كتب محمد الجمل:
يتواصل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة بوتيرة أكثراً عنفاً منذ تجدده في الثامن عشر من الشهر الماضي، وتتصاعد حدة المجازر والجرائم الإسرائيلية، بينما لا تزال العمليات العسكرية في محافظة رفح متواصلة، وسط محاولات إسرائيلية لتعزيز السيطرة الأمنية على "موراج"، شمال المحافظة.
"الأيام" رصدت مشاهد جديدة من العدوان وتبعاته، منها مشهد بعنوان "مشاهد وصور صادمة"، ومشهد آخر يرصد حدوث تغييرات كبيرة في التوزيع الديموغرافي للسكان، ومشهد ثالث يُوثق تصاعد عمليات نسف المنازل في ساعة متأخرة من الليل.
مشاهد وصور صادمة
لا تزال الصور ومقاطع الفيديو الصادمة، التي تُوثق بعضاً من جرائم الاحتلال ومجازره في قطاع غزة، تخرج للعالم وتُظهر حقيقة ما يحدث في القطاع من إبادة جماعية، وتضع رواية الاحتلال الكاذبة على المحك.
وخلال أيام قليلة خرجت العديد من الصور ومقاطع الفيديو الصادمة من داخل القطاع، من بينها مقطع وثقه مُسعف لحظة تعرضه ورفاقه للإعدام من قبل الاحتلال، وقد لاقى المشهد انتشاراً، وصدى دولياً كبيراً، وقبلها مقطع أظهر تطاير جثامين الشهداء عالياً بعد غارة على مبنى في القطاع، ومقطع فيديو ثالث وثق احتراق صحافيين داخل خيمتهم، بسبب الغارات الإسرائيلية.
ورغم فظاعة المشاهد، وتوثيقها لجرائم الإبادة بطريقة لا تقبل التشكيك، إلا أن ردود الفعل الدولية والعربية لم ترتقِ بعد لمستوى الجريمة، وما زالت تلك الردود باهتة، لم تزد عن تنديدات، وتظاهرت هنا وهناك.
وأعرب مواطنون من سكان القطاع عن صدمتهم حيال الصمت الدولي لما حدث ويحدث من جرائم في غزة، يتم توثيق بعضها بالصوت والصورة، دون أن يتحرك العالم.
وقال المواطن عبد الله الزاملي: إن ما يحدث أمر صادم، فالعالم بدا وكأنه اعتاد المشهد، ولم يعد يتأثر أحد لجرائم الإبادة البشعة التي يرتكبها الاحتلال في القطاع، وهذا أراح الاحتلال وقادته، وجعلهم يتغوّلون أكثر في دماء أهل غزة، واستباحوا كل منطقة في القطاع، دون أن يخشوا شيئاً.
وأعرب الزاملي عن اعتقاده بأن الصور ومقاطع الفيديو التي نُشرت مؤخراً لو كانت من دولة أوروبية، مثل أوكرانيا مثلاً، لقامت الدنيا ولم تقعد، وانعقد مجلس الأمن الدولي، وتحرك حلف الناتو، لكن في حال غزة يبدو أن الأمر لا يهم أحداً، وكأن العالم كله اتفق على إبادة أهل غزة، وأن الكثيرين مشاركون في تلك المذبحة بشكل أو بآخر.
وأشار الزاملي إلى أنه وغيره من سكان القطاع ما زالوا يعوّلون على تحرك الشعوب الحرة، حيث جرى مؤخراً بعض التحركات المحدودة على شكل تظاهرات هنا وهناك، لكنها لم ترتق بعد لحجم الجريمة، ومستوى الإبادة التي تقع في غزة.
وبدأ نشطاء وصحافيون بالتحرك بشكل واسع، وأطلقوا حملات على شبكات التواصل الاجتماعي تُوثق جرائم ومجازر الاحتلال، وتطالب دول العالم بالتحرك لنصرة أهل غزة، ورفع الظلم عنهم، والعمل على محاسبة الاحتلال على مجازره وجرائمه في القطاع.
تغييرات في التوزيع الديموغرافي للسكان
تسبب استئناف العدوان على نحو واسع في قطاع غزة، وإصدار أوامر إخلاء جديدة شملت عدة مناطق في القطاع، خاصة جنوبه، شرقه، ووسطه وشماله، في إعادة رسم الخارطة الديموغرافية للقطاع، على نحو مشابه لما كان الحال عليه قبل دخول التهدئة حيز التنفيذ.
وخلال الأيام الماضية اضطر مئات الآلاف من المواطنين لتغيير محل إقامتهم، والانتقال إلى مناطق أخرى، منها مواصي مدينة خان يونس، وغرب مدينة غزة، حيث شهدت تلك المناطق اكتظاظاً سكانياً كبيراً، على حساب خلو مناطق أخرى من السكان.
