كتب خليل الشيخ:
يجلس المسن عبد الله السيقلي (73 عاماً) على كرسي أمام منزل قديم الإنشاء قبالة ساحة الجندي المجهول وسط مدينة غزة، مُتجهم الوجه، حزين الحال وهو يشاهد جموع النازحين، ويراقب حركة هؤلاء الباحثين عن مآوٍ تحميهم من صواريخ الاحتلال بين أروقة المجلس التشريعي.
"لم أتوقع أن يصل الحال بمبنى وصرح المجلس التشريعي أن يصل إلى هذا الحد من الدمار والخراب"، هكذا قال السيقلي وهو يطلق تنهيدة عميقة تعبيراً عن حزنه بسبب التراجع في الواقع الميئوس منه في قطاع غزة، في أعقاب استمرار العدوان الإسرائيلي الذي طال كل شيء.
ويشهد مقر المجلس المدمر اكتظاظاً كبيراً من النازحين، وتقام في كافة أرجائه وساحاته خيام صغيرة لإيواء النازحين، فيما تستخدم غرفه الصغيرة المطلة على الشوارع كبسطات للبيع ومحلات للحلاقة وبيع الملبوسات.
كما تشهد حركة النازحين نشاطاً كبيراً من عدة أطراف في مدينة غزة وشمالها إلى وسط وغرب المدينة، هرباً من قذائف وصواريخ الاحتلال.
وأضاف السيقلي: "شهدت منذ أيام طفولتي وشبابي على أن هذا المكان من أهم الرموز السياسية والسيادية في فلسطين، خاصة في الفترة التي أعقبت تأسيس السلطة الوطنية وحتى بداية الانقسام".
وتابع "حتى في تلك الفترة التي شهدت انقساماً فلسطينياً، تعلق جوهرياً عمل المجلس التشريعي إلا أن حكومة غزة حافظت على هيبة المكان ورمزيته".
في الخامس عشر من تشرين الثاني من العام 2023 أعلنت قوات الاحتلال التي اجتاحت مدينة غزة وسيطرت على كافة الشوارع الرئيسة فيها، أنها فجّرت مبنى المجلس التشريعي.
ويتكون مقر المجلس من عدة طوابق ومُقام على مساحة نحو دونمين وسط ساحة واسعة كانت جزءاً لا يتجزأ من حرمة مبنى المجلس.
وكانت وسائل إعلام إسرائيلية نشرت صوراً لجنود من قوات "جولاني" داخل المجلس قبل أن تفجره بعبوات ضخمة.
وأوضح السيقلي الذي يجاور هذا الصرح منذ عدة عقود: "لا تزال هيبة المكان حاضرة في وجداني ووجدان عموم الشعب لكن ما شاهدته من خراب ودمار بعد أن عدت إلى المكان بعد فترة النزوح جعلتني أبكي بقوة".
وتأسس مبنى المجلس التشريعي في عهد الإدارة المصرية في العام 1958 قبل أن تحوله قوات الاحتلال إلى مقر الحاكم العسكري للقطاع ومركز اعتقال، وبعد قدوم السلطة الوطنية صار مبنى المجلس مقراً ثابتاً لأعضاء المجلس التشريعي الفلسطيني بعدما شهد عدة أعمال بناء وإضافات تطويرية.
واعتبر السيقلي أن العدوان الإسرائيلي موجه نحو الشعب الفلسطيني بالدرجة الأولى بأفراده ومؤسساته ورموزه السياسية ومقاومته، مشيراً إلى أن تفجير مبنى المجلس كان سبباً رئيساً لتحوله إلى مركز نزوح لدى فاقدي المأوى من النازحين.
"بالقدر الذي أحزنني تدمير مبنى المجلس التشريعي قبل نحو عام وأربعة شهور بالقدر الذي أحزنني تحويله إلى مركز نزوح، بما في ذلك الإمعان في تدمير المكان والعبث بمحتوياته ومرافقه"، هكذا قال المواطن "أبو أشرف" في الستينيات من عمره، وأضاف: "صحيح أن الظروف صعبة وقاسية على الجميع لكن كان يمكن تجنيب مقر المجلس كل هذا التلف والدمار والإبقاء على هيبته وسيادته السياسية".
وتقام الخيام، إضافة إلى منطقة الجندي المجهول ومقر التشريعي، في عدة مؤسسات كبيرة كمركز رشاد الشوا، ومقر الجوازات والشرطة، والجامعات ومقر وكالة الغوث الدولية "الأونروا"، والبنايات المملوكة ملكية خاصة، وكافة الشوارع الحساسة والرئيسة في مدينة غزة، كنتيجة لسياسة التهجير التي تتبعها قوات الاحتلال في عدة مناطق بقطاع غزة.
وأوضح "أبو أشرف" الذي أراد أن يعبر عن رأيه فيما يواجه هؤلاء النازحين من معاناة وموت ودمار، أن حالة التشرد والنزوح والبحث عن ملاذ هو أمر شديد الأهمية، وأكبر بكثير من مجرد استخدام تلك المؤسسات والمباني كملاذ ومآوٍ للنجاة من الموت.
وقال: "لكن كان يجب أن يبقى لمبنى المجلس التشريعي مكانته الوطنية الخاصة، وهيبته في تمثيل الشعب سياسياً وديمقراطياً، بعيداً عن تحويله إلى مجرد مركز للنزوح، وساحة للبيع والتربح.
0 تعليق