كتب محمد الجمل:
تُواصل "الأيام" رصد المزيد من المشاهد من داخل قطاع غزة، مع استمرار تشديد الحصار على القطاع، وتصاعد الهجمات الإسرائيلية، وما سببه ذلك من تفاقم معاناة المواطنين.
ومن المشاهد الجديدة التي رصدتها "الأيام"، مشهد تحت عنوان "مرضى يموتون بانتظار السفر"، ومشهد آخر يرصد مخاوف المواطنين من تداعيات تشديد الحصار، ومشهد ثالث يُوثق تصعيد بحرية الاحتلال اعتداءاتها على طول المناطق الساحلية غرب القطاع، خاصة قبالة المناطق العازلة، جنوب مدينة رفح.
مرضى يموتون بانتظار السفر
ما زالت عملية خروج المرضى من قطاع غزة تسير ببطء شديد، ولا يزيد عدد المرضى الذين يُسمح بسفرهم من القطاع على 35 مريضاً كل يوم، مع بضع عشرات من المرافقين، وسط إجراءات سفر مُشددة، حيث تواصل دبابات الاحتلال حصار وتطويق معبر رفح من جميع الجهات.
ووفق متابعات "الأيام"، فإن غالبية من يُسمح لهم بالسفر أطفال ونساء، وُيواجهون ظروفاً عصيبة، حيث يتم نقلهم بوساطة مركبات إسعاف، عبر تنسيق من قبل منظمة الصحة العالمية، وتستغرق عملية خروجهم من القطاع ساعات طويلة.
أما عن آلية اختيار المرضى الذين يُسمح لهم بالمغادرة، فتتم عبر عدة مراحل، الأولى ترشيح المريض أو الجريح من خلال وزارة الصحة في غزة، من خلال لجنة طبية، تُوصي بضرورة سفره للعلاج في الخارج، لعدم توفر علاج له في القطاع، والمرحلة الثانية يتم إرسال كشوف المرشحين للسفر، حيث يتم نقل الأسماء للجانب الإسرائيلي، ويتم فحصها، وإرسال موافقات على بعض المرضى والجرحى، ومنع آخرين من المغادرة، ورغم ذلك يتم إرجاع البعض.
ووفق مسؤول ملف إجلاء الجرحى والمرضى في وزارة الصحة بغزة، محمد أبو سلمية، فإنه ونتيجة هذه السياسة يتوفى بين 5 و10 مرضى يومياً بسبب الانتظار الطويل على قوائم السفر للعلاج في الخارج.
وأشار أبو سلمية إلى أن نحو 40% من إجمالي المرضى توفوا بسبب القيود الإسرائيلية على السفر وعدم توفر الخدمات الطبية المناسبة، مبيناً أنه وبسبب تدمير المستشفيات، وانعدام المراكز الطبية المتخصصة، وانخفاض خدمات الكلى الصناعية، انخفض عدد مرضى الفشل الكلوي من 1150 مريضاً قبل الحرب إلى أقل من 700 مريض حالياً، حيث توفي المرضى، إما بسبب نقص الخدمة، أو جراء عدم السماح لهم بالسفر إلى الخارج.
وأكد أنه قبل الحرب، كان المرضى يتلقون ثلاث جلسات غسيل أسبوعياً، كل جلسة مدتها 4 ساعات، لكن الآن، بسبب نقص الأجهزة والنزوح، تقلصت الجلسات إلى جلستين أسبوعياً، بمعدل ساعتين في الجلسة.
وتغص مستشفيات قطاع غزة بمئات المرضى والجرحى، الذين يعانون أوضاعاً صحية صعبة، وينتظرون دورهم للسفر من أجل إنقاذ حياتهم، خاصة في ظل تراجع الخدمات الطبية داخل القطاع، وعدم وجود إمكانية لإنقاذهم في القطاع.
تداعيات تشديد الحصار
ما زال الحصار المشُدد يُطبق على سكان قطاع غزة منذ نحو أسبوعين، وبسببه تتزايد الأزمات وتتعمق المشاكل، وتزيد قائمة المفقودات من الأسواق.
ويخشى مواطنون من تداعيات أكثر صعوبة لهذا الحصار، خاصة فيما يتعلق بأزمة المياه، لا سيما بعد فصل خط الكهرباء الوحيد في قطاع غزة، والذي كان يُغذي محطة تحلية المياه الوحيدة في القطاع، ما تسبب بتوقفها عن العمل، مع تصاعد التهديدات الإسرائيلية بقطع خطوط المياه التي تمد قطاع غزة من الجانب الإسرائيلي.
وأشار مواطنون إلى أن الفترة المقبلة تبدو صعبة في حال لم يتم رفع الحصار وفتح المعابر، خاصة فيما يتعلق بالمياه، التي باتت شحيحة في القطاع، مع مخاوف من حدوث حالة عطش شاملة.
