ياسر خليفة يكتب: نفرتيتي.. ابتسامة امرأة أقوى من الظلام - زاجل الإخباري

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

ياسر خليفة يكتب: نفرتيتي.. ابتسامة امرأة أقوى من الظلام

حينما يُذكر الجمال الخالد، يتجسد اسم نفرتيتي، تلك المرأة التي لم تكن فقط رمزًا للفتنة الأنثوية، بل عقلًا مستنيرًا وقلبًا جريئًا قاد واحدة من أعظم التحولات الفكرية في التاريخ المصري القديم. لم تكن نفرتيتي مجرد زوجة لفرعون، بل كانت شريكة في الرؤية، وركنًا أصيلًا في صياغة فلسفة جديدة للعالم والوجود.

في زمنٍ كان الملوك يحكمون بقوة السيف ومهابة العرش، ظهرت نفرتيتي إلى جانب الملك أخناتون لتقول إن للمرأة دورًا آخر، وللإيمان شكلًا جديدًا. معًا قادا ثورة دينية غير مسبوقة، تمردت على تعدد الآلهة الراسخ منذ قرون، ودعت إلى عبادة الإله الواحد آتون، قرص الشمس، باعتباره مصدر النور والدفء والحياة. لم يكن الأمر مجرد تبديل أسماء للآلهة، بل كان ثورة فكرية وروحية، أعادت تعريف العلاقة بين الإنسان والسماء.

لكن خلف هذا المشروع الكبير، كان هناك قلب امرأة تدرك أن رسالتها أكبر من كونها ملكة متوجة بالجواهر. لقد ظهرت في النقوش بجانب أخناتون، مساوية له في الطقوس والمراسم، رافعة رأسها في شموخ لا يقل عن الملوك. لم تكن تابعة بل شريكة، وهو أمر لم يكن مألوفًا في هذه الزمان، حيث كانت المرأة غالبًا في الصفوف الخلفية من الحكم والسياسة.

الجمال هنا لم يكن زينة عابرة، بل قوة ناعمة، نافذة إلى القلوب، وسلاحًا يفتح أبواب الفكر. ابتسامتها المنحوتة على التماثيل لم تكن مجرد شكل جمالي، بل كانت رسالة عن انسجام الروح مع العقل، عن اتحاد الأنوثة بالقوة، وعن إمكانية أن تقود امرأة ثورة تغير مسار حضارة بأكملها.

وعلى الرغم من أن ثورتها الفكرية لم تدم طويلًا بعد رحيلها ورحيل أخناتون، إلا أن صدى تلك التجربة بقي خالدًا. فهي المرأة التي أثبتت أن التغيير يبدأ بفكرة، وأن الجمال حين يقترن بالإرادة يصبح أداة من أدوات النهضة.

إن في قصة نفرتيتي ما يتجاوز التاريخ، فهي ليست مجرد سطور في كتب الفراعنة، بل إلهام لكل امرأة تؤمن أن لها الحق في أن تكون صوتًا ورؤية، وأن جمالها الحقيقي يكمن في قدرتها على صياغة عالمٍ أرحب يتسم بالعدالة. ولعل سر خلود صورتها البديعة في متحف برلين ليس فقط إتقان النحات، بل الرسالة العميقة التي تحملها ملامحها: أن الجمال حين يتوحد مع الفكر، يصبح أبديًا لا يزول.

لقد علمتنا نفرتيتي أن المرأة ليست ظلًا للرجل، بل شمسًا موازية تضيء طريقه، وأن الممالك لا تبنى بالحروب وحدها، بل تُشيَّد أيضًا بالأفكار، وبالجرأة على الحلم، وهكذا، بقيت نفرتيتي — الملكة، الفيلسوفة، المرأة، الإنسانة — شاهدًا على أن التاريخ لا يُكتب بالسيوف فقط، بل يُكتب أيضًا بابتسامة امرأة تؤمن بأن النور أقوى من الظلام.

0 تعليق