القرار رقم 377 الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الخامسة بتاريخ 3 نوفمبر/تشرين الثاني 1950 جاء في سياق الحرب الباردة، سعيا لتحقيق تسوية النزاعات الدولية والحفاظ على السلم والأمن الدوليين.
وينص القرار على أنه في حال عجز مجلس الأمن الدولي عن الاضطلاع بمسؤولياته بسبب الخلافات بين أعضائه الدائمين أو استخدام حق النقض (الفيتو) يحق للجمعية العامة للأمم المتحدة التدخل بشكل عاجل للنظر في الأوضاع الطارئة.
ويمنح القرار الجمعية صلاحية عقد جلسة طارئة في غضون 24 ساعة، لمناقشة الأزمة الدولية وإصدار توصيات إلى الدول الأعضاء تتضمن الإجراءات الجماعية الممكنة.
ووفرت هذه الآلية منفذا مهما للتحرك الجماعي عندما يتعطل مجلس الأمن، إذ شكلت أداة تكاملية تمنح المجتمع الدولي وسيلة بديلة للتعامل مع التهديدات التي تواجه السلم والأمن الدوليين.
الخلفية التاريخية
تعود نشأة "آلية الاتحاد من أجل السلام" إلى فترة الحرب الباردة حين شهد مجلس الأمن انقسامات حادة، خاصة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، مما أدى إلى شلل متكرر في قدرته على اتخاذ قرارات تتعلق بالسلم والأمن الدوليين.
وبرزت الحاجة إلى هذه الآلية مع اندلاع الحرب الكورية في 25 يونيو/حزيران 1950 عندما اجتاحت كوريا الشمالية جارتها الجنوبية بدعم سوفياتي وصيني.
ورغم أن مجلس الأمن أصدر في البداية قرارات عاجلة تدين الهجوم وتدعو إلى انسحاب القوات الكورية الشمالية فإن ذلك تحقق فقط بسبب غياب المندوب السوفياتي الذي كان يقاطع الجلسات احتجاجا على تمثيل ما كانت تعرف بـ"الصين الوطنية" (تايوان) بدلا من الصين الشعبية (بكين)، مما حال دون استخدام الفيتو، وبموجب هذا الغياب صدر قرار يسمح بالتدخل العسكري تحت مظلة الأمم المتحدة.
لكن سرعان ما عاد الاتحاد السوفياتي إلى المجلس واستخدم حق النقض لتعطيل أي قرارات لاحقة، مما دفع الولايات المتحدة مدعومة بعدد من الدول إلى المطالبة بإحالة القضية إلى الجمعية العامة.
وناقشت اللجنة الأولى الطلب في الفترة من 9 إلى 21 أكتوبر/تشرين الأول 1950، وأسفر ذلك عن صدور القرار 377 (د-5) في 3 نوفمبر/تشرين الثاني 1950 أثناء الدورة الخامسة للجمعية العامة، وهو القرار الذي أسس رسميا لآلية "الاتحاد من أجل السلام".
إعلان
وشكّل القرار سابقة تاريخية، إذ وسّع صلاحيات الجمعية العامة وأتاح لها عقد أول جلسة طارئة، كما نص على إنشاء لجنتين رئيسيتين:
اللجنة الأولى: تُعنى بمتابعة أوضاع السلم الدولي ورصد مناطق النزاع. اللجنة الثانية: تختص بدراسة التدابير الجماعية الكفيلة بحفظ الأمن والسلم الدوليين واستعادتهما.اعتماد "آلية الاتحاد من أجل السلام"
تم إدراج بند "الاتحاد من أجل السلام" في جدول أعمال الدورة الخامسة للجمعية العامة بناء على طلب الولايات المتحدة، ونظرت فيه اللجنة الأولى التابعة للجمعية العامة في الفترة بين 9 و21 أكتوبر/تشرين الأول 1950.
وفي هذه الفترة قُدّمت 5 مشاريع قرارات متعلقة بهذا البند:
مشروع قرار قدمته تشيلي، وهدفه تعزيز القدرة الجماعية للأمم المتحدة على التصدي للأزمات الدولية في حال أعاقت الانقسامات داخل مجلس الأمن بسبب استخدام "الفيتو"، إضافة إلى وضع آليات فعالة للتدخل السلمي والعسكري عند الضرورة. مشروعا قرارين قدمهما الاتحاد السوفياتي ركزا على نزع سلاح دول المعسكر الغربي (بقيادة الولايات المتحدة) في سياق النزاعات السياسية والعسكرية في فترة الحرب الباردة. مشروع قرار مشترك قدمته 7 دول هي كندا وفرنسا والفلبين وتركيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة وأوروغواي، وشكّل إلى جانب مشروعي الاتحاد السوفياتي أساس المناقشات العامة في اللجنة الأولى. مشروع قرار مشترك عربي إقليمي قدمه العراق وسوريا، وتضمّن موقفا واضحا وداعما للقضية الفلسطينية، وحظي بدعم واسع من اللجنة، ونوقش بشكل منفصل عن المشاريع الأخرى.وفي أكتوبر/تشرين الأول 1950 أجرت اللجنة تصويتا على 3 من هذه المشاريع، وأوصت باعتمادها من قبل الجمعية العامة تحت العنوان العام "الاتحاد من أجل السلام"، بأغلبية 52 صوتا مؤيدا مقابل 5 أصوات رافضة وامتناع عضوين عن التصويت.
