أغاني الحرب والنزوح في السودان.. نوستالجيا تستذكر عبير الأمكنة - زاجل الإخباري

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

بعد أن صمتت أصوات المدافع وكفت عن الضجيج وتوارت أصوات الرصاص في أكثر من 90% من جغرافيا السودان، بدأ الكثيرون، الذين غادروا مناطقهم بسبب الحرب التي اندلعت في أبريل/نيسان 2023، رحلة العودة إلى مدنهم وقراهم التي أجبروا على الرحيل منها.

انتشرت قبل هذه العودة الكثير من الأغنيات التي تبث الحنين إلى الديار، والبعض سماها بأغاني الحرب والنزوح، وتنوعت مضامينها  بين الأسئلة الكثيفة داخل النصوص الغنائية حول أسباب الحرب والتحسر على حدوثها، وبين نوستالجيا تذكر الأماكن وروائح المدن والقرى واستحضار البيوت والعادات السودانية والترابط الاجتماعي الذي يتميز به الشعب السوداني مع إصرار عظيم على تجاهل رائحة البارود.

ففي شوارع المدن والقرى التي ذهب إليها اللاجئون والنازحون السودانيون هربا من الحرب، قلما يُرى أي أثر لبطولات على وجوه الرجال والنساء الذين نجوا من الحرب، ولم ينجوا من آثارها المدمرة. فقد عاشوا سنوات من الخوف المستمر، والانتظار الذي طال، والبحث المضني عن لقمة العيش في عواصم ومدن بعيدة عن وجدانهم.

الحرب لم تترك شيئًا سوى الفقدان الهائل، وأبقت على مكاسب ضئيلة لا تُذكر، لكن الناجين يتشبثون بالحياة رغم كل شيء. فتحت رتابة المعارك وهدير المدافع والقصف، صار حلم العودة إلى البيوت والوطن أملاً مشوبا بالقلق.

هذه العودة ليست مجرد رحلة إلى المكان، بل هي صراع مستمر مع الذكريات، ومع انتظار جديد للحياة بعد سنوات من التهجير والانتظار. قصصهم تكشف أن النجاة من الحرب لا تعني انتهاء المعاناة، وأن العودة إلى الوطن تبدأ عندما يتجاوز الناس الخوف، ويستعيدون القدرة على العيش بين أطلال ما كانوا يعرفونه يوما.

FILE PHOTO: A Sudanese man waits next to his luggage, as families displaced by conflict between the Sudanese Armed Forces and the Rapid Support Forces (RSF) crowd at Cairo’s main station to board a free train with a voluntary return coordinated by the Egyptian government to Aswan, where buses will take them back to their homes in Khartoum, in Cairo, Egypt July 28, 2025. REUTERS/Amr Abdallah Dalsh/File Photo
سوداني مع أمتعته في محطة القطارات الرئيسية في القاهرة قبيل الصعود إلى قطار العودة الطوعية (رويترز)

"الهم يفوتنا ونرجع لي بيوتنا"

قبل أن تبدأ رحلة العودة، بدأ السودانيون السفر في عوالم الشجن والغوص في المعاني الجميلة والكبيرة عن الوطن والحنين إليه التي نثرتها أغنيات كثيرة، سماها البعض بأغنيات الحرب التي تبحر في وصف جوانب كثيرة من وجوه المأساة التي خلفها القتال بين أبناء البلد الواحد.

إعلان

برزت المرأة السودانية كشاعرة ومغنية لتصبح صوتًا للتوق إلى السلام والحب وسط دمار الحرب، معبرة عن الحنين إلى الأماكن والأشخاص الذين أجبرهم النزاع على الرحيل منها. حملت أغانيها مثل "بكرة الهم يفوتنا ونرجع لي بيوتنا" للمطربة إيلاف عبد العزيز و"بكرة يا خرطوم تعودي" و"بنعود تاني" للمطربة إنصاف مدني، مضامين الإيمان بقدرة الناس على استعادة الحياة وإعادة بناء ما دمرته الحرب.

