خلال حرب الـ12 يوما مع إسرائيل وبعدها، شنت السلطات الإيرانية حملة اعتقالات ضد المشتبه بتعاونهم مع الموساد، وحاكمت بعضهم وأعدمت مدانين، بينهم عالم نووي
البرمجيات الرقمية كانت ضمن أدوات الاغتيال التي استخدمها عملاء إسرائيل (الجزيرة)
البرمجيات الرقمية كانت ضمن أدوات الاغتيال التي استخدمها عملاء إسرائيل (الجزيرة)
26/8/2025-|آخر تحديث: 11:12 (توقيت مكة)
لم تمض سوى أربعة أعوام على تحذير وزير الاستخبارات الإيراني الأسبق علي يونسي، من أن "اختراق إسرائيل أصبح عميقا جدا خلال العقد الأخير، لدرجة أن جميع مسؤولي الجمهورية الإسلامية يجب أن يقلقوا على أرواحهم"، حتى قتل العشرات من كبار القيادات العسكرية الإيرانية وعلمائها النوويين، في مشهد أعاد إلى الواجهة الاختراق الأمني الإسرائيلي في إيران.
فالحرب الإسرائيلية الأخيرة على إيران وإن جاءت في سياق تداعيات أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 وسبقتها عمليات اغتيال وتخريب وهجمات عسكرية ضخمة في كل من غزة وبيروت وصنعاء كانت بمثابة جرس إنذار للجمهورية الإسلامية، فإنها جذبت كل هذه المشاهد إلى عقر دار بلاد فارس. كما أظهرت طبيعة الاغتيالات في إيران أن العدو ليس حاضرا فقط في السماء وخارج الحدود، بل موجود أيضا في الداخل عبر عملائه المحيطين بالشخصيات المحورية، وحتى في أطراف مؤسسات صنع القرار.
فخلال سويعات قليلة جدا، تم اغتيال عدد من قياداتها العسكرية وعلمائها النوويين، مع تعقب دقيق لمواقع أفراد وعناصر آخرين بعد استهداف المضادات الجوية الإيرانية، مما يكشف بوضوح حجم الثغرة في قلب النظام الأمني الإيراني، خصوصا أن الوقائع اتخذت صيغة عمليات اغتيال تميزت بتوقيتها الدقيق، وأهدافها عالية المستوى، وتنسيقها الكبير، وهي خصائص لا تتحقق إلا بناء على حيازة معلومات داخلية على أعلى مستوى، وفق مراقبين.

ولم يتردد وزير الاستخبارات الإيراني السابق، محمود علوي، في وصف عمليات الاغتيال المُخطّطة بهذا القدر من الدقة والمترافقة مع اختراق من خارج الحدود؛ بأنها "غير مسبوقة في أي مكان بالعالم"، مضيفا أن هذا الوضع استثناء خطير في تاريخ الأمن الوطني للدول، وأن بلاده إن لم تستخلص الدروس مما حصل فإن الحدث سيكون قابلا للتكرار.
وقد فسّرت الأوساط السياسية في طهران مثل هذه التصريحات وعلى لسان شخصية أمنية مرموقة كوزير الاستخبارات السابق، بأنها دليل واضح على تسلط الموساد واختراقه لنواة المؤسسات الأمنية الإيرانية.
الاختراق
وكانت إسرائيل قد شنت فجر 13 يونيو/حزيران 2025، هجمات صاروخية واسعة وغارات مركزة على مناطق متعددة في إيران بأكثر من 200 طائرة مقاتلة أسمتها عملية "الأسد الصاعد"، مستهدفة منشآت عسكرية ونووية وقادة إيرانيين كبارا في مؤسسات أمنية وعسكرية وبحثية، دون أن تتمكن طهران من استهداف نظرائهم في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وجاءت المواجهة في سياق تصاعدي للصراع الإسرائيلي-الإيراني الذي شهد تحولا نوعيا في أبريل/نيسان 2024 عندما نفّذت إيران أول هجوم مباشر على إسرائيل تحت اسم "الوعد الصادق1"، ردا على اغتيالها قادة فيلق القدس التابع للحرس الثوري في دمشق، تلاه هجوم آخر في أكتوبر/تشرين الأول من العام ذاته، سمته إيران "الوعد الصادق2" بعد اغتيال الرئيس السابق للمكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) إسماعيل هنية في طهران، نهاية يوليو/تموز 2024، وكذلك الأمين العام الأسبق لحزب الله اللبناني حسن نصر الله في سبتمبر/أيلول من العام نفسه.
وبعد مرور 18 ساعة على بدء الهجوم الإسرائيلي الأخير، شنّت إيران سلسلة هجمات بالصواريخ الباليستية وأخرى فرط صوتية وطائرات مسيرة استهدفت مراكز عسكرية وقواعد جوية ومنشآت اقتصادية وأمنية وأخرى بحثية ذات طابع عسكري وأمني في العمق الإسرائيلي.
ونفذت إيران ضربتها الأخيرة قبيل وقف اطلاق النار الذي أعلنته الولايات المتحدة في 24 يونيو/حزيران 2025 بعد يومين من مشاركتها في الهجمات إلى جانب إسرائيل وقصفها منشآت نووية إيرانية، لكن الأطراف الثلاثة المشاركة في الجولة التي دامت 12 يوما، لم تبرم اتفاقا رسميا لوقف إطلاق النار.
تحذيرات يونسي ونجاد
وكان وزير الاستخبارات الأسبق علي يونسي سباقا إلى الحديث عن اختراق بلاده من قبل أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، لا سيما هيئة الاستخبارات والمهمات الخارجية المعروفة اختصارا باسم "الموساد"، إذ قال في يوليو/تموز 2020 إن "نفوذ الموساد في الأقسام المختلفة من البلاد وصل إلى حدٍ يقتضي أن يقلق جميع مسؤولي الجمهورية الإسلامية على حياتهم، لقد تم إغفال نفوذ الأجهزة الاستخباراتية وخاصة إسرائيل".
وألمح يونسي حينها إلى الأجهزة الأمنية التي أنشئت بموازاة وزارة الاستخبارات -وكان يقصد الجهاز الأمني المستحدث في الحرس الثوري- محذرا من مغبة التنافس السلبي بين الأجهزة الأمنية. واعتبر أن ذلك قوّض نشاطها، لأن الكوادر الأمنية انشغلت بالتنافس السياسي ومراقبة العناصر الداخلية بدلا من مكافحة الاختراق الأمني من قبل الأعداء.

من ناحيته، أشار الرئيس الإيراني الأسبق محمود أحمدي نجاد في مقابلة مع شبكة "