"أن تنجو لتشهد".. لوحات مروان نصّار توثق الإبادة من داخلها! - زاجل الإخباري

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

 

كتب يوسف الشايب:

 

"أن تنجو لتشهد"، هو العنوان الذي اختاره الفنان التشكيلي الشاب مروان نصّار، لمعرضه الفردي، الذي يوثق فيه الإبادة من داخلها، في قطاع غزة، وقد احتضنت افتتاحه قاعات جاليري باب الدير في مدينة رام الله، مساء أول من أمس، على أن يتواصل، حتى الثلاثين من أيلول من العام نفسه، بالتعاون مع منصة "آرت زون".
ويضم المعرض ستين عملاً فنياً أنجزت غالبيتها العظمى خلال الحرب، في ظل القصف والنزوح والجوع والقتل اليومي، بحيث تلتقط لحظات الحزن والفقد والصمود في آن، كما توثق الشظايا اليومية لحيوات الغزيّين، هذه الأيام، في تعابير وجوه النازحين، والأمهات في الحداد على أبنائهن، والإصرار على البقاء رغم كل الظروف المحيطة.
ولفت الفنان مروان نصّار في مداخلة مسجلة له: كفنان وأب أعيش في غزة، وسط إبادة جماعية لم تترك، على مدار سبعمائة يوم، شكلاً من أشكال الموت إلا وجربته، شعرتُ أن كل أشكال التعبير سقطت: الكتابة، والأدب، وكل أشكال الفنون بدت عاجزة أمام هول المأساة.. ثمة فجوة هائلة بين ما يحدث فعلياً وما يمكننا تمثيله أو التعبير عنه، ومع ذلك، وكما قلت غير مرّة، بقينا نحاول اقتناص لحظة نجاة عبر الفعل الثقافي والفني، أن ننجو، لنَشهَد، ونُشهِد.
ورأى نصّار أنه "يمكن للتعبيرات الفنية والأدبية التي ظهرت خلال هذه الحرب أن تشكل لاحقاً أرضية لدراسات وأبحاث، تضيء على الأثر النفسي العميق الذي طال كل فنّان وكاتب حاول أن يجد نافذة للتعبير، وسط القتل والمجاعة والحرمان"، مؤكداً: بالنسبة لي لم يكن الفن ترفاً، في هذا السياق، ولم يكن الأدب تزييناً للموت أو الحياة، بل كان فعل تحدٍ، ومقاومة ومواجهة بقوة الجمال.
ومروان نصّار فنان فلسطيني من مواليد غزة في العام 1984، تخرج من كلية الفنون الجميلة في جامعة الأقصى، وحتى السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2023، كان يعمل مُحاضراً في كلية الفنون الجميلة بجامعة غزة، وله العديد من المعارض الفردية فلسطينياً، كما شارك في عديد المعارض الجماعية محلياً وإقليمياً ودولياً.
ومنذ اندلاع الحرب على غزة، نزح نصّار، كحال معظم سكّان القطاع، إلى مواقع عدة، تمسكّ بفنه، فكان هذا المعرض، شديد الحساسية تجاه الواقع المحيط به، بحيث تشكل لوحاته ما يمكن وصفه بيوميّات بصرية، صورّها بأسلوب مُبتكر، ورؤية فنيّة تتكئ على خطوط أكثر جرأة، وضربات فرشاة قد تبدو ظاهرياً مبسطة، لكنها في العمق تزيد من قوة التعبير عمّا لا يمكن التعبير عنه، حيث هو، وحيث الإبادة المستمرة.
ووجد الفنان التشكيلي تيسير بركات في لوحات نصّار، بعد وصفها بالإبداعية والعميقة، دليلاً على قوة الحياة لدى الفلسطينيين، وخاصة في قطاع غزة، في مواجهة آلة القتل الإسرائيلية، مشدداً ليس فقط على أهمية أعمال معرض "أن تنجو لتشهد" من ناحية فنيّة، بل لدورها في توثيق ما حدث ويحدث خلال الإبادة بصرياً.
بدورها أشارت مديرة جاليري "باب الدير" رولا دغمان، إلى أن إقامة معرض نصّار هذا، بالتعاون مع منصة "آرت زون"، يأتي ليتقاطع ورؤية الجاليري القائمة على خلق مساحات للمبدعين، خاصة الشباب منهم، وتقديمهم للجمهور، خاصة مع تقطيع الاحتلال لأوصال الجغرافيا الفلسطينية، كاشفة أن الجزء الأكبر من ريع المعرض يذهب للفنانين ومشاريعه في إقامة ورش فنية للأطفال النازحين في القطاع.
وتحدث الشاعر محمود أبو هشهش طويلاً، محللاً بعمق تجربة نصّار، ليخلص إلى أنه: بين تلك اللوحة "شاطئ غزة" المنجزة قبل الحرب بضربات لونية محسوبة ونظيفة بما توحي به من صفاء وسلام تعمقه زرقة البحر بأطيافها كخلفيه للشخصين الواقفين أمام قارب أحمر، مروراً بتلك اللوحة التي تصور صيادين في عرض البحر المائج الغاضب، وتلك البورتريهات الملونة، وصولاً إلى آخر لوحة رسمها لشهداء قضوا احتراقاً، تكمن رحلة من التحولات التي لم تكن تجربة الحرب بداية لها، وإن كانت قد سرعت من وتيرتها وجعلتها أكثر كثافة وعمقاً، حيث وضعت الحرب الممارسة الفنية وجدواها في امتحان مواجهة أمام وطأة الوجود المهدد وهشاشته وعبثيته.

 

0 تعليق