عاجل

محمد أفندي مؤسس عائلة البديري وشيخ الطريقة الخلوتية بالقدس - زاجل الإخباري

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

عالم مسلم ومتصوف فلسطيني عثماني، ولد عام 1747 وتوفي عام 1805. كان عالما أزهريا وشيخا للطريقة الخلوتية، وتولى التدريس والإرشاد وإحياء حلقات الذكر في المسجد الأقصى، وفي بيته الملاصق لسور الحرم من الجهة الغربية، عند باب المجلس.

ويعتبر كثيرون أنه مؤسس عائلة البديري في القدس وفلسطين عموما، وهي عائلة يقال إنها من أصول مغربية.

المولد والنشأة

ولد محمد بن بدير، الشهير بابن حبيش الشافعي المقدسي عام 1747، وتنحدر عائلته من أصول مغربية، وتقول الروايات التاريخية إنها هاجرت واستقرت في القدس، في النصف الأول من القرن الـ18 الميلادي.

الدراسة والتكوين

قدِم به والده إلى مصر وهو في السابعة من عمره، فحفظ القرآن الكريم، وبدأ في حضور دروس الشيخ عيسى البراوي، فتفقَّه على يديه. وأقام في القاهرة سنوات طويلة ينهل من علوم جامع الأزهر وغيره من دور العلم.

وتتلمذ على عدد من المشايخ، ومنهم الشيوخ الترزي والأجهوري والدمهوري والفارسكوري، وغيرهم.

كما اتصل بالشيخ محمود الكردي الكوراني (العراقي) شيخ الطريقة الخلوتية، فلقّنه الذكر ولازمه مدة، حتى ألبسه التاج وقلّده خلافة الطريقة، ثم أمره بالتوجه إلى القدس، فقدمها وسكن في المسجد الأقصى.

الوظائف والمسؤوليات

أثناء إقامته في القدس تولّى التدريس والإرشاد في مختلف العلوم، وعقد حلقات الذكر في داره. وتميّز بحدة الذهن وسعة الفهم فيما يدرّس، فأقبل عليه الناس، ونال قبولا واسعا لدى الأمراء والوزراء.

وكانت تُقبل شفاعته لديهم، مع تمسّكه بالزهد وابتعاده عن تولّي المناصب الرسمية، ومع ذلك تحسّنت أحواله المادية سريعا، كما تثبت ذلك وثائق البيع والشراء والوقفيات المسجلة في سجلات المحكمة الشرعية.

صورة مولدة بالذكاء الاصطناعي للشيخ محمد البديري، واسمه محمد بن بدير، واشتهر بابن حبيش الشافعي المقدسي
الشيخ محمد البديري تولى التدريس والإرشاد وإحياء حلقات الذكر بالمسجد الأقصى (الجزيرة-صورة مولدة بالذكاء الاصطناعي)

ومما يدل على مكانة محمد أفندي وعلو شأنه في تلك الفترة، رغم عدم توليه مناصب حكومية رسمية، أن الفرمانات والأوامر الصادرة أيام الحملة الفرنسية كانت تُوجَّه إلى القدس متضمّنة اسمه، إلى جانب اسم المفتي حسن أفندي الحسيني والشيخ محمد أبو السعود، مما يعكس مكانته المرموقة بين علماء المدينة ووجهائها.

إعلان

وعام 1779، خرج حاجّا من القدس، وفي طريقه إلى الحجاز أُصيب بجراح في عضده عند العقبة، وتعرّض للسطو وسُلب ما كان معه، فاحتمل تلك المشقة بجلد وصبر، ثم رجع إلى مصر، حيث أقام فترة، ثم عاد إلى القدس، وأقام فيها عاما و4 أشهر حتى التأم جرحه، وبدأ العظم يلتئم ويلتحم اللحم عليه.

واستمر محمد أفندي في مزاولة التدريس وإقامة حلقات الذكر بالمسجد الأقصى وما حوله، حتى ذاع صيته وانتشر فضله، وأذعن له الجميع، مسلمًا بمكانته، دون إنكار.

