عاجل

دونباس كلمة السر لإنهاء الحرب في أوكرانيا - زاجل الإخباري

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

يحتل إقليم دونباس صدارة الاهتمام السياسي والإعلامي هذه الأيام، بعدما بات مصير الحرب في أوكرانيا مرتبطا بمصيره بشكل مباشر، ليغدو ساحة التحدي الأبرز بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.

فبينما يتمسك زيلينسكي برفض قاطع لأي تنازل عن الإقليم، يظل دونباس هاجسا إستراتيجيا لبوتين الذي يسعى منذ أكثر من عقد للسيطرة عليه سواء من خلال دعم الانفصاليين أو عبر الغزو المباشر.

وبعد أن أعجزته السيطرة الكاملة بالقوة، بات بوتين يطرح خيار المفاوضات، واضعا ضم دونباس شرطا لإنهاء الحرب، في وقت تشير فيه صحيفة إندبندنت البريطانية إلى أنه قد يحظى هذه المرة بدعم الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

فما أهمية إقليم دونباس؟ ولماذا تستميت أوكرانيا في الدفاع عنه؟ وما الخلفيات الإستراتيجية والتاريخية التي تجعل بوتين يصر على الحصول عليه؟ وهل يساعده ترامب عبر الضغوط على الأوكرانيين والأوروبيين في تحقيق هدفه، فيحققان حلميهما؟ وهل يمكن أن يُحسم مصير الإقليم في المكتب البيضاوي بدلا من ساحة المعركة؟

Ukraine's President Volodymyr Zelenskiy visits positions of armed forces in Donbass region
بينما يتمسك زيلينسكي (وسط) برفض قاطع لأي تنازل عن الإقليم يظل دونباس هاجسا إستراتيجيا لبوتين (رويترز)

موقع جغرافي متميز

يشتق اسم دونباس من كلمتي "دون" التي تعني النهر، و"باس" التي تعني الحوض، لكن الدارسين لتاريخ المنطقة يوضحون أن المقصود بالحوض هنا هو حوض الفحم الكبير الواقع على طول سلسلة جبال ونهر دونيتس.

ويحتل إقليم دونباس موقعا جغرافيا متميزا على طول الحدود الشرقية لأوكرانيا مع روسيا، وتبلغ مساحته 55 ألف كيلومتر مربع، يُقدّر أن المتبقي منها تحت سيطرة أوكرانيا هو نحو 6600 كيلومتر مربع فقط، ويقطنه أكثر من 5 ملايين نسمة نزح منهم نحو 1.5 مليون بسبب الحرب.

ويتكون إقليم دونباس من منطقتي دونيتسك ولوغانسك، اللتين تحتل روسيا حاليا حوالي 88% من مساحتهما، حيث تسيطر القوات الروسية تقريبا على كامل منطقة لوغانسك وحوالي 79% من منطقة دونيتسك، وفقا لتحليل للمعهد الأميركي لدراسات الحروب.

تصميم خاص- خريطة لإقليم دونباس وتظهر منطقتي دونيتسك ولوغانسك ومدينة خاركيف

ارتباط تاريخي بروسيا

حسب تقرير نشرته صحيفة إندبندنت البريطانية، فإن منطقة دونباس ترتبط ارتباطا وثيقا بالتاريخ الروسي، إذ كانت تابعة للاتحاد السوفياتي وشهدت طفرة صناعية كبيرة في عهد ستالين، وحينها هاجرت إليها موجات عديدة من العمال الروس، ولا تزال المنطقة ذات أغلبية ناطقة بالروسية حتى اليوم.

إعلان

وبعد استقلال أوكرانيا عن الاتحاد السوفياتي، لم تغمض روسيا عينيها عن دونباس فقد استعرت حرب الانفصال مبكرا في الإقليم، ففي عام 2014 حمل الانفصاليون الموالون لروسيا السلاح هناك، وأعلنوا إنشاء جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك اللتين لم يعترف بهما سوى بوتين، وكان ذلك قبل 3 أيام فقط من بدء غزوه أوكرانيا.

فبالنسبة للرئيس الروسي، تُشكل هذه المنطقة جزءا لا يتجزأ من روسيا، وتمثل أحد المبررات الرئيسية للهجوم على أوكرانيا، الذي يزعم أن هدفه "حماية الناطقين بالروسية".

