كتب محمد الجمل:
واصلت "الأيام" نقل مشاهد جديدة من العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة، ورصدت استمرار الجرائم الإسرائيلية، وتفشي المجاعة، وزيادة الضغط على المواطنين في القطاع.
ومن بين المشاهد التي نقلتها "الأيام"، مشهد يرصد فقدان الاتصال بمئات العائلات المُحاصرة في حي تل السلطان غرب مدينة رفح، ومشهد آخر يُوثق حال السكان في قطاع غزة بعد شهر كامل من الحصار المُشدد، ومشهد ثالث تحت عنوان "بلدات تحت نيران المدفعية".
عائلات محاصرة
ما زالت مئات العائلات مُحاصرة داخل حيّي تل السلطان والسعودي غرب مدينة رفح، جنوب قطاع غزة، منذ أكثر من أسبوع، حيث انقطع الاتصال بها تماماً، بعد أيام على إصدار مناشدات من تلك العائلات.
ووفق المعلومات المتوفرة لدى جهات الاختصاص، تُشير إلى أن هناك مئات العائلات ما زالت محاصرة في منازلها داخل الحيَّين، خاصة الحي السعودي، حيث أصدر الاحتلال أمراً بخروج العائلات وحدد 4 ساعات، من الساعة 10-2 ظهر الجمعة الماضي، وسُجل خروج عدد قليل من العائلات، وجرى اعتقال معظمهم، ويبدو أن هذه المعلومات لم تصل لغالبية العائلات، وربما يكون المحاصرون استشهدوا جراء إطلاق النار والجوع والعطش.
ووفق بلدية رفح، وجهاز الدفاع المدني، ومواطنين من سكان الحي استطاعوا الخروج، فإن حيَّي تل السلطان والسعودي كان يتواجد فيهما نحو 50 ألف مواطن، خرج جزء منهم في اليوم الأول، وما زال الآلاف محاصرين.
ومن بين العائلات المحاصرة ٣ عائلات تتواجد في منزل المواطن "أنور المغير" في الحي السعودي، حيث يتواجد في المنزل 15 شخصاً، غالبيتهم من النساء والأطفال، ولا يوجد لديهم ماء ولا مخزون كافٍ من الطعام، ويعيشون أجواء رعب مع تصاعد القصف والغارات وعمليات النسف في محيطهم، وقد انقطع الاتصال تماماً معهم ولا يُعرف مصيرهم حتى الآن.
وما زالت قوات الاحتلال تمنع دخول طواقم الإسعاف والهلال الأحمر والدفاع المدني إلى الحي، حيث سمحت لفريق صغير بالدخول إلى منطقة شمال غربي رفح لبضع ساعات فقط، للبحث عن عناصر الدفاع المدني والهلال الأحمر المفقودين، مع حصر البحث في بقعة جغرافية صغيرة، يحظر تجاوزها.
وقال المواطن عز الدين عبد الله: إن صديقه وعائلته محاصرون داخل الحي، ولا يُعرف مصيرهم حتى الآن، وآخر اتصال كان معهم في اليوم الثاني من العدوان، أي قبل أسبوع، ومنذ ذلك الوقت لا يعلم شيئاً عن مصيرهم.
وأكد عبد الله أن كل ما يرد من معلومات من داخل الحي المُحاصر تشير إلى أن الأوضاع ما زالت صعبة، والعائلات المتواجدة في الحي تعيش ظروفاً عصيبة، ولا تستطيع مغادرة منازلها.
وأوضح أن مئات العائلات تعيش حالة قلق على مصير أبنائها، الذين ما زالوا محاصرين، في ظل توارد المعلومات عن إعدامات بالجملة لمواطنين في الحي، واعتقال المئات، ومخاوف من قيام الاحتلال بدفن الجثامين في مقابر جماعية لا يعرف مكانها.
وكان الاحتلال شن هجوماً مباغتاً على الحي المذكور، وحاصره من جميع الجهات، وأعلن عن شن عملية عسكرية واسعة فيه، دون تحديد سقف زمني لهذه العملية.
شهر من الحصار المُشدد
مضى شهر كامل على أشد وأطول حصار يتعرض له قطاع غزة خلال العقود الماضية، حيث ما زالت سلطات الاحتلال تمنع إدخال جميع السلع الغذائية، والوقود، والأدوية، وجميع أنواع المساعدات العينية.
وما زالت آثار الحصار المذكور تتزايد على عموم قطاع غزة، ويشتكي مواطنون من شح كبير في الغذاء والماء والدواء، وسط أزمات موازية، منها أزمة مواصلات، وأزمة في الخيام، ونقص في جميع أنواع المستلزمات الأخرى.
واشتدت معاناة المواطنين جراء الحصار المذكور، وبات خطر تفشي المجاعة يزداد، والأوضاع تتجه نحو المزيد من الصعوبة، وقد وصف الكثير من المواطنين، وممثلون عن مؤسسات إغاثية الأمر بالكارثي.
وما زالت الأسواق تفقد المزيد من المواد الغذائية والاستهلاكية بشكل يومي، في حين ترتفع الأسعار، وتتوقف المطابخ الخيرية "التكايا" عن العمل، ويزداد توقف المركبات العمومية والخاصة في القطاع.
