كتب محمد الجمل:
واصلت "الأيام" رصد مشاهد جديدة من العدوان الإسرائيلي المُتواصل على قطاع غزة، واستمرار جرائم الاحتلال في القطاع، وعمليات القصف وتعميق العدوان على بعض المناطق.
ومن المشاهد الجديدة التي رصدتها "الأيام"، مشهد تحت عنوان: "محاصرو رفح.. الموت جوعاً أو بالصواريخ"، ومشهد آخر يرصد تصاعد العدوان جنوب خان يونس، ومشهد ثالث جاء تحت عنوان: "الرشيد ممر المعاناة والخوف".
الموت جوعاً أو بالصواريخ
مازالت معاناة عشرات العائلات المُحاصرة داخل مدينة رفح، جنوب قطاع غزة، متواصلة، مع عجزها عن مغادرة المدينة، التي تتعرض لغطاء ناري هائل، أو إيصال الإمدادات لهم.
ووفق المعلومات التي حصلت عليها "الأيام"، فإن عدداً من العائلات مازالت محاصرة في منازلها بمدينة رفح، خاصة في بلدة خربة العدس، والحي السعودي، ومناطق أخرى شرق المدينة.
وتتمكن بعض العائلات من إجراء اتصالات بين الفينة والأخرى، جلها تكون عبارة عن استغاثات، ورسائل مناشدة، في محاولة لخروج تلك العائلات من المدينة.
وعلمت "الأيام" من مصادر عائلية باستشهاد المُسن شريقي ملاحي قشطة، جراء استهدافه بصاروخ من طائرة إسرائيلية مُسيّرة، بينما كان يقف على باب منزله، بعد محاصرته في بلدة خربة العدس شمال مدينة رفح. وقبلها بأيام قصفت الطائرات الحربية مُربعاً سكنياً، يتواجد فيه العديد من أبناء عائلة قشطة، ما تسبب بسقوط عدد غير مُحدد من المواطنين، عُرف منهم أشرف قشطة، وزوجته منال، وأبناؤهما الستة.
وقال مواطنون لهم أقارب مُحاصرون في رفح، إن الوضع في المدينة صعب، وما تبقى من ماء وطعام لدى بعض العائلات المحاصرة ينفد بسرعة كبيرة، وبات النازحون بين خيارين كلاهما مرّ، إما الموت جوعاً وعطشاً، أو الخروج من المنازل ومحاولة مغادرة رفح، وهذا يعني الموت بصواريخ ونيران المُسيّرات خلال محاولة النزوح.
وأشار المواطن أحمد قشطة، إلى أن العديد من العائلات من أقاربه مازالوا محاصرين في مناطق شمال رفح، ومنذ أكثر من أسبوعين يناشدون من أجل مساعدتهم في الخروج، لكن دون فائدة، والخطر عليهم يزداد مع تصاعد القصف، وتشديد الحصار على رفح.
وأكد أن العديد من أفراد العائلة ومحاصرين من عائلات أخرى يسقطون بشكل شبه يومي جراء استهدافهم، وأن خطر الموت جوعاً وعطشاً يزداد في تلك الفترة.
وبيّن أن المحاصرين لم يتخيلوا أن تصل عمليات الاحتلال في رفح إلى هذا الحد، وظنوا أن الدبابات لن تصل شمال رفح، ولن تحاصرها، لكن حدث ما لم يتوقعه أحد، والآن العائلات مُحاصرة، وعاجزة عن مغادرة المنازل.
ولفت إلى أنه في حال لم يتم إيجاد حل للعائلات المُحاصرة، ومساعدتها في الخروج من المنازل، فهذا سيشكّل حكماً بالإعدام على مئات المواطنين الذين مازالوا يقيمون في رفح.
تصاعد العدوان جنوب خان يونس
شهدت الأيام القليلة الماضية تصاعداً كبيراً في العدوان البري والجوي على مناطق جنوب محافظة خان يونس، جنوب القطاع، خاصة أحياء: قيزان النجار، وقيزان رشوان، والبطن السمين، والمنارة، وحي السلام.
وتشهد تلك المناطق، التي سبق أن أصدر جيش الاحتلال لسكانها أوامر إخلاء، عمليات قصف جوي ومدفعي على مدار اليوم، يتخللها إطلاق نار وصواريخ من طائرات مُسيّرة.
ودفعت الكثافة النارية الكبيرة في تلك المناطق، السكان إلى إخلائها بشكل كامل، ولا يستطيع أحد الوصول إليها، وكل مَن يحاول دخول تلك الأحياء يتم استهدافه من الطائرات.
وقال صالح عبد الرحمن، إنه اضطر لإخلاء منزله في منطقة قيزان النجار، بسبب كثافة القصف، وحاول العودة إلى المنزل بعد عدة أيام لجلب بعض الحاجيات، لكن طائرات مُسيّرة لاحقته وأطلقت النار باتجاهه، ما دفعه للفرار من المنطقة.
وأكد عبد الرحمن أن الوضع في أحياء جنوب خان يونس بات صعباً للغاية، فالاحتلال الذي يُسيطر على محور "موراج"، يحاول خلق مناطق عازلة على جانب المحور، ما جعل أحياء جنوب خان يونس في دائرة الخطر.
وأوضح أن عدداً من أقاربه وجيرانه استشهدوا بعد محاولتهم الوصول إلى مناطق جنوب خان يونس، وأن أخطر ما في الأمر، أن الاحتلال نصب رافعات جديدة، تُشرف على مناطق جنوب خان يونس، مثبتاً أعلاها بنادق قنص، وكانت هذه الرافعات سبباً في استشهاد العديد من المواطنين الذين وصلوا إلى تلك المنطقة.
من جهته، قال المواطن حسن عرفات، إن جيش الاحتلال وبعد سيطرته على مدينة رفح وتحويلها إلى منطقة عازلة، بدأ بالسيطرة التدريجية على أحياء جنوب خان يونس، بهدف ضمها للمنطقة العازلة، وهذا مضاف لضم مناطق شرق المحافظة للمنطقة العازلة، وربما لاحقاً يتم إنشاء محور آخر بين خان يونس ومدينة دير البلح، ما يعني ضم المزيد من الأراضي للمناطق العازلة، وتقليص مساحة خان يونس بشكل إضافي، وهذا يعني كارثة ديمغرافية وسكانية كبيرة، وزيادة التكدس بمناطق مُكدسة في الأصل.
"الرشيد" ممر المعاناة والخوف
لم يهنأ المواطنون في قطاع غزة طويلاً بانسحاب قوات الاحتلال من أجزاء من محور "نتساريم"، إذ أعاد الجيش الاحتلال احتلال الجزء الشرقي من المحور، وأغلق شارع صلاح الدين، وأبقى الحركة مُقتصرة على شارع الرشيد الساحلي، وهي محصورة في المشاة فقط.
والتحرك من خلال الشارع المذكور، الذي تتوقف دبابات الاحتلال على بُعد مئات الأمتار منه، لا يخلو من خطورة كبيرة، فرصاص آليات الاحتلال يصله بين الفينة والأخرى، بينما تُحلّق فوق الممر المذكور طائرات مُسيّرة على مدار الساعة، وتقصف المارة بين الفينة والأخرى.
ورغم ذلك، يضطر مواطنون للتحرك من خلال هذا المحور بشكل مُستمر، خاصة الذين لديهم مصالح وأعمال، أو التجار الذين ينقلون السلع بواسطة عربات "كارو" بين شمال القطاع وجنوبه.
وذكر المواطن رمزي عامر، أنه أقام وعائلته جنوب قطاع غزة لنحو عام، وخلال فترة النزوح عمل لدى مؤسسة مقرها جنوب القطاع، وفي التهدئة الأخيرة، وبعد فتح حاجز "نتساريم"، عاد مع عائلته للإقامة في مدينة غزة، ويضطر للتنقل من خلال المحور المذكور، عدة مرات أسبوعياً، ليصل إلى مقر عمله، موضحاً أن الحركة على شارع الرشيد خاصة بعد "تبة النويري"، خطيرة جداً، لاسيما أن الاحتلال أصدر سابقاً أوامر إخلاء شملت جميع المناطق جنوب المحور المذكور.
وبيّن عامر أن الخطر الشديد دفع ملاك عربات "الكارو"، والدراجات النارية إلى التوقف عن نقل المواطنين، وكثيراً ما يضطر لاجتياز المحور سيراً على قدميه، وهذا أمر مرهق جداً، قد يدفعه للسير مسافات طويلة.
وأوضح أن معاناة المواطنين على هذا الممر كبيرة، وكل مرة يجتازه يُشاهد الخوف في عيون المواطنين، الذين يسرعون في محاولة لاجتيازه بأقصى سرعة ممكنة.
بينما قال المواطن علي شاكر إنه يضطر، بحكم عمله كتاجر، إلى التوجه لمدينة غزة لجلب بعض السلع بواسطة دراجة "توك توك"، رغم شح الوقود، وفي كل مرة تنتابه مخاوف، أن يصل مدينة غزة ويتم إغلاق الممر، خاصة أن الدبابات تتواجد على مقربة منه، لذلك يُحاول إنجاز مهمته بأقصى سرعة ممكنة، فالممر غير آمن من جميع النواحي.
ولفت إلى أن الحركة من خلال ممر الرشيد غالباً ما تكون للضروريات، وأن عدد من يجتازونه انخفض منذ تجدد العدوان، وغالبية المواطنين يفضلون البقاء في أماكن سكنهم، سواء في شمال أو جنوب القطاع، باستثناء المضطرين للتنقل.
وكان جيش الاحتلال احتل ممر "نتساريم"، وفصل جنوب قطاع غزة عن شماله لأكثر من عام، ثم أعاد فتح الممر جزئياً بوجود مراقبين مصريين وقطريين وأميركيين، على شارع صلاح الدين، يقومون بتفتيش المركبات قبل عبورها، بينما يتم السماح بحركة المواطنين على الأقدام من خلال شارع الرشيد، قبل إغلاقه مجدداً، وانسحاب المراقبين منه.
0 تعليق