ووفقا لآخر تعداد سكاني منشور، تبلغ نسبة الأوكرانيين في الإقليم 56.9% بينما تصل نسبة الروس 38.2%.

وحسب تقرير لصحيفة "توت لوروب" بعنوان: "لماذا تُمثل دونباس قضية إستراتيجية؟"، فإن دونباس باعتبارها منطقة حدودية يسهل على موسكو إمدادها، فإن السيطرة عليها ستمكّن بوتين في نهاية المطاف من دحر الجيش الأوكراني وإضعاف أوكرانيا التي تسعى للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وبالتالي فسيكون ذلك نجاحا إستراتيجيا كبيرا لموسكو.

حزام أوكرانيا

رغم أهميتها الاقتصادية البالغة، فإن الميزة الأساسية لمنطقة دونباس هي مكانتها العسكرية في الصراع، فقد صمدت خطوط الدفاع في دونيتسك منذ بداية الحرب، وتعوق التقدم الروسي نحو غرب البلاد، وإذا تمكنت روسيا من اختراق خط المواجهة هذا، فإن بقية أوكرانيا في خطر، ابتداء من مدينة خاركيف.

وقد وصف تحليل معهد دراسات الحرب منطقة دونباس بأنها "حزام حصين" لأوكرانيا وذات قيمة إستراتيجية كبرى، حيث تُشكل خط الدفاع الرئيسي المُحصّن على طول خط المواجهة بين روسيا وأوكرانيا.

وينقل تقرير إندبندنت عن الباحثة في مركز تحليل السياسات الأوروبية إلينا بيكيتوفا قولها "تحتفظ أوكرانيا بخط دفاعي رئيسي عبر دونيتسك، حيث بنت منطقة مُحصّنة على مدى سنوات منذ بدء الحرب قبل 11 عاما".

وتضيف بيكيتوفا أن روسيا لم تتمكن من اختراق ذلك الخط المحصن منذ عام 2014، وخسرت كثيرا من قوتها هناك، فالمنطقة بأكملها مُلغمة بكثافة، والقوات الأوكرانية تُجهّزها منذ سنوات.

وتوضح "إنها ليست مجرد خنادق، بل هي دفاع عميق متعدد الطبقات يضم مخابئ وخنادق مضادة للدبابات وحقول ألغام ومناطق صناعية مدمجة في التضاريس.. وتشمل المنطقة مرتفعات وأنهارا ومناطق حضرية بارزة، مما يجعل السيطرة عليها أمرا بالغ الصعوبة".

وترى بيكيتوفا أن فقدان هذا الخط المحصن ستكون له "عواقب وخيمة" على أوكرانيا، حيث ستتقدم روسيا في الأجزاء الوسطى والغربية من البلاد، وبالتالي ستتحرك الجبهة نحو 80 كيلومترا غربا، وستكتسب روسيا أرضا مفتوحة -سهولا مسطحة خالية من العوائق الطبيعية- مما يمنحها طريقا مباشرا نحو خاركيف وبولتافا ودنيبرو.

خطوط الدفاع في دونيتسك صمدت منذ بداية الحرب وهي تعوق التقدم الروسي نحو غرب البلاد (الأناضول)

الرئة الصناعية لأوكرانيا

كانت منطقة دونباس قبل الحرب تلقب بـ"الرئة الصناعية لأوكرانيا" لدورها المحوري في الاقتصاد، واحتوائها على مناجم فحم ومعادن مهمة حيث استُخدمت احتياطات الفحم هذه لتشغيل جزء كبير من شبكة الكهرباء، ولإنتاج الصلب المحلي.

إعلان

ووفقا لتقرير لصحيفة تلغراف البريطانية، يطالب بوتين بالسيطرة على دونيتسك تحديدا نظرا لثرواتها الطبيعية، حيث يتركز أكثر من 70% من موارد أوكرانيا المعدنية في منطقتي دونيتسك ولوغانسك.

وحسب تقرير توت لوروب، فإن إقليم دونباس يشكل رصيدا اقتصاديا رئيسيا حيث يتميز بوفرة موارده الجوفية: مجموعة واسعة من المعادن (الحجر الجيري، والدولوميت، والكوارتزيت، وغيرها)، إضافة إلى رواسب إستراتيجية كالليثيوم، والغاز الصخري، والغاز الطبيعي.