وبيّن المواطن ياسر الطويل، الذي يقطن في منطقة المواصي، أنه يُعاني وأسرته من شح في المياه بنوعيها، سواء مياه الاستخدام المنزلي أو مياه الشرب، ويخشى من حدوث المزيد من الشح في إمدادات المياه.
ولفت إلى أن المواطنين جميعاً باتوا يبحثون عن مياه نظيفة، وصالحة للشرب، خاصة بعد إغلاق معظم محطات التحلية، وقلة الشاحنات التي تحمل الصهاريج، التي تصل المناطق السكنية في القطاع.
وذكر أنه وبسبب نقص المياه اضطر مؤخراً لشرب مياه مالحة يعتقد أنها غير صالحة، يتم استخراجها من بئر زراعية، وهذا يُهدد سلامته وأسرته، ويبدو أن الأمور تتجه نحو المزيد من الصعوبة.
وحذّرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسيف"، من أن النقص الحاد في المياه في قطاع غزة وصل إلى مستويات حرجة، إذ لا يستطيع سوى شخص واحد من كل 10 أشخاص حالياً الوصول إلى مياه الشرب الآمنة، أي ما مجمله 90% من السكان.
وتُقدّر وكالات الأمم المتحدة أن 1.8 مليون شخص في غزة، أكثر من نصفهم من الأطفال، يحتاجون بشكل عاجل إلى المياه والصرف الصحي والمساعدة الصحية، مؤكدة أن الوضع تدهور بشكل أكبر بعد قرار قطع الكهرباء عن قطاع غزة، ما أدى إلى تعطيل عمليات تحلية المياه الحيوية.
كما حذّرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر من "أزمة إنسانية خطيرة" في قطاع غزة، في ظل تعليق إسرائيل إدخال المساعدات، ووقف إمدادات الكهرباء عن محطة تحلية المياه الوحيدة في القطاع.
بحرية الاحتلال تُصعّد اعتداءاتها
صعّدت بحرية الاحتلال اعتداءاتها على طول المناطق الساحلية غرب قطاع غزة، عبر إطلاق النار المُستمر، وإطلاق قذائف صاروخية تجاه الشاطئ.
وأكد مواطنون ونازحون يُقيمون على الشاطئ، أنه لا يمر يوم دون إطلاق نار وقذائف باتجاه خيام النازحين، ومناطق محاذية للشاطئ.
وأوضح مواطنون أن الاحتلال ضاعف من عدد الزوارق الحربية التي تنتشر على طول الشاطئ، وبات هناك أكثر من نوع منها، بعضها كبير، وأخرى صغيرة، إضافة إلى زوارق مطاطية، مزودة بمحركات فائقة السرعة.
كما ترافق الزوارق طائرات مُسيّرة صغيرة تحلّق فوق مناطق غرب القطاع، لا سيما فوق مُخيمات النازحين، ويُعتقد أن جنوداً على متن زوارق هم من يقومون بإطلاقها.
وقال المواطن عبد الله زعرب، الذي يُقيم على شاطئ بحر خان يونس: إن الزوارق الحربية الإسرائيلية باتت تُشكل تهديداً يومياً للسكان والنازحين على طول الشاطئ، ومنذ انتهاء المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار تزايدت اعتداءاتها، وباتت تُطلق النار بشكل يومي، خاصة خلال ساعات الليل.
وأشار زعرب إلى أن الزوارق الحربية تُطلق النار باتجاه قوارب الصيادين الذين يُحاولون دخول البحر، وكذلك باتجاه نازحين يضعون خيامهم في مناطق المواصي، وهذا الأمر المزعج دفع العديد من النازحين إلى نقل خيامهم بعيداً عن الشاطئ، لتلافي الاعتداءات.
ونوّه إلى أن الاحتلال ما زال يُشدد حصاره البحري على قطاع غزة، ولا يسمح للقوارب بدخول البحر، بينما يتواصل التضييق على النازحين القريبين من الشاطئ.
من جهتها، أكدت الفتاة ديما شرف أنها شعرت بخوف شديد قبل يومين، بعدما اقتربت زوارق الاحتلال من الشاطئ في ساعة متأخرة من الليل، وكانت وهي في خيمتها تسمع هديرها، وكأنها دبابات قريبة منهم.
وبينت شرف أن الزوارق تُخيفهم، فقد نزحوا باتجاه المنطقة الإنسانية هرباً من الدبابات في رفح، وأقاموا بالقرب من الشاطئ، لكن الزوارق تُحاصرهم من الناحية الغربية، وتُضيق الخناق عليهم.
بينما قال مواطنون عائدون إلى مدينة غزة وشمال القطاع: إن الزوارق الحربية تلاحقهم، عبر إطلاق النار بشكل يومي، وبعض الرصاص يُصيب البنايات المُرتفعة التي تقع على الشاطئ، خاصة في مناطق غرب مدينة غزة، وهذا دفع بعض المواطنين إلى إخلاء شُقق، وبنايات محاذية لشاطئ البحر.
0 تعليق