عاجل

قناة بنما ليست قناة بل نظام هندسي مائي صارم - زاجل الإخباري

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

بنما – منذ أكثر من قرن ونصف، تبارى كثير من السياسيين والمهندسين حول إمكانية ربط المحيطين الأطلسي والهادي سواء عن طريق البر بطرق سريعة أو بالسكك الحديدية، أو عبر البحر بشق قناة مائية تربط بينهما، لما يوفره ذلك من تكلفة قطع السفن مسافة 8000 ميل بحري في المتوسط، اعتمادا على موقع الميناء الذي تبحر منه السفينة.

وفشلت محاولة فرنسية أولية لشق قناة بنما على يد الدبلوماسي الشهير فرديناند دي ليسبس، قبل أن ينجز الأميركيون المشروع بنجاح لتبدأ القناة في عملها منتصف عام 1914.

ونظرا لوجود فارق في ارتفاع سطح الأرض عند كل من المحيطين، استحال شق قناة عادية على غرار قناة السويس.

بحيرة جاتون الصناعية التي تغطي المساحة الأكبر من قناة بنما (الجزيرة)

نظام معقد

ولاجتياز فرق الارتفاع البالغ 27 مترا ما بين مستوى سطح البحر وبحيرة جاتون في وسط مجرى القناة، لجأ مصمموها إلى إنشاء أهوسة (أحواض) على جانبي القناة (مدخلها ومخرجها)، تُستخدم كمصاعد أو مهابط لرفع وخفض السفن للسماح لها بالمرور بين مستويات المياه المختلفة في القناة من خلال 3 أحواض متتالية.

من هنا، لا تعد قناة بالمعنى التقليدي كمجرى مائي يربط بين محيطين، بل هي نظام هندسي مائي معقد صارم يتكون من 3 أجزاء رئيسية هي الأهوسة وقنوات المرور الملاحية، والبحيرات.

وتربط قنوات المرور الملاحية بين الأهوسة وبحيرة جاتون الاصطناعية التي تشكل الجزء الأكبر من مسار القناة، وتساعد في إدارة مستويات المياه والتحكم فيها. وتم إدماج نهر تشاجريس، وهو ممر مائي طبيعي، في نظام القناة بربطه بالبحيرة.

أحد أحواض مخرج قناة بنما على المحيط الأطلسي (الجزيرة)

وتشمل قناة بنما في مدخلها ومخرجها على جانبي المحيطين مجموعات من الأهوسة تقع عند طرفيها على الجانب الأطلسي، هما ميرافلورس وبيدرو ميغيل. وتسمح للسفن بالتحرك (ارتفاعا وانخفاضا) بين مستويات المياه المختلفة في القناة حتى تصل لمستوى المرحلة التالية في مسار السفينة، ويبلغ عرض الأحواض 34 مترا، وطولها 320 مترا، وعمقها 13 مترا.

إعلان

وبعد مرور السفن العابرة منها، تدخل في قنوات ملاحة صغيرة حتى تصل إلى بحيرة جاتون قبل أن تدخل مرة أخرى لقنوات الملاحة قبل وصولها للأهوسة في الخطوة الأخيرة قبل وصولها لأحد المحيطين، الهادي أو الأطلسي.

وراقبت الجزيرة نت حركة السفن وهي تتنقل من هويس لآخر للتعرف على نظام مرور وحركة السفن.

27 سفينة تمر بقناة بنما يوميا في كلا الاتجاهين (الجزيرة)

إيرادات

منذ عودة السيادة البنمية عليها في أواخر عام 1999، أسهمت القناة بدخل سنوي يقدر بـ5 مليارات دولارات. ووفقا لهيئة القناة، تشمل هذه الإيرادات الرسوم من السفن التي تعبرها، فضلا عن الإيرادات من الخدمات البحرية الأخرى ومبيعات الطاقة لهذه السفن، ويمر بها يوميا 27 سفينة في كلا الاتجاهين.

وحافظت الحكومة البنمية من خلال هيئة إدارة قناة بنما على مستوى جيد من التشغيل والأمن، ففي السنوات الـ25 الماضية، تم استثمار وإنفاق ما بين 25% إلى 30% في عمليات الصيانة وتحديث القناة.