بكرة الهم يفوتنا

ونرجع لي بيوتنا بحري وأمدرمان

بكرة يقولو عودو

وعيدنا تفوح ورودو والخرطوم أمان

فدوى فريد.. صوت السلام من قلب السودان

فدوى فريد تلك الشابة التي أطلت لأول مرة على شاشة تلفاز "النيل الأزرق" عبر برنامج نجوم الغد في نسخة 2011، تحمل قلبًا مقسما بين شمال السودان وجنوبه، فهي ابنة لأب من جنوب السودان وأم من غرب السودان، لذلك أطلق عليها محبوها لقب "الأبنوسة"، في إشارة إلى أشجار الأبنوس ذات العيدان السمراء. فدوى حملت في صوتها موهبة تتجاوز الانتماءات، لتصبح صوتًا للسلام والمحبة في بلد مزقته الحرب.

اشتهرت بأغانيها ذات الرمزية العميقة مثل "خيوط العنكبوت" للشاعر أبو نعيمة، و"بفديك يا وطن"، حيث خاطبت الذين طحنتهم الحرب وأوزارها لتصبح مطربة تخاطب المضامين الإنسانية، مؤمنة بوطن كبير، كارهة للحرب والتشرذم.

كملت خيوط العنكبوت وجرحنا ما طاب بالسكوت

وعدالة في نص البحر مطموسة جوة في بطن حوت

يا يونس أنت متين تيجي وتشوف عوج كل البيوت

ما لسه اليقطين بخير والناس تكابد فى الدروب

بتصارع الموت شان تعيش فوق قاع بحر أماته توت

صوتها الملائكي الرخيم، وكأنه منبثق من سهول السودان الموغلة في الخضرة، وظفته لخدمة الإنسان، بكت في غنائها على شهداء الحرب، صلت للجرحى لتواسيهم، ودعت لشفاء جراح الوطن. في معسكرات النزوح واللجوء، غنت من أعماق قلبها، قاسمت النازحين، لا سيما الأمهات والأطفال، ألمهم وأملهم في آن، ورقصت معهم على إيقاع الحياة الممزقة، حاملة معهم أحلام العودة والبناء.

تفاعلت فدوى فريد مع الحرب الدائرة في السودان، مقدمة أعمالًا تدعو للسلام، محذرة من مغبة الدم الذي لن يكون حلا أبدًا، مؤمنة بالحوار كطريق للبناء والإعمار، كانت تقول "دعونا نجلس على الأرض" تمهيدًا للبناء، "سنبنيه وإن طال السفر". وتساءلت دائمًا "لماذا الحرب؟".

بفديك يا وطن من كل براني

أمواج البحر ما بتطفي نيراني

والطبل إن ضرب في الحارة تلقاني

زي موج البحر هاشمية شايلاني

People gather at a train station, as Sudanese families displaced by conflict between the Sudanese Armed Forces and the Rapid Support Forces (RSF) crowd at Cairo’s main station to board a free train with a voluntary return coordinated by the Egyptian government to Aswan, where buses will take them back to their homes in Khartoum, in Cairo, Egypt July 28, 2025. REUTERS/Amr Abdallah Dalsh
تجمع العائلات السودانية في محطة القطار الرئيسية بالقاهرة للصعود إلى قطار العودة الطوعية (رويترز)

خط الغناء للسلام الذي اختطته لنفسها جمعها بشعراء كبار ومواهب شابة، حيث لم تكترث للأسماء بقدر ما ركزت على المضمون والرسالة. تعاونت مع الموسيقار الدكتور يوسف الموصلي، والشاعر عبد الوهاب هلاوي، وعبد العال السيد، وهدفت إلى بث رسالة الحب والتآخي في كل نغمة وكلمة. ومع الشاعر مدني النخلي شكلت ثنائية محبوبة، قدمت معه خمسة أعمال بارزة مثل "شدة وتزول" و"ودنيا ساكة ناس".

فدوى فريد ليست مجرد مغنية، بل صوت السودان الذي يرفض التشظي ويؤمن بالسلام، صوت من يختار الحب والأمل وسط دمار الحرب، لتظل "الأبنوسة" رمزًا للإنسانية والفن الملتزم برسالة المجتمع والوطن.

إعلان

تقول فدوى، في حوار منشور بمواقع التواصل الاجتماعي: عن نفسي لا أغنى "اقتلوا بعض"، نحن الشعب السوداني نريد أن نحيا حياة كريمة، حياة ليس بها ذل أو عنصرية، لأننا فقدنا بسبب الحرب الكثير من أحباب وأصدقاء أعزاء لنا، أي سوداني هو عزيز عندي، ولأن الدم السوداني واحد دائما أردد لا عاش من يفصلنا، لا بديل للسودان إلا السودان، لا للحرب نعم للسلام، نعم للحياة.

0 تعليق