كتب محمد الجمل:
دخل العدوان الإسرائيلي على محافظة رفح، جنوب قطاع غزة، مرحلة جديدة أكثر خطورة، مع تعميق العمليات البرية، وحصار معظم الأحياء في المحافظة، وتنفيذ جرائم ومجازر كبيرة، استهدفت مَن بقي داخل رفح.
"الأيام" خصصت مشاهد اليوم لمدينة رفح، وما يحُدث فيها، منها مشهد يرصد حصار العائلات في المدينة، ومشهد آخر يرصد حزن أهالي رفح ومخاوفهم من استكمال تدميرها ومصادرتها، ومشهد ثالث يوُثق معاناة نازحي رفح في مواصي خان يونس.
عائلات محاصرة تتعرض للقتل
ما زالت عشرات العائلات تتواجد في مدينة رفح، التي أصدر جيش الاحتلال أوامر إخلاء لجميع سكانها، خاصة في مناطق خربة العدس. وأرسلت عائلات محاصرة في مدينة رفح مناشدات متتالية خلال الساعات الماضية، مطالبة الجهات الدولية والإغاثية بالعمل على إخراجها من المدينة.
وأرسل أفراد العائلات المذكورة مناشدات متتالية، مؤكدين أنهم يتواجدون في بلدة خربة العدس، ولا يستطيعون مغادرتها، وأن الدبابات والآليات العسكرية الإسرائيلية حاصرت البلدة من جميع الجهات، وسط قصف مدفعي عنيف، وإطلاق نار من مُسيّرات صغيرة "كواد كابتر".
وأشارت مصادر محلية إلى أن وضع المحاصرين في رفح يزداد سوءاً، مع تعميق الحصار على المدينة، وتقدم الدبابات باتجاه معظم أحيائها.
وشهدت محافظة رفح خلال الساعات الماضية عشرات الغارات الجوية، وقصفاً مدفعياً مكثفاً، وقد أفيد بسقوط عشرات الشهداء والجرحى، لم تتمكن فرق الإنقاذ من الوصول إليهم حتى الآن، فيما صدرت مناشدات من عائلات محاصرة داخل المدينة، مطالبة بإجلائها.
وقال المواطن ياسر طه، إنه غادر رفح، صباح الثلاثاء الماضي، ولم يستطع أخذ شيء معه، فقد خرج برفقة عائلته دون أي شيء، وساروا أكثر من 8 كيلومترات مشياً على أقدامهم، حتى وصلوا إلى مواصي خان يونس.
وأكد طه أن الوضع في رفح كان صعباً للغاية، فالدبابات وصلت إلى معظم أرجاء رفح، وبدأت بالفعل بحصار المدينة وفصلها عن جارتها خان يونس، كما جرى عزل الأحياء عن بعضها.
وأوضح أن جاره أبلغه بأنه ينوي الخروج بعده، لكنه لم يصل إلى المكان المتفق عليه في خان يونس، والاتصال معه مقطوع، ولا يعلم ما حدث معه، ويخشى أن يكون تعرض لسوء برفقة عائلته.
بينما قال المواطن حسن صالح، من سكان حي النصر شمال رفح، إنه وطوال العملية العسكرية على رفح، خلال الأشهر الماضية، لم تصل الدبابات إلى الحي الذي يقطن فيه، وظل المواطنون في منازلهم، وبناءً على ذلك، قررت الكثير من العائلات عدم إخلاء الحي، ظناً منهم أن الأمر مشابه لما كان في السابق، وأن العمليات البرية ستكون في عمق رفح، ولن تصل إلى أطرافها، لكنه شعر وعائلته بأن الوضع مختلف هذه المرة، لذلك قرروا النزوح، فيما بقيت عائلات في منازلها.
وبيّن صالح أن طائرات الاحتلال بدأت بقصف المنازل المأهولة في الحي، وقتلت وجرحت عشرات المواطنين الذين رفضوا الإخلاء، والوضع تفاقم، والعائلات باتت تهرب في محاولة للنجاة.
وأشار إلى أن العائلات التي بقيت في رفح انقسمت إلى قسمين؛ قسم مُحاصر ولا يستطيع الخروج من المدينة، وقسم يقطن على الأطراف ولم تصل إليه الدبابات بعد، ومعظمهم فروا باتجاه خان يونس مشياً على الأقدام.
مخاوف المواطنين
رغم أن المواطنين من سكان رفح، نزحوا للمرة الثانية عن مدينتهم، إلا أن هذه المرة بدت مخاوفهم أكبر، خاصة بعدما علموا بنوايا الاحتلال، ورغبته في إقامة محور جديد يفصل المحافظة عن باقي قطاع غزة، وربما يُمهد ذلك لضمها.
وقال المواطن أحمد منصور، إنه غادر رفح مُكرهاً، ويشعر بأنه قد لا يعود إليها، فنوايا الاحتلال لا تُبشر بخير، وتُشير إلى سيطرة طويلة على المدينة.
