مراسلو الجزيرة نت
الفاشر – صعّدت قوات الدعم السريع خلال اليومين الماضيين من وتيرة هجماتها على مخيم أبو شوك للنازحين، الواقع على أطراف مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، في ظل حصار خانق تفرضه على المدينة منذ 10 يونيو/حزيران 2024، وسط تحذيرات أممية من تفاقم الوضع الإنساني واتساع رقعة الانتهاكات بحق المدنيين.
وفي مواجهة هذا التصعيد، تمكّنت القوات المسلحة السودانية، بالتنسيق مع القوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح والمقاومة الشعبية، من صدّ الهجوم الذي شنته قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر ومحيط مخيم أبو شوك، فيما وصفته القيادة العسكرية بالمعركة رقم 232.
وقال المتحدث الرسمي باسم القوة المشتركة العقيد أحمد حسين مصطفى للجزيرة نت إن القوات المسلحة والمشتركة والمقاومة الشعبية خاضت مواجهة عنيفة في عدة جبهات حول مدينة الفاشر ومخيم أبو شوك للنازحين، وتمكّنت من كسر موجات التسلل وإجبار المهاجمين على التراجع تحت ضغط النيران، تاركين خلفهم جثث قتلاهم وكميات من العتاد.
وأضاف أن العملية التي جرت أمس السبت أسفرت عن تدمير خمس آليات قتالية تابعة لقوات الدعم السريع، واستلام ثمان أخرى بحالة جيدة، إلى جانب السيطرة على مواقع إستراتيجية كانت تُستخدم كمراكز للهجوم والنهب.

مقاومة شعبية
وفي حديثه للجزيرة نت، قال الناطق الرسمي باسم المقاومة الشعبية في شمال دارفور أبو بكر أحمد أمام إن الهجوم على مخيم أبو شوك يأتي في سياق تصعيد ممنهج يستهدف المدنيين العزل، ويعيد إلى الأذهان ما حدث في مخيم زمزم للنازحين، حيث تحوّلت المخيمات هذه الأيام إلى ساحات حرب مفتوحة.
وأضاف أن مليشيا الدعم السريع تستخدم هذه الهجمات كوسيلة لإرهاب السكان وفرض واقع جديد بالقوة، مشيرا إلى أن المقاومة الشعبية، بالتنسيق مع القوات المسلحة والقوة المشتركة، تتصدى لهذه الهجمات، وقد تمكنت من تحييد المئات من عناصر المليشيا واستعادة عدد من المركبات القتالية.
إعلان
ودعا أبو بكر أحمد الجهات الدولية إلى التحرك العاجل لفك الحصار عن الفاشر، خاصة في ظل تفشي الأمراض ونقص الغذاء والمياه، مؤكدا أن المقاومة الشعبية لن تتراجع عن الدفاع عن المدينة مهما تصاعد العدوان.
وأفاد شهود عيان للجزيرة نت بأن قوات الدعم السريع اقتحمت مخيم أبو شوك صباح أمس السبت من الجهتين الشمالية والشرقية، مما أسفر عن مقتل 6 أشخاص واقتياد 8 نساء، من بينهن طفلتان، إلى جهة مجهولة. وأكدوا أن حالة من الذعر والهلع سادت المخيم الذي يعيش سكانه أوضاعا متدهورة، وسط غياب أية حماية دولية فعلية.
نمط متكرر
وبحسب مراقبين محليين، فإن الهجوم على أبو شوك يحمل تشابها لافتا مع ما جرى في مخيم زمزم قبل أربعة أشهر، حين شنت قوات الدعم السريع هجوما واسعا شمل القصف من عدة محاور وإحراق المنازل وتنفيذ عمليات قتل ممنهجة واقتياد نساء لجهات مجهولة، وسط اتهامات بارتكاب انتهاكات جسيمة بحق المدنيين.
ويقول ناشطون إن نمط الهجوم على أبو شوك يكاد يكون نسخة مكررة من زمزم من حيث الأسلوب واستهداف الفئات الأكثر هشاشة، مما يعزز المخاوف من وجود خطة ممنهجة لإفراغ المخيمات أو استخدامها ورقة ضغط في الحرب الدائرة حاليا.
ويقع مخيم أبو شوك على بعد نحو 4 كيلومترات شمال مدينة الفاشر، وقد أُنشئ يوم 20 أبريل/نيسان 2004 كمأوى مؤقت للنازحين الفارين من الحرب التي اندلعت في دارفور عام 2003.
ومع مرور الوقت، تحوّل المخيم إلى حيّ سكني مكتظ يضم أكثر من 47 ألف نازح من مناطق "جبل مرة" و"طويلة" و"شنقل طوباي"، مما جعله جزءا من النسيج العمراني للمدينة، وهدفا عسكريا في سياق التصعيد الأخير.
وفي حديثه للجزيرة نت، قال العقيد مصطفى إن استهداف مخيمات مثل زمزم وأبو شوك يحمل دلالة سياسية واجتماعية، إذ إن المخيمين يضمّان كافة المكونات العرقية والاجتماعية في دارفور من "الزغاوة" و"الفور" إلى "العرب" و"المساليت" و"لتنجر" و"البرتي".
وأضاف أن هذا التنوع جعل المخيمين نموذجا للتعايش، مما دفع المليشيا إلى استهدافهما في محاولة لضرب النسيج المجتمعي وزرع الفتنة. وتابع "زمزم كان خارج الفاشر، أما أبو شوك فهو داخلها، مما يكشف أن المليشيا تحاول تفكيك المدينة من الداخل عبر استهداف خلايا الحياة التي تمثل روح دارفور الحقيقية".

نداء إغاثي
في تصريح خاص بالجزيرة نت، قال الناشط الإغاثي يوسف آدم إن الوضع داخل مخيم أبو شوك "كارثي بكل المقاييس" ويعكس الأزمة الإنسانية المتفاقمة، حيث تواجه فرق الإغاثة صعوبات كبيرة في الوصول إلى المحتاجين بسبب القصف المدفعي العنيف الذي تشنه قوات الدعم السريع على المخيم.
وأضاف أن الوضع يزداد سوءا، إذ تعاني أعداد كبيرة من النساء والأطفال من نقص حاد في المواد الغذائية ولا يجدون ما يسد رمقهم، موضحا أن إمدادات علف الحيوانات، الذي يعرف محليا بـ"الأمباز" والذي اضطر النازحون لأكلها، قد أوشكت على النفاد، مما يضع الأُسر في موقف صعب، حيث لا وجود للأسواق بجانب المواد التموينية الأساسية.
إعلان
وفي ظل هذه الظروف الحرجة، ورغم الدعوات الدولية المتكررة لوقف إطلاق النار ورفع الحصار عن مدينة الفاشر، لا تزال المعارك مستمرة، مع تركيز واضح على مخيم أبو شوك والأحياء الغربية من المدينة حيث يخشى مراقبون أن يؤدي استمرار العنف إلى انهيار البنية الاجتماعية للمدينة، مما قد يعقّد المشهد في دارفور بشكل غير مسبوق.
0 تعليق