كتب يوسف الشايب:
كان وقع نبأ رحيل الفنان والشاعر والكاتب وضاح زقطان، عقب صراع مع المرض، أول من أمس، صاعقاً، وحزيناً، على أصدقائه الكثر في فلسطين وخارجها، وتحديداً في مدينة رام الله، حيث قضى سنواته الأخيرة، حتى دفن، أمس، في مقبرتها الجديدة، بحضور لفيف من عائلته وأصدقائه.
وزقطان مولود في الخليل العام 1956، ودرس الموسيقى وأسس عدة فرق للاغاني الوطنية، عاش فترةً في بيروت، وشارك في معركة الدفاع عنها في العام 1982، وخرج مع منظمة التحرير الفلسطينية ثم أقام في عمّان، وعاد إلى فلسطين، ليلتحق بوزارة الشباب والرياضة الفلسطينية، وكتب زاوية أسبوعية في جريدة الحياة الجديدة، وله العديد من قصص الأطفال، والكتابات الشعرية والسردية.
وكتب شقيقه الشاعر غسان زقطان: اليوم، فقدت شقيقي وضاح صديقي ورفيق الرحلة ببهجتها وقسوتها، من أزقة مخيم الكرامة إلى عمان وبيروت وأسابيع حصارها إلى دمشق ثم رام الله، وضاح كان الولد ابن المخيم في كل ما كتبت وكان الفتى المندفع الجميل الممتلئ بالحياة، والمقاتل الشجاع العفوي، والفنان الذي حصن روحه في مواجهة الخذلان بالسخرية، كان ببساطة طفلاً أحب الأطفال.
ونعى الاتحاد العام للكتّاب والأدباء الفلسطينيين، في بيان، أمس، الشاعر الراحل وضاح خليل زقطان، جاء فيه: "عودنا الموت أن يدهم قلوبنا من حيث لا نحتسب، وأن يسحب من بيننا عزيزاً على حين غرة، ليصدمنا بالأماكن الباكيات على مفارقيها قبلنا، وإذ نودع شاعراً مرموقاً وزميلاً عابراً للنسيان. جوال الفرح وجواب مقاهي المدينة، نضع مشاعرنا بجهوزية الحزن على فراقه، ولن ننسى وصاياه الممهورة بإبداع المخلص لمشواره".
ولوضاح زقطان دور كبير في مجالات عدّة، من بينها كتابة الأغنيات وتلحينها والغناء أيضاً، علاوة على التمثيل المسرحي، والكتابة الشعرية، وتأسيس الفرق، بالإضافة إلى دوره النضالي.
ومن بين تلك الفرق الخالدة في التاريخ الفلسطيني والعربي، فرقة "بلدنا"، التي تواصل عملها منذ العام 1977، حيث بدأت كفرقة للأطفال يشرف عليها وضاح، يكتب ويلحن بلا كلل ويفتح درباً جديداً للفن ليحمي ويبني براعم المستقبل، انطلاقاً من العاصمة الأردنية عمّان، ومن ثم، وحسب الصفحة الرسمية للفرقة، "يعزز الشاعر المبدع غسان زقطان مسيرة الفرقة بمجموعة من قصائده وأغنياته، ويتصاعد اثر الأغنية الجديدة وهي جديدة فعلاً في الساحة الأردنية، لأنها كانت المرة الأولى التي تقدم فيها فرقة هذا النوع من الغناء الطالع من هموم الإنسان وجراحه، وفي وقت لاحق قدمت "بلدنا" مجموعة من المسرحيات الغنائية، ومع مغادرة الشاعر غسان زقطان إلى بيروت، ومن ثم تبعه وضاح زقطان، واصل الفنان كمال الخليل الانطلاق بالفرقة حتى يومنا هذا".
وكانت الفرقة تعرف بداية باسم فرقة "المسيرة"، وأسسها زقطان، وكان لها العديد من الأغنيات ذائعة الصيت، في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، من بينها: "وائل"، و"عمي أبو الفانوس"، و"هذا الوطن للناس"، وغيرها من الأغنيات التي قدمت في إطار فرقة "بلدنا" لاحقاً.
وزقطان هو مؤسس فرقة الرايات، منتصف الثمانينيات في عمّان، بعد أن كان قد بدأ في تأسيسها في بيروت، وهو ما استذكرته الفنانة عايدة الأميركاني في منشور لها، عبر "فيسبوك"، مرفقة إياها بصورة لها مع آخريات وآخرين للفرقة تعود إلى العام 1984: مع فرقة الرايات.. غنينا كثيراً معاً للوطن مع وضاح زقطان ونصري خالد.
ومن ذكرياته، في برنامج "طفولتي" عبر شاشة تلفزيون فلسطين، قبل عامين، قال وضاح: في طفولتي كنت أرسم في مخيم الكرامة، وكنت أكافأ بتعريفة مقابل الرسم، وكان والدي سعيداً بهذا، وتفرعت الموهبة في داخلي، فصرت أكتب الشعر والأغنيات، وأغني، وألحن، وأمثل".
آخر ما صدر باسم وضاح زقطان نُشر على المواقع الإلكترونية المتخصصة، بتوقيع وضاح وشادي زقطان، وصورة للأب والجد الشاعر خليل زقطان، أغنية بعنوان "غدروا بي"، الشهر الماضي، وهي أغنية كتبها خليل زقطان في مخيم الكرامة للاجئين الفلسطينيين بالأردن في العام 1955، ولحنها وضاح زقطان في العام 1985، ليغنيها شادي زقطان في العام 2025.. وتقول كلماتها: "غدروا بي، فتعلمت الوفا.. عذبوني، فتعلمت الجَلَد.. أبعدوني، فإذا البعد انتماء وعطاء يتغنى بالبلد".
وكان الفنان والمؤلف الموسيقي شادي زقطان، أشار في حوار صحافي سابق، إلى أن عمّه وضاح زقطان الذي عاش معه أثناء طفولته، بغيتاره والكلاشنكوف معاً، شكل صورة أسطورية في ذهنه، كما شكل وعيه الباكر، وانحيازه إلى أغنيات سياسية اجتماعية تحكي الاحتلال والحرية والحرب، كما التراجيديا الفلسطينية المستمّرة منذ العام 1948.
وسبق أن أطلق وضاح زقطان قبل عشرة أعوام، ومن متحف محمود درويش في مدينة رام الله، مجموعة شعرية موجهة للأطفال حملت عنوان "حكي صغار"، عن دار "الرصيف" للنشر، بحيث يحاكي فيه عبر 14 قصيدة تراوحت ما بين الفصحى والدارجة، عقلية الطفل في نسج حكايته ورؤيته للأشكال والألوان.
0 تعليق