وقد وصفه تلميذه حسن الحسيني بقوله "فإن رمتَ الحديث والتفسير، فهو فيه المفردُ النحرير، وأما فقه المذاهب الأربعة، ففي مسائله المشكلة له الرتَع، وإن أردتَ علم الفلك، فله قد ملك، وهو البحر في كل العلوم، والمفرد في المنطوق والمفهوم".

سبيل البديري

يُنسب إلى محمد البديري سبيل البديري أو سبيل الشيخ بدير، المعروف أيضا بسبيل مصطفى آغا، وهو معطل منذ زمان ويقع في القسم الشمالي الغربي لساحة المسجد الأقصى ويبعد حوالي 20 مترا إلى الجنوب الشرقي من باب الناظر.

وهو عبارة عن بناء بسيط مربع الشكل، تعلوه قبة، ويوجد بجهاته فتحات عدا الجهة الجنوبية، فهي مغلقة وعليها نقش يدل على فترة بنائه.

وترجح المصادر أن يكون سبب تسميته سبيل الشيخ بدير هو تملك وإقامة الشيخ في زاوية تقع قبالته، إضافة إلى إنفاقه عليه وترميمه، كما أنه كان يلقي دروسا في الرواق المقابل للسبيل.

مؤلفاته

ترك محمد أفندي عددا كبيرا من المؤلفات، نثرا ونظما. ومن نظمه المشهور، قصيدة طويلة من البحر البسيط، تتألف من 157 بيتا، نظمها بمناسبة هزيمة نابليون أمام أسوار مدينة عكا.

وقد استوحى معانيها من قصيدة نظمها صاحبه علي الرشيدي، المدرّس بجامع الأنوار في عكا.

صورة مولدة بالذكاء الاصطناعي للشيخ محمد البديري، واسمه محمد بن بدير، واشتهر بابن حبيش الشافعي المقدسي
البديري كان عالما أزهريا وشيخا للطريقة الخلوتية (الجزيرة-صورة مولدة بالذكاء الاصطناعي)

وتتناول هذه القصيدة أحداث الحملة الفرنسية، وتصف ما أطلق عليه الشاعر "أوصاف الطائفة الخبيثة وما هي عليه" مرورا بقدوم الفرنسيين إلى مصر، وما جرى لهم فيها، حتى وصولهم إلى بلاد الشام، ثم فرارهم من عكا بعد أن يئسوا من تحقيق مآربهم.

ويختتم الشيخ القصيدة ببشارة أن الله تعالى سيفتح مصر، ويرفع عنها ما نزل بها من رجس تلك الطائفة الطاغية.

مكتبة آل البديري

تُنسب مكتبة البديري إلى الشيخ محمد بن بدير الذي أوقفها بموجب حجة شرعية بتاريخ 19 ذي الحجة 1205هـ/ 1790م، وقد خصص لها جناحا من داره التي أوقفها أيضا مع المكتبة.

وتقع المكتبة في الطابق الأرضي من الزاوية الوفائية، عند باب الناظر، مقابل المدرسة المنجكية، وتُعد من المعالم الثقافية البارزة في البلدة القديمة بمدينة القدس.

ويعود السبب في إنشاء هذه المكتبة إلى أن الشيخ بن بدير كان يعقد حلقة دراسية في المسجد الأقصى، وكان يتمتع بمكرمة خاصة تمثلت في باب منفصل يتيح له الدخول إلى المسجد والخروج منه متى شاء.

وعندما أدرك أن طلبته لا يكتفون بما ينهلون من العلم داخل المسجد، قرر أن يفتح لهم بيته، ويزودهم بمراجع إضافية تمكنهم من استكمال أبحاثهم، فأسس مكتبته الخاصة لخدمة هؤلاء الطلبة.

وقد تأسست المكتبة في فترة ازدهار العلم والدراسات في القدس، وكانت تضم عددا كبيرا من الكتب والمخطوطات النادرة، بعضها يعود إلى ما قبل عام 1180هـ، غير أنها تعرضت لاحقا للتفكك، بعدما اقتسم أفراد العائلة مخطوطاتها.

إعلان

ومع ذلك، بقي جزء مهم من هذه المحفوظات ضمن ملكية العائلة، التي ما زالت تدير المكتبة.