وتضطر غالبية العائلات في قطاع غزة إلى تناول المُعلبات، وأحياناً الخبز فقط، في حين يضطر غالبية سكان القطاع للطهي على النار، باستخدام الحطب والخشب كوقود، حيث ارتفع ثمن كيلو الخشب والحطب إلى 10 شواكل، ما أضاف عبئاً كبيراً على العائلات.
وقالت جولييت توما، التي تعمل مديرة الإعلام والتواصل لدى وكالة الغوث الدولية "الأونروا"، في وصف ما يحدث في قطاع غزة: "لا طعام أو ماء أو أدوية أو إمدادات تجارية سُمِح بدخولها إلى غزة بسبب الحظر المستمر الذي تفرضه السلطات الإسرائيلية.. هذه أطول فترة انقطاع منذ بدء الحرب.. كل يوم من دون أي إمدادات يعني أن الأطفال ينامون جائعين".
من جهته، شدد الناطق باسم وكالة الغوث "الأونروا" عدنان أبو حسنة، على الحاجة إلى وقف إطلاق النار، وإعادة التهدئة مرة أخرى، وإدخال آلاف الشاحنات.. غير ذلك هو بمثابة حكم بالإعدام على المكان، والبنى التحتية، وعلى البشر أيضاً".
بينما قال مفوض عام "الأونروا" فيليب لازاريني، في أحدث تصريح له: "الآباء عاجزون عن توفير الطعام لأطفالهم، والمرضى بلا دواء في غزة، الجوع يتفاقم في غزة، بينما يلوح خطر انتشار الأمراض في الأفق، ويستمر القصف الإسرائيلي، وأكثر من 140 ألف شخص في غزة اضطروا إلى النزوح بسبب أوامر الإخلاء التي أصدرتها إسرائيل".
بلدات تحت نيران المدفعية
بدا واضحاً أن سلاح المدفعية هو أحد أبرز أسلحة الاحتلال وأكثرها استخداماً منذ عودة العدوان في الثامن عشر من آذار الجاري. فمنذ تجدد العدوان أفرط الاحتلال في إطلاق قذائف المدفعية بمختلف العيارات والأنواع، مستهدفاً عشرات البلدات والأحياء شرق وشمال، ووسط وجنوب قطاع غزة.
وما زالت بلدات شرق محافظة خان يونس، خاصة عبسان وخزاعة، من أكثر المناطق التي تتعرض لقصف مدفعي متواصل وبصورة يومية، بينما تصاعد القصف المدفعي تجاه مناطق شمال القطاع، خاصة بلدات بيت حانون، وبيت لاهيا، وجباليا.
ووفق مصادر محلية، فإن جيش الاحتلال أقام عشرات مرابض المدفعية على طول الحدود مع قطاع غزة، وعلى الحدود المصرية الفلسطينية جنوب رفح "فيلادلفيا"، وتُطلق قواته مئات القذائف يومياً باتجاه أهداف متفرقة في القطاع.
وقال المواطن عبد الله الأخرس: إن الاحتلال يستهدف مناطق شرق خان يونس بالمدفعية لليوم السابع على التوالي، والقذائف تتساقط في الشوارع وعلى المنازل كالمطر، ويتزامن ذلك مع إطلاق نار مكثف من الطائرات المُسيّرة "كواد كابتر"، مستهدفاً كل ما هو متحرك في البلدة.
وأشار الأخرس إلى أن قذائف المدفعية تسببت بسقوط عشرات الشهداء والجرحى، وتدمير عدد كبير من المنازل، والأخطر من ذلك أن القصف المدفعي أخلى أكثر من 60% من سكان بلدات شرق خان يونس حتى الآن، ولا تزال الأمور تتجه نحو المزيد من السوء.
بينما أكد نازحون يقطنون مناطق شمال غربي رفح، وتحديداً منطقة "الشاكوش"، أن القصف المدفعي تجاه خيامهم لم يتوقف منذ أكثر من أسبوع، وهذا تسبب في خلو المنطقة من النازحين، إذ فكك الآلاف خيامهم واتجهوا نحو الشمال، بعد أن أضحت حياتهم في خطر بسبب هذه القذائف.
وأوضح المواطن إبراهيم سالم أنه نزح من مناطق شمال غربي رفح قبل عدة أيام، وأقام خيمته الجديدة في محيط شارع 5 غرب خان يونس، ويُلاحظ وصول المزيد من العائلات إلى تلك المنطقة بشكل يومي، مبيناً أن عائلات نازحة وصلت مؤخراً من شمال قطاع غزة، وأخبروه بأنهم نزحوا من مناطق بيت لاهيا بسبب القذائف، واتجهوا إلى جنوب غربي مدينة غزة، ولاحقتهم أوامر النزوح، حتى وصلوا أخيراً إلى مواصي خان يونس، حيث كانوا يقيمون منذ أشهر طويلة، وهم لم يشعروا بالأمان منذ تجدد العدوان، بسبب كثافة القصف المدفعي.
0 تعليق