كما أنتج الإقليم في عام 2013 ما يقرب من ربع الإنتاج الصناعي في أوكرانيا، و14% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، وربع صادراتها، وأكثر من عُشر عائداتها الضريبية.

ورغم تباطؤ الاقتصاد الأكراني حاليا بعد عقدٍ من الصراع، فإن منجم كومسوموليتس للفحم في دونباس لا يزال الأكثر إنتاجية في البلاد، حيث يُنتج 1.37 مليون طن من الفحم سنويا. علاوة على ذلك، تضم المنطقة ما يقرب من 2.8 مليون هكتار من الأراضي الصالحة للزراعة.

ولعل هذه الأهمية الاقتصادية الكبرى لإقليم دونباس تفسر هذا الإصرار الكبير من روسيا للسيطرة على الإقليم، خصوصا أنها تدرك كيف كان الإقليم يشكل إحدى الدعامات الاقتصادية الكبرى للاتحاد السوفياتي.

معارضة شعبية

أورد تقرير من كييف لكبير مراسلي شبكة "إن بي سي نيوز" ريتشارد إنجل -بعنوان "ما منطقة دونباس الأوكرانية، ولماذا تُعدّ بهذه الأهمية لبوتين في محادثات ترامب؟"- أنه رغم كون أوكرانيا منهكة بشدة بفعل الحرب، فإن التخلي عن إقليم دونباس يواجه معارضة قوية.

ووفقا لاستطلاع رأي أجراه مؤخرا معهد كييف الدولي لعلم الاجتماع، فإن نحو 75% من الأوكرانيين يعارضون التنازل عن أي أرض لروسيا.

وحسب المراسل إنجل -الذي أعد تقريره من مناطق من إقليم دونباس لا تزال تحت سيطرة أوكرانيا- لا يبدي السكان في مدينة خاركيف -رغم أنهم يواصلون نزوحهم خوفا من الحرب- أي رغبة في التنازل عن هذه المنطقة ضمن أي اتفاق.

وينقل إنجل عن الكاتبة والناشطة إيفانا سكايبا قولها: "لم نكن لنقبل أي احتمال للتخلي عن أراضينا، الأمر لا يتعلق بالأراضي، بل بشعبنا وقيمنا وأسلوب حياتنا".

وأضافت: "إذا تخلينا عن الأرض، فستستمر هذه الحرب ولن تتوقف"، مستشهدة بمواقف سابقة قالت إن أوكرانيا قدمت فيها تنازلات مؤلمة لتواجه عدوانا روسيا جديدا.

كما ينقل إنجل عن عاملة في منظمة غير حكومية تعيش في كييف تدعى كاترينا أفرامينكو قولها إن التنازلات الإقليمية لن تؤدي إلا إلى إضفاء الشرعية على غزو روسيا ومنحها "الضوء الأخضر" لشن هجمات مستقبلية حتى خارج أوكرانيا، وإن دعم ترامب لاحتلال دونباس سيفتح الباب أمام روسيا لغزو دول أخرى، على حد قولها.

واعتبرت ناشطة أوكرانية في مجال مكافحة الفساد أولينا هالوشكا أن "التخلي عن مناطق غير محتلة أمر غير مقبول على الإطلاق"، مشيرة إلى أن التحصينات في دونباس ثقيلة وقوية مقارنة بالمناطق الأخرى.

وأعربت عن قلقها من أن "إعطاء روسيا المنطقة التي فشلت في غزوها منذ عام 2014 سيُمهّد لها الطريق لاحتلال مناطق أخرى بوتيرة أسرع بكثير، وسيرفع مستوى الاستيلاء على الأراضي والتدمير المستمر للنظام العالمي إلى مستوى جديد كليا، وأنه لا أحد في أوكرانيا يثق بأي ضمانات مكتوبة من روسيا".

ويؤكد إنجل أن هناك شبه إجماع من السكان بأنه حتى لو تمكن زيلينسكي من الحصول على ضمانات أمنية من الولايات المتحدة وأوروبا، فإن بوتين لن يتوقف عند دونباس.