وعُرفت هذه الدار سابقا بعدة أسماء: فقد سميت بداية باسم دار معاوية، ثم الزاوية الوفائية في الفترة المملوكية، ثم سكنها الصوفي الكبير البكري الصديقي، وبعدها اشتراها ابن حبيش، حتى استقر اسمها بدار البديري.

وبعد وفاة الشيخ موسى البديري، توقفت المكتبة عن العمل، وأُغلقت لمدة تقارب 80 عامًا بسبب ظروف الاحتلال والنكبات، ولتفادي خطر ضياع محتوياتها أو الاستيلاء عليها، إبان بداية الانتداب البريطاني حتى أعاد أحفاد البديري فتحها وترميمها عام 2003.

وتضم المكتبة نحو 1177 عنوانا، تتوزع بين موضوعات التصوف والمدائح النبوية والفلك والطب والرياضيات والأدب العربي والشعر والبلاغة والنقد.

وتضم بعض الكتب المخطوطة النادرة، منها ما كُتب بماء الذهب مثل "إحياء علوم الدين" للإمام أبي حامد الغزالي، ومنها ما نُسخ بخط المؤلف، وكتب مطبوعة (طباعة حجر) إضافة إلى كتب موقوفة على جوامع ومساجد.

ولمحتويات المكتبة من المخطوطات أهمية استثنائية، وتتوزع بحسب قيمتها على النحو التالي:

6 مخطوطات فريدة. 26 مخطوطا نادرا على الأقل. 18 مخطوطا نُسخت بخط المؤلف. 9 مخطوطات يُرجّح أنها نُسخت بخط المؤلف. نحو 136 مخطوطا من تأليف الشيخ المؤسس محمد بن بدير. مخطوطات تكتسب قيمتها من جهة التمليك، إذ كانت بحوزة علماء كبار أمثال ابن حجر العسقلاني وابن هشام الأنصاري والمرتضى الزبيدي وعبد الله الشرقاوي وعلي بن يشرط التونسي الحسيني، إضافة إلى 7 قضاة. كما وُجدت 7 مخطوطات كانت موقوفة على مساجد، و8 على طلبة علم، واثنتان على مدرسين.

ووصلت بعض هذه المخطوطات إلى المكتبة في عهد الشيخ المؤسس، إما عن طريق الاستنساخ أو الإهداء أو الوقف أو من خلال ما يشبه "التبادل الثقافي" بين المتعلمين آنذاك، سواء في القدس أو خارجها.

وعند تصنيف المخطوطات بحسب العصور التي كُتبت فيها، تبيّن أن محتويات المكتبة تغطي فترة زمنية تمتد من القرن السادس الهجري (الـ12 الميلادي) إلى القرن الـ14 الهجري (العشرين الميلادي).

وأقدم مخطوط فيها هو "الرسالة القشيرية" لأبي القاسم القشيري، وقد نُسخ عام 562هـ/1167م، أما أحدثها فهو "الإسفار عن نتائج الأسفار" الذي يعود إلى سنة 1320هـ/1902م.

وإلى جانب المخطوطات المصنفة، تحتوي المكتبة على عدد كبير من "الدُشت" وهي أوراق متفرقة من مخطوطات مبعثرة، ويجري العمل على ترميمها والاستفادة منها.

وقد تم تجميع ما يزيد على 400 مخطوطة من هذا الدُشت بين عامي 2004 و2010، بجهود وإشراف أفراد من العائلة.

كما تحتوي المكتبة على عدد محدود من الكتب المطبوعة باللغات العربية والتركية والفارسية والإنجليزية. ويعود القسم الأكبر من هذه الكتب إلى أواخر القرن الـ19 وبداية القرن العشرين.

وتُلاحظ هيمنة الكتب التركية العثمانية المكتوبة بالحروف العربية، فضلا عن وجود كتب طُبعت باستخدام تقنية "طباعة الحجر" وهي مرحلة انتقالية بين المخطوطات والطباعة الحديثة.

وفاته

ظل محمد أفندي مقيما في القدس، يدرّس ويعظ ويرشد، ويقيم حلقات الذكر، حتى وافته المنية في 20 نوفمبر/تشرين الثاني 1805. ودُفن في داره التي بقيت مسكنا لذريته، وزاوية للصوفية تناقلتها الأجيال من بعده.

0 تعليق