد، وهطول الأمطار على فترات زمنية مُتلاحقة، باتت أحلام النازحين لا تتعدى خيمة مقاومة للرياح والأمطار، وفي أحسن الأحوال الحصول على بيت مُتنقل "كرفان".
ويعيش عشرات الآلاف من النازحين في مخيمات عشوائية، بمواصي خان يونس، ومناطق غرب مدينة دير البلح، وفي مدينة غزة، ينتظرون دخول كميات كافية من الخيام من خلال المعابر، أو بيوت مُتنقلة "كرفانات"، كما نصت على ذلك تفاهمات وقف إطلاق النار.
وذكر المواطن محمد العطار، الذي يُقيم في منطقة مواصي خان يونس، بعد عجزه عن العودة إلى منزله شرق مدينة رفح، أنه لم يشعر بأي تغيير منذ بدء اتفاق التهدئة الحالي، فما زال ينتظر وصول الخيام، والبيوت المُتنقلة، وأشكال أخرى من المُساعدات، لكن لم يصل أي منها.
وأوضح العطار أنه وغيره من النازحين يُعانون بسبب البرد والأمطار، وخيامهم اقتلعتها الرياح، وهم بحاجة ماسة إلى خيام جيدة، مُقاومة للرياح والأمطار، وينتظرون أن تقوم جهات الاختصاص بتسليمهم الخيام، أو نقلهم إلى مخيمات إيواء مُجهزة، كما وُعدوا مؤخراً.
وأكد أن مرور نحو شهر على بدء تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار، دون حدوث تغيير، يجعلهم يعيشون المزيد من المعاناة، ويشعرون بالقلق خشية أن يستمر الوضع على حاله خلال الفترات المُقبلة.
في حين، قال المواطن عبد الرحمن عوض الله: إنهم أصيبوا بخيبة أمل كبيرة، فرغم مرور نحو 4 أسابيع على الاتفاق، إلا أنهم لم يتسلموا "كرفانات"، ولا حتى خياماً، وما زال وغيره من النازحين يقيمون في خيام بالية، مزقتها الرياح، وتُغرقها الأمطار في كل مرة.
وأشار عوض الله إلى أنه لا معنى لأي اتفاق تهدئة لا يتم خلاله تحسين أوضاع النازحين، ولا يحدث أي خطوات باتجاه تنظيم حياتهم البائسة، فمن يمتلك بيتاً أو مكاناً للإقامة انتقل إليه، والباقون تُركوا يواجهون المعاناة المُتجددة في كل يوم.
ورُغم ذلك، لفت عوض الله وغيره من النازحين، إلى أنهم يمتلكون بعض الأمل، في أن تتحسن حياتهم، وأن يتم منحهم خياماً جيدة، أو مساكن مؤقتة، آملين أن تنجح محاولات الوسطاء وضغوطهم، في تغيير مواقف الاحتلال المُتعنتة بشأن ذلك.
تعويل شعبي على دور مصر
يُعوّل المواطنون في قطاع غزة على الدور المصري في إفشال مخططات التهجير الذي يتم الترويج لها من قبل إسرائيل وأميركا، خاصة أن مصر أبدت موقفاً حاسماً وحازماً، برفض إخراج الفلسطينيين من أراضيهم، ورفض جميع مخططات التهجير التي تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية.
وأعرب مواطنون من سكان القطاع عن ارتياحهم، لما صدر من مواقف مصرية واضحة وصريحة، ترفض التهجير، وترفض مقترحات "ترامب"، مؤكدين أن مصر كانت وما زالت الداعم الأكبر للقضية الفلسطينية، والحارس الأمين للمصالح العربية والفلسطينية.
وأوضح المواطن محمود زعرب أن مصر بثقلها وجيشها العظيم، قادرة على قلب المُعادلات وإفشال المُخططات، وجعل أصحاب هذه الخطط يتراجعون ويغيرون مواقفهم.
وقال زعرب: إن الأمل بإفشال ما يُحاك من مخططات خطيرة، بعد الله، يتمثل في مصر، التي كانت وما زالت متمسكة بمواقفها التاريخية والمُشرفة، التي تهدف إلى حماية المصالح العليا للشعب الفلسطيني، وبقاء القضية الفلسطينية على سلم أولويات الجميع.
وبيّن أن الجميع يعلم أن مصر تتعرض لضغوط كبيرة، بما فيها التلويح بوقف المساعدات الأميركية، لكن رغم ذلك موقفها بقي ثابتاً ولم يتغير للحظة، بل زاد تمسكاً بحماية المصالح الفلسطينية، ومؤخراً كانت هناك مواقف أكثر صرامة ووضوحاً، من القيادة المصرية، برفض جميع المؤامرات المذكورة.
ونوّه إلى أنه استمع للكثير من الإعلاميين المصريين، الذين أكدوا مساندة قيادتهم وبلدهم حق الفلسطينيين في البقاء على أرضهم، وأن أحدهم قال: إذا فُرضت على مصر الحرب بسبب مواقفها، فجميع المصريين، البالغ عددهم 120 مليوناً، سيحاربون حتى آخر نفس.
في حين توقع المواطن خالد شحدة أن تتراجع الدول التي طرحت مشاريع التهجير، أمام موقف مصر الصلب، وأن تتلاشى هذه المُخططات، كما تلاشى الكثير منها في السابق.
وأكد أن التاريخ الفلسطيني الحديث كان مليئاً بالمؤامرات، ومشاريع التهجير المماثلة، وأن أياً منها لم يُكتب له النجاح، وجميعها فشلت وتحطمت على صخرة صمود الفلسطينيين، وأمام موقف مصر الراسخ، ومن خلفها الدول العربية.
0 تعليق