وفي 22 أكتوبر/تشرين الأول عام 2006، وافقت أغلبية الشعب البنمي على خطط لتوسيع القناة في استفتاء عام. وشكّل هذا القرار علامة فارقة في تاريخ البلاد، وأفسح المجال لواحد من أكثر مشاريع البنية التحتية طموحا في القرن الـ21.

وبدأت عمليات التوسعة بما يسمح للقناة بمرور سفن شحن أضخم وأكبر بثلاث مرات عما يمكن للمجرى القديم استيعابه، مما سمح بمرور سفن عملاقة يمكنها حمل ما يصل إلى 12 ألف حاوية. وتم افتتاح الممرات الجديدة في يونيو/حزيران 2016، ويبلغ طول الأهوسة الجديدة 427 مترا وعرضها 55 مترا وعمقها 19 مترا.

ويعمل بالقناة نحو 8500 شخص كلهم من البنميين، ويأتون من جميع مقاطعات بنما العشرة، ويقومون بوظائف فنية ومهنية وإدارية بدرجة عالية من التخصص والالتزام، ويمنح العمل فيها مكانة مجتمعية رفيعة تغلفها مكانة وطنية مهمة في المجتمع البنمي.

وفي حديث مع الجزيرة نت، قال المتحدث الرسمي والمؤرخ في هيئة إدارة القناة خايمي ترويانو إنه "يتم تشغيلها بنسبة 100% من قِبل البنميين منذ عام 1999، عندما تولينا المسؤولية والإدارة، بجودة تشغيل عالية مثلما كانت تُدار من قِبل الأميركيين".

سفينة ضخمة أثناء مرورها من ثاني أحواض قناة بنما (الجزيرة)

توسعة وتحديث

هناك 12 حوضا لا يمكن لقناة بنما العمل بدونها، تُعرف المجموعة الأولى من الأقفال من مدخل المحيط الهادي للقناة باسم أقفال ميرافلوريس، وهي مقسمة لحوضين ترفع أو تخفض السفن فيها لارتفاع 17 مترا عن مستوى سطح البحر.

ثم تأتي بعدها أحواض بيدرو ميغيل، حيث يتم رفع أو خفض السفن لـ9.5 أمتار عن مستوى سطح البحر، ثم تخرج السفن إلى بحيرة جاتون عبر ممر كوليبرا، ثم تدخل السفن أحواض جاتون، حيث تمر من 3 أحواض ترفع أو تخفض السفن لـ26 مترا عن مستوى سطح البحر حتى تلتقي بالمحيط الأطلسي. وينطبق النظام في كلا الاتجاهين المتعاكسين.

وأكد ترويانو للجزيرة نت أن الغرض الرئيسي من هذه الأقفال هو التأكد من أن مياه بحيرة جاتون لا تتدفق إلى الخارج تجاه المحيطين الأطلسي أو الهادي، وأنها توفر من المياه ما يسمح بمرور السفن في كل الأوقات.

إعلان

يعتمد نظام تشغيل القناة إلى حد كبير على تجميع المياه في مناطق تمتد على أكثر من 550 ألف فدان. على الرغم من ظروف الجفاف خلال بعض الأعوام.

وأدى التوسيع والتحديث فيها إلى زيادة الإيرادات وتعزيز اقتصاد بنما، عن طريق خلق آلاف الوظائف المباشرة وغير المباشرة في قطاعات مثل الخدمات اللوجيستية والسياحة والخدمات المالية.

وقد يكون التنقل في قناة بنما أمرا صعبا في بعض الأحيان بسبب طبيعتها المائية واستخدام آلية رفع وخفض السفن العملاقة، وعلى الرغم من أن فنييها معروفون باحترافهم ومهاراتهم، فإن مسؤولية الملاحة الآمنة تقع على عاتق ربان السفينة وطاقمها.

وفنيا تواجه السفن لحظات حرجة عند دخولها أو خروجها من الأهوسة؛ إذ يخلق التدفق المفاجئ للمياه تأثيرا يسميه مهندسو السفن البنميون "التأثير الهيدروليكي"، وهذا يدفع السفينة إلى المؤخرة، ويلزم وجود قوة محرك رئيسية كاملة للحفاظ على توازنها، ويحدث ذلك في ممرات حادة وضيقة بما يقلل إمكانية المناورة بالسفينة.

0 تعليق