كتب محمد الجمل:
تواصل "الأيام" رصد ونقل مشاهد جديدة من قلب قطاع غزة، في ظل استمرار تصعيد الهجمات والإبادة، وتشديد الحصار وتفاقم معاناة المواطنين، ومن بين المشاهد البارزة التي تمّ رصدها، مشهد يرصد توسيع العدوان البري على رفح، ومشهد آخر بعنوان "تدمير آخر السلال الغذائية في القطاع"، ومشهد ثالث يُوثق تداعيات قصف خيام النازحين ليلاً.
توسيع العدوان البري على رفح
شهدت الساعات الماضية توسعاً كبيراً في العدوان البري المتواصل على محافظة رفح، وتصعيداً في عمليات التدمير والنسف.
ووفق مصادر محلية وشهود عيان، فإن قوات الاحتلال أحكمت سيطرتها بشكل كامل على أحياء وسط، وغرب، وشرق رفح، ثم بدأت آليات عسكرية تتقدم باتجاه المناطق الشمالية، والشمالية الغربية، وصولاً لمناطق: زغلول، موراج، عريبة، والبركسات، وغيرها من المناطق.
وأكدت المصادر ذاتها أن آليات الاحتلال تتواجد بشكل مُكثف في تلك المناطق، وتواصل تحركها باتجاه مناطق أخرى، بالتزامن مع قصف جوي ومدفعي عنيف وغير مسبوق.
كما نفذت قوات الاحتلال عشرات عمليات النسف في محيط الأحياء والبلدات المذكورة، خاصة محيط موراج، وقد سُمع صدى ودوي الانفجارات الكبيرة من مناطق محافظة خان يونس، حتى الأطراف الجنوبية من مدينة دير البلح، وسط القطاع.
وقال المواطن عبد الرحيم صيام، وهو نازح من رفح، ويقيم في مواصي خان يونس: إن ما يحدث في رفح حالياً يفوق العمليات البرية التي تعرضت لها المدينة في السابق بكثير، فحجم القوات التي دخلت رفح وحاصرتها كبير، وعدد الآليات التي تُحكم سيطرتها على أحياء المدينة غير مسبوق، كما أن عمليات التدمير والنسف في رفح لا تتوقف على مدار الساعة.
وأكد صيام أن الأخطر من هذا كله أن الاحتلال يُواصل عزل وفصل رفح عن محيطها في القطاع، من خلال إنشاء محور فصل جديد "موراج"، مشابه لمحور "نتساريم"، وهذا قد يؤسس لاحتلال دائم لرفح، ولربما ضمها أو إقامة مستوطنات فيها.
وأوضح صيام أنه ومن موقعه يشعر أن العدوان البري على رفح يتوسع يوماً بعد يوم، والدبابات تصل للمزيد من المناطق، وأصوات القصف تتزايد.
في حين أكد مواطنون، نزحوا حديثاً من مدينة رفح، أن الاحتلال يُركز عملياته في الوقت الراهن في مناطق لم تصلها دباباته من قبل، خاصة أحياء خربة العدس، ومصبح، وعريبة، العطاطرة، النصر، والتدمير يتصاعد في تلك المناطق.
وأكد نازحون من رفح أن التدمير في المدينة يسير عبر ثلاثة مستويات، الأول تجريف وتدمير من الجرافات، والثاني غارات من الجو تستهدف منازل ومباني ومرافق وبنية تحتية، والمستوى الثالث وهو الأخطر ويتمثل بعمليات نسف المنازل، والمربعات السكنية.
تدمير آخر السلال الغذائية في القطاع
يصعّد الاحتلال حرب الإبادة على قطاع غزة بشكل غير مسبوق، ويُواصل عدوانه بشتى الطرق والوسائل.
ولم يكتف الاحتلال بالقتل والتدمير، وإغلاق المعابر، ومنع وصول المساعدات والمواد الغذائية، بل ذهب إلى أبعد من ذلك، من خلال تدمير وتخريب آخر السلال الغذائية في القطاع، وهي مناطق زراعية واسعة تقع على الحد الفاصل بين محافظتَي خان يونس ورفح، وتحديداً في مناطق "موراج، وقيزان ورشوان، وعريبة"، حيث جرى مؤخراً استصلاح أراض زراعية، وزراعتها بمحاصيل مهمة، مثل البندورة، والخيار، والباذنجان، والفلفل الأخضر، والكوسا، وتوابل خضراء، وغيرها من المحاصيل.
ورغم أن المزارع المذكورة ما زالت خارج نطاق العمليات العسكرية البرية، إلا أنه ومنذ نهاية الأسبوع الماضي، يواصل الاحتلال استهدافها بشتى الطرق، ما أدى إلى استشهاد أكثر من 15 مزارعاً، وإصابة آخرين، وتخريب وتدمير المزروعات، لا سيما مع تعرضها للقصف الجوي والمدفعي المتواصل.