وقال المواطن شريف سليم، ويعيش في منطقة مواصي خان يونس منذ نحو عام: إن التهدئة أدت إلى مغادرة أكثر من ثلثي النازحين من المنطقة، منهم من عاد إلى رفح، ومنهم إلى شرق خان يونس، وآخرون عادوا إلى مدينة غزة وشمال القطاع، لكن بسبب تجدد العدوان، وحدوث نزوح جديد، عاد المواطنون للإقامة في المواصي، وبدأت هذه المناطق تتكدس بالنازحين من جديد، وعادت الأمور إلى ما كانت عليه.
وأكد أن ثمة مخاوف من توغل الاحتلال في مناطق جديدة سواء في وسط أو جنوب القطاع، ودفع السكان للنزوح باتجاه مناطق أخرى، ما يعني مزيداً من التغيير الديموغرافي.
وأكد سليم أن النزوح والقصف أمور تهدف إلى دفع الفلسطينيين إلى الهجرة القسرية، وتقليص عددهم بالقطاع، وهذا الأمر يخشاه الجميع، ويتمنى المواطنون عدم حدوثه.
وحذر مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة، إسماعيل الثوابتة، من أن "التغيرات الديموغرافية الناجمة عن الحرب ستكون لها آثار بعيدة المدى على مختلف المستويات، وفي مقدمتها خلل في التوازن السكاني بسبب استهداف العائلات وفقد آلاف الأسر بالكامل".
وأكد الثوابتة أن الحرب أوجدت أزمة في البنية الاجتماعية جراء ارتفاع عدد الأرامل والأيتام، ما يزيد العبء الاجتماعي مع تزايد حالات فقد المعيل الرئيسي للأسرة، فضلاً عن الضغط الاقتصادي الهائل بفعل تدمير أكثر من 165 ألف وحدة سكنية كلياً، وتهجير جماعي أدى إلى تغيير أنماط الاستقرار السكاني، وزيادة معدلات الفقر والبطالة، مع تجاوز الخسائر الأولية 41 مليار دولار، وفق الثوابتة.
نسف المنازل ليلاً
يعيش سكان جنوب قطاع غزة حالة من الرعب اليومي، خاصة في ساعات الليل، بسبب دوي الانفجارات الكبيرة الناجمة عن عمليات نسف المنازل والمربعات السكنية التي تصاعدت مؤخراً في محافظة رفح.
ووفق نازحين ومواطنين يعيشون في محافظة خان يونس، فإن الاحتلال يتعمد تنفيذ عمليات نسف كبيرة في كل ليلة، حيث يُسمع دوي الانفجارات من مناطق بعيدة، حتى وسط قطاع غزة.
وقال المواطن إبراهيم العطار، ويقطن في مناطق المواصي جنوب غربي محافظة خان يونس: إنه منذ نزح من رفح نهاية الشهر الماضي يعيش وعائلته حالة رعب كبيرة، خاصة خلال ساعات الليل، بسبب دوي الانفجارات، التي وصفها بـ"المُزلزلة".
وأكد العطار أنه في البداية لم يُصدق أن الانفجارات التي يسمعها من مواصي خان يونس مصدرها مدينة رفح، حتى تأكد من ذلك، موضحاً أن كل انفجار يحدث يهز خيمته، ويتسبب بتساقط الأواني من مكانها، ويصيب العائلة برعب كبير.
وبيّن أن الاحتلال يتعمد تنفيذ التفجيرات في الليل، حيث يسبقها ضوء أحمر قوي، وهذا يهدف إلى نشر حالة الرعب بين المواطنين، ويجعل الجميع يعيشون قلقاً دائماً.
وأوضح أن ما يحدث في رفح جريمة كبيرة يصل صداها إلى المناطق المجاورة، وكل المعلومات الواردة من رفح تؤكد أن الاحتلال ينفذ أوسع وأكبر عمليات التدمير.
ووفق مصادر محلية ونازحين من رفح، فإن الاحتلال يقوم بإرسال روبوتات مُفخّخة تحوي كميات كبيرة من المتفجرات، ويتم تفجيرها بوساطة التحكم عن بعد، حيث يقوم كل ربوت بتدمير مربع سكني بالكامل، والتدمير يتركز حالياً في مناطق شمال رفح، خاصة مناطق عريبة، وخربة العدس، ومصبح.
من جهته، أكد رئيس بلدية رفح، أحمد الصوفي، أن قوات الاحتلال أجبرت نحو 300 ألف مواطن يقطنون مدينة رفح على مغادرتها بالكامل، تحت وطأة قصف جوي ومدفعي عنيف، أدى إلى سيطرة الجيش الإسرائيلي على المدينة وفصلها عن محيطها.
ووصف الصوفي هجمات الاحتلال بأنها "جرائم ممنهجة" استهدفت السكان وكافة مقومات الحياة في المدينة، وأكد أن الاحتلال دمّر 90% من رفح خلال الاجتياح الأول مطلع أيار 2024، ما ألحق أضراراً جسيمة بالمباني السكنية، والبنية التحتية، والمرافق العامة والخدمية والصحية.
0 تعليق