ولفت إلى أنه حاول أخذ أكبر كم ممكن من أغراض بيته الذي تركه شرق رفح، حتى تعينه على رحلة النزوح التي يعتقد أنها ستكون طويلة، لخشيته بأن كل ما تركه في بيته قد يتم سحقه وتدميره، فالاحتلال عازم هذه المرة على استكمال هدم وتدمير رفح.
وأشار منصور إلى أن رفح عزيزة على أهلها، وتركها للمرة الثانية يزيد من حزنهم وقهرهم، وهم يراقبون من مكانهم في خان يونس ما يحدث فيها من قصف وانفجارات، ويتابعون الأخبار الشحيحة التي تصل من داخل المدينة، وكلهم أمل بأن يعودوا إليها في القريب العاجل.
من جهته، قال المواطن أشرف عبد الكريم، إنه بات واثقاً بأن عدوان الاحتلال البري على رفح، يختلف هذه المرة كلياً عن العدوان الذي شُن في شهر أيار من العام الماضي، فحجم القوات التي أعلن الاحتلال أنها ستُشارك في العملية كبير، وهذا يدل على أنها عملية واسعة وشاملة، تستهدف كل رفح، والأمر الثاني يُشير إلى أنها طويلة، وستصاحبها عمليات هدم وتدمير واسعة لمنازل المواطنين والبنية التحتية، وكل أشكال العمران في المدينة.
واعتبر عبد الكريم أن رفح ما هي إلا بداية لعمليات برية أكثر عدوانية وشراسة في قطاع غزة، وأن جيش الاحتلال ينوي التوسع وتعميق الهجوم، تمهيداً للسيطرة على مناطق جديدة في القطاع، قبل فرض التهجير القسري على المواطنين.
وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أعلن أن الجيش الإسرائيلي سيُسيطر على محور "موراج"، الواقع شمال رفح، وهو بمثابة "فيلادلفيا 2"، حسب نتنياهو.
ومحور "موراج"، هو خط طولي يفصل بين محافظتي رفح وخان يونس، بجانب مستوطنة كانت تُسمى "موراج"، وكان خاضعاً للسيطرة الإسرائيلية قبل الانسحاب من قطاع غزة العام 2005، وهذا يدل على أن الاحتلال عازم على إعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل الفترة المذكورة.
معاناة نازحي رفح
يعيش عشرات آلاف النازحين من سكان مدينة رفح، الذين لجؤوا، مؤخراً، إلى منطقة مواصي خان يونس، ظروفاً عصيبة، ويفتقدون أبسط مقومات الحياة، ويتواجد معظمهم في العراء دون خيام.
ويعاني النازحون، خاصة الذين غادروا منازلهم تحت وقع القصف دون أن يتمكنوا من أخذ شيء معهم، من افتقارهم للخيام، والفراش، والأغطية، وحتى الطعام والشراب.
وذكر المواطن عبد الله موسى، أنه نزح من حي تل السلطان قبل نحو أسبوعين، وكان محظوظاً بأنه تمكن وعائلته من مغادرة الحي أحياء، حيث قضى العشرات في رحلة النزوح، أو على حاجز جيش الاحتلال.
وبيّن موسى أنه خرج من بيته دون أن يستطيع حمل شيء، فحتى ما تبقى من مال معه سقط خلال جريه في محاولة لمغادرة الحي، ووصل مع عائلته إلى منطقة المواصي، وهم يفتقدون كل شيء، وبالكاد استطاعوا توفير عدد من "الشوادر" والأغطية، وأقام خيمة بدائية صغيرة، لكنه ما زال يحتاج للكثير من المتطلبات.
وأشار إلى أن أبناءه يعيشون الحرمان، وينهشهم الجوع، فحتى "تكايا الطعام" لم تعد متفرقة في خان يونس، كما كانت في النزوح السابق.
بدوره، أوضح المواطن ياسر الكرد، أن نازحي رفح يعيشون وضعاً مأساوياً في مواصي خان يونس، خاصة أن معظم الأراضي الخالية بات ملاكها يؤجرونها، فأقل قطعة أرض صغيرة تصلح لإقامة خيمة عليها تحتاج إلى 250 شيكلاً بدل إيجار شهري، عدا حاجة النازحين لخيام، وأغطية، والكثير من المستلزمات.
وأكد الكرد أن المواطنين أصبحوا فقراء، والغالبية العُظمى من النازحين لا يمتلكون المال، خاصة أن جميع مستلزمات النزوح أسعارها ارتفعت على نحو كبير، لذلك يجب على المُبادرين والمؤسسات الخيرية أن يوجهوا جهودهم من أجل خدمة النازحين، وتوفير احتياجاتهم، لا سيما الفقراء منهم.
وشدد على ضرورة العمل على توفير مياه صالحة للشرب لصالح النازحين في مواصي خان يونس، والعمل على تقديم الرعاية الطبية لهم، خشية تفشي الأمراض، خاصة مع الاكتظاظ الكبير في تلك المناطق.
0 تعليق