واضطر العشرات من المزارعين لإخلاء أراضيهم، بينما يواصل آخرون العمل فيها محاولين جمع المحصول الناضج، حتى يقللوا خسائرهم الكبيرة.
ويقول الشاب محمد أبو لبدة، وهو عامل في قطاع الزراعة: إنه كان يعمل في أراض زراعية بمنطقة "قيزان رشوان" جنوب خان يونس، والأخيرة تتعرض على مدار الساعة لقصف مدفعي وجوي، ما دفعه لترك عمله من أجل النجاة.
وأشار إلى أن غالبية المزروعات في تلك المناطق تعرضت للتخريب، أو جفت وذبلت، بسبب توقف مصادر المياه، بعد تدمير آبار زراعية، وتخريب شبكات المياه.
ولفت أبو لبدة إلى أن خسائر المزارعين جراء العدوان على أراضيهم الواقعة جنوب خان يونس كبيرة، وحال تواصل العدوان على تلك المنطقة بنفس الوتيرة، ستتوقف الزراعة كلياً في تلك المنطقة.
في حين قال المواطن حسن هاشم، ويعمل بائع خضراوات في سوق خان يونس: إن الاحتلال منع وبشكل كامل جميع أنواع الخضراوات من الوصول للقطاع، والسوق حالياً تعتمد على كميات محدودة تتم زراعتها في القطاع، ورغم ارتفاع أسعارها، إلا أنها ما زالت متوفرة، لكن بعد استهداف مناطق جنوب خان يونس، والتي تمثل نحو 70% من الأراضي المزروعة حالياً في القطاع، سينخفض الإنتاج بشكل كبير، ولن يجد الناس الخضراوات في السوق خلال الفترات المقبلة.
وأكد هاشم أن الاحتلال يتعمد تجويع سكان القطاع، فآخر مصدر للخضراوات، ورغم أنه محدود، يعمل على تدميره، بهدف تعميق المجاعة وتسريعها.
قصف الخيام ليلاً
بدا واضحاً أن خيام النازحين في كافة أنحاء القطاع، خاصة مواصي خان يونس، ما زالت ضمن أهم الأهداف الإسرائيلية، خلال حرب الإبادة المتواصلة.
ويتعمد الاحتلال استهداف الخيام بشكل يومي، خاصة خلال ساعات الليل المتأخر، أو في وقت مبكر من الفجر، حين تكون العائلات نائمة، ومجتمعة داخل الخيام.
وغالباً ما يتم استهداف الخيام بصواريخ من طائرات مروحية، إذ تُحلق الأخيرة طوال الليل في أجواء القطاع، وهذه الصواريخ لها قدرات خطيرة، إذ تحرق الأجسام، وتُشعل النار في الخيام، كما أن مدى تأثيرها لا يتوقف على الخيمة المُستهدفة، بل يمتد لخيام مجاورة تبعد عشرات الأمتار عن الخيمة المستهدفة.
وجراء ذلك، تستقبل المشافي الميدانية والحكومية عشرات الضحايا ما بين شهيد وجريح في كل ليلة، وينتشر الرعب والخوف في الخيام، ويفقد النازحون قدرتهم على النوم والراحة، ويعيشون في حالة قلق دائمة.
ويقول المواطن النازح محمود الشاعر، ويقيم في مواصي خان يونس: إنه بات يكره قدوم الليل، الذي ارتبط عنده بالقصف، والغارات، والموت، والرعب.
وأكد الشاعر أنه لا تمر ليلة دون قصف خيام في مخيمات النازحين، خاصة في مواصي خان يونس، سواء في مخيم "رحمة، أو صمود، أو الأرض الطيبة، أو الكويتي"، أو غيرها من المخيمات، إذ أصبحت أصوات الانفجارات وصراخ الناس، وصافرات سيارات الإسعاف من ضمن المتلازمات التي يسمعها المواطنون في كل ليلة.
وأشار إلى أن الاحتلال طلب من سكان رفح وشرق خان يونس ومناطق أخرى إخلاء بيوتهم والتوجه لمواصي خان يونس، وحين وصلوا هناك بدأ باستهدافهم وقصف خيامهم، وهذه تعتبر جريمة مُركبة، لكن مقترفها ما زال دون عقاب أو مُحاسبة.
في حين يقول المواطن عبد الله الخطيب: إن الوضع في منطقة المواصي خطير، والخيام تتعرض للاستهداف كل يوم، سواء من الطائرات، أو الدبابات والزوارق، وإن النازحين يعيشون في ظل أوضاع كارثية، ويواجهون الموت والرعب طوال الوقت.
وأشار إلى أن مشكلة الخيام كبيرة، فالقماش أو النايلون لا تحمي من الشظايا، لذلك إذ ما جرى قصف خيمة، قد يسقط ضحايا على بعد عشرات الأمتار؛ جراء تطاير الشظايا التي تمزق الخيام وتصيب المتواجدين فيها.
0 تعليق