أبرز محطات الاستناد لقرار "الاتحاد من أجل السلام"
شهد قرار "الاتحاد من أجل السلام" تطبيقات عملية عدة، إذ استندت إليه الجمعية العامة للأمم المتحدة في 10 دورات استثنائية للتعامل مع أزمات وصراعات دولية متباينة، منها:
ومن أبرز الحالات التي فُعِّل فيها القرار:
العدوان الثلاثي على مصر 1956: بعد إعلان مصر تأميم قناة السويس في 26 يوليو/تموز 1956 شنت بريطانيا وفرنسا وإسرائيل هجوما عسكريا ضدها، فلجأت القاهرة إلى مجلس الأمن مطالبة بوقف العدوان، لكن الدول المعتدية استخدمت حق الفيتو لتعطيل القرار، وعندها وعملا بآلية "الاتحاد من أجل السلام" دعت الجمعية العامة إلى انعقاد دورة استثنائية في غضون 24 ساعة، وأصدرت قرارا يطالب بوقف فوري لإطلاق النار وانسحاب القوات المعتدية. الغزو السوفياتي للمجر 1956: دخلت القوات السوفياتية إلى المجر عام 1956 لقمع الانتفاضة الشعبية، وعندما حاول مجلس الأمن إصدار قرار يدين التدخل استخدم الاتحاد السوفياتي الفيتو لإفشاله، وردّت الولايات المتحدة بطلب عقد دورة استثنائية للجمعية العامة التي اجتمعت بموجب قرار "الاتحاد من أجل السلام"، وأصدرت قرارا يدعو موسكو إلى سحب قواتها ووقف التدخل في الشأن الداخلي المجري.القضية الفلسطينية والجلسة العاشرة للجمعية العامة
عُقدت الجلسة العاشرة الطارئة للجمعية العامة لدراسة القضية الفلسطينية، وذلك بعد الفشل المتكرر لمجلس الأمن في إيجاد حل، نتيجة الفيتو الأميركي المتكرر ضد القرارات التي تدين الانتهاكات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
إعلان
وبدأت هذه الجلسة عام 1997، وهي الأطول في تاريخ الأمم المتحدة، واستؤنفت مرات عدة لمتابعة الأحداث الكبرى المرتبطة بالقضية الفلسطينية، ومن أبرزها:
وفي عام 2025 استؤنفت الجلسة الطارئة عبر اجتماعين رسميين:
الاجتماع رقم 60 (12 يونيو/حزيران): أقر قرارا لحماية المدنيين الفلسطينيين، ودعا إلى رفع الحصار كليا عن قطاع غزة وفتح معبر رفح لتسهيل إيصال المساعدات. الاجتماع رقم 61 (17 يونيو/حزيران): عُقد لمواصلة النقاش بعد التصويت على القرار السابق، ومنح الدول فرصة لتوضيح وتبرير مواقفها السياسية والقانونية بشأنه.مبادرات دولية لتفعيل القرار ووقف الإبادة في غزة
في منتصف أغسطس/آب 2025 قال أستاذ العلاقات الدولية يوريس فورهوف وزير الدفاع الهولندي الأسبق إن الجمعية العامة للأمم المتحدة يمكن أن تحمي المدنيين في قطاع غزة عبر آلية "الاتحاد من أجل السلام" التي تتيح تجاوز سلطة الفيتو الأميركي في مجلس الأمن.
وأوضح فورهوف أنه يمكن للأمم المتحدة توظيف هذه الآلية لوقف الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة، داعيا الأمم المتحدة إلى التحرك العاجل من أجل غزة، محذرا إياها من تكرار مجزرة سربرنيتسا.
وأشار إلى أن أي دولة تطالب بوقف الإبادة الجماعية يمكنها أن تقترح تطبيق هذه الآلية، معربا عن أمله في أن تستفيد الكثير من الدول الأوروبية والإسلامية والعربية من هذه الفرصة لوقف "هذا الجنون الذي يهدد بإبادة أغلبية فلسطينيي غزة".
0 تعليق