أشخاص يسيرون في موقع غارة روسية بطائرة مُسيّرة في منطقة دونيتسك في الثاني من أغسطس/آب 2025 (الأوروبية)

عرض مصمم للرفض

يرى بعض المحللين أن إصرار الرئيس الروسي بوتين على مطالبة أوكرانيا بالتنازل عن دونباس قد يخفي بعدا آخر.

فحسب تقرير لشبكة "إن بي سي نيوز"، اعتبر الخبير في معهد الأمم المتحدة لأبحاث نزع السلاح بافل بودفيغ أن ما تطرحه موسكو "قد يكون عرضا مصمما للرفض"، لأنه سياسيا "غير قابل للقبول بالنسبة للقيادة في كييف".

إعلان

ويشرح بودفيغ أن الكرملين لا ينظر إلى المسألة باعتبارها مجرد نزاع على أراضٍ، فإن "هذا ليس ما تريده موسكو حقا من هذه التسوية. فبوتين، وإن كان يسعى للسيطرة على أكبر مساحة ممكنة من أوكرانيا، إلا أنه لن يقبل باتفاق سلام لا يضع أيضا قيودا صارمة على اندماج كييف في الغرب كدولة مستقلة ومسلحة".

بودفيغ: بوتين يريد توسيع سيطرته في أوكرانيا، لكنه لن يقبل أي سلام لا يقيد اندماج كييف بالغرب (الجزيرة)

هل يستطيع زيلينسكي التنازل عن دونباس؟

لا يزال الرئيس الأوكراني زيلينسكي يصر على أن التنازل عن دونباس أو أي إقليم أوكراني آخر أمرٌ غير وارد، وقد كتب على منصة إكس بعد الحديث عن موضوع تبادل الأراضي: "إن المسألة الإقليمية حسمها الدستور الأوكراني، ولن يحيد عنها أحد، ولن يستطيع ذلك، ولن يتنازل الأوكرانيون عن أراضيهم للمحتل".

ووفقا لعارفين بالدستور الأوكراني الصادر عام 1996، فإن مادته الثانية تنص على أن: "سيادة أوكرانيا تمتد إلى جميع أنحاء أراضيها، وأنها دولة موحدة، وأراضيها -ضمن حدودها الحاليةـ غير قابلة للتجزئة ولا تُمس". لذا فبحسب تقرير صحيفة "توت لوروب"، فإن التنازل عن جزء من الأراضي لروسيا سيتطلب تغيير الدستور، وهو حق "للشعب حصريا"، وفقا المادة الخامسة من الدستور نفسه.

ورغم أن أوكرانيا أنهكتها الحرب، وروسيا تسيطر على أغلب أراضي دونباس، فإن القوات الأوكرانية لا تزال تسيطر على أجزاء رئيسية من دونيتسك، ومن ذلك مدينتا كراماتورسك وسلوفيانسك، إضافة إلى مواقع محصنة بشدة أودت دفاعاتها بحياة عشرات الآلاف.

وقد قيّم معهد دراسات الحرب، الذي مقره واشنطن، أن السيطرة على كامل دونباس "ستستغرق على الأرجح سنوات عديدة من القوات الروسية بعد عدة حملات صعبة".

ويمكن أن نستخلص من التقارير والدراسات السابقة أن هناك عوامل متعددة قد تشكل رافعة لزيلينسكي للثبات على موقفه الرافض للتنازل عن دونباس، ومن هذه العوامل:

الأهمية الكبرى الجغرافية والعسكرية والاقتصادية لإقليم دونباس. المواقع المحصنة والدفاع المستميت للقوات الأوكرانية في المنطقة. الرفض الشعبي الحازم لأي تنازل عن دونباس. حظر الدستور لأي قرار من هذا القبيل. انعدام الثقة بروسيا والتزاماتها. موقف الحلفاء الأوروبيين الرافض لأي تغيير لحدود أوكرانيا بالقوة.

وفي هذا السياق، يعتقد مراقبون أن ربط مصير الحرب بالتنازل عن الإقليم قد يعقد المسألة أكثر وربما يطيل أمد الحرب، ويتوقعون أن تضفي مطالب بوتين بدونباس أجواء متوترة على اللقاء المحتمل الذي تخطط الأطراف لعقده، وذلك على عكس الأجواء الودية التي طبعت لقائي ترامب وبوتين في ألاسكا، وترامب وزيلينسكي في البيت الأبيض.

0 تعليق