"حكايات وجود" لأحمد عيد.. موسيقى مغناطيسية مغمّسة بالحياة وبالثورة! - زاجل الإخباري

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

 

كتب يوسف الشايب:

 

ببساطة سرابيّة، تغطي عمقاً كبيراً بعشب عادة ما يشكل المادة الخام للأفخاخ، تمكّن الفنان أحمد عيد، من اصطياد جمهوره، بأغنياته الجديدة، والقديمة، وحتى التي يقدمها لأول مرة، بموسيقاها المغناطيسية التي تحمل جيناته، وكلماتها المليئة بالغضب، والألم، والأمل، والعجز، والخذلان، لكنها مغمّسة بالحياة، وبالحب، كما الثورة، وتنتصر للإنسان في دواخلنا.
هذا ما كان في العرض الأول للأمسية الموسيقية المتفردة "حكايات وجود"، الأولى من نوعها لعيد، في عليّة مركز خليل السكاكيني الثقافي بمدينة رام الله، مساء أول من أمس، التي امتلأت بالجمهور الجالس على المقاعد، وعلى الأرض يحيط بالفنان، حيث اشتعلت الشموع المهداة لأرواح شهداء فلسطين، وخاصة شهداء حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة، كما الأغنيات كلّها.
ومزج العرض بين أغنيات اشتهرت لعيد، وقدمها بتوزيع جديد بتناسب وخروجه منفرداً دون فرقته، وبعضها قُدمت للمرّة الأولى، كتبها ووضع موسيقاها في الأشهر وحتى الأسابيع القليلة الماضية، في أول تجربة له في أمسية منفردة، ما دفعه للتأكيد على أن "رهبة ما قبل خمسة وعشرين عاماً تعود من جديد".
وكانت البداية مع أغنية "باقيين هنا"، التي يختتمها بالتأكيد غناءً مع من يحفظ كلماتها من الحضور، بأن "قصصنا ما بتموت وبتنتسى، حلمنا ما بيندم وبينمحى، قلبنا ما بتوب وبينطفى، إحنا كلنا لو بالقلب باقيين هنا".
وتلتها أغنية "صبر أيوب" ذات اللحن المتميز والمغاير كما جلّ الأغنيات إن لم يكن جميعها، وهي التي تتحدث في مقطعها الأول عن سيدة حبلى تضطر إلى اللجوء من بلدتها الأصلية في فلسطين عام النكبة، فيما الثاني يتناول نشوء ابنها في الشتات، مخاطباً عبرها الاحتلال بنبرة تحدٍ مفادها: "لو دفنتوا الأرض بضل الحر حي ومسموع.. لو أسرتوا الضي بضل الحر نهر الشموع".
ومن أغنيات ألبومه المنفرد الأحدث "أغاني أخيرة"، كان أولها أغنية "في العلا شهيد"، التي يقول في مقطعها: هون كان المسا غفيان، عصورة عم تبكي الحيطان.. يا قبر مهلك عليه، حر ودمه بين إيديه.. هون كان البحر عطشان بسرّه عم تحلم حيتان.. يا سهر خذني إليه، خِلّي يخلّيلي عينيه"، ليصرخ بهدوء: "بعاد ولّا قريّبين، بالله قريّبين، لله لاجئين.. في العلا".
وتحدث الفنان عيد عن تجربته كفنان فلسطيني في ألمانيا، وخاصة تجربته الصعبة فيما بعد حرب الإبادة على غزة، بما تحويه من حصار وتضييق خناق وعنصرية، قبل أن يقدم واحدة من الأغنيات التي أثارت عليه عاصفة "الجمهور الأبيض"، وهي "عن أب وبنته"، وتتحدث عن أب فلسطيني خسر كل أولاده شهداء في حرب الإبادة، وبقيت له ابنة ناجية يغني لها لعلها تتمكن من النوم، ولسان حاله يردد: "صار الحلم كابوس أكحل عتيم ميئوس".
ولفت عيد إلى أنه ومنذ عامين "كل منّا يلاحق أخبار ما يحدث في غزة، والفيديوهات والصور المليئة بالتقتيل، والتهجير، والتجويع، وفي الوقت نفسه، نمجد صمود المقاومة، لكن علينا تذكير أنفسنا أن أهلنا في غزة ليسوا مجرد أسطورة، بل هم بشر، لكل منهم حكايته التي تبتلعها الحرب"، مقدماً أغنية جديدة، كتبها قبل أسبوعين إلى ثلاثة بعنوان "إحنا العاشقين" أو "حب من غزة".
وانتقد عيد حالة السكوت والصمت لدى العديد من الفلسطينيين في زمن الإبادة الجماعية ليس فقط في قطاع غزة، بل في مخيمات اللاجئين في شمال الضفة، وخاصة جنين وطولكرم، إما خشية فقدان بعض الامتيازات، أو محاربة حكومات ومؤسسات، أو العالم الأفيوني الذي يعيش فيه كثيرون منفصلين عن الواقع، مُقدماً أغنية "صمت وسكوت".
ولم يغب والد عيد، الشاعر الراحل زكريا محمد عن الأمسية، بحيث قدّم الابن أغنية بعنوان "زهرة الأحلام"، بشكل وصفه بالسيريالي، من وحي واحدة من القصص التي كان يحكي الكثير منها كما زوجته، أي والدتهما، وتتمحور حول قرية نائية وبعيدة، ذات يوم يستيقظون ولا يستطيعون النوم مطلقاً، فتنقلب حياتهم رأساً على عقب، بحيث ينال منهم التعب، ولم تعد حياتهم كما كانت، قبل أن تطل عليهم عجوز لتخبرهم أن على رأس الجبل ثمة وردة في حال قام أهل القرية بشمّ عطرها، يمكنهم النوم مجدداً.
وعاد عيد إلى أغنيات من بداياته قبل سنوات، تفاعل معها الجمهور بشكل كبير، في إطار أول تكوين موسيقي له تحت اسم "الملتحيات"، وهي فرقة متخيلة، لمجموعة فتيات أردن الخروج عن المألوف، باختيارهن لكلمات وألحان غير مألوفة، وكان أولها "أرواح محررة"، التي تفاعل معها جمهور "العليّة" بشكل كبير، كما أغنيات "الملتحيات" الأخرى، كما أغنيته الأولى "العالم كله"، التي أنهى بها أمسيته الموسيقية "حكايات وجود"، مؤكداً أن وراء كل أغنية حكاية، لا بل حكايات، يمتزج في الفردي بالجمعي، في توليفة فنيّة تجعل ممّا يقدمه عيد، فنّاً حقيقياً، متميزاً ومغايراً.

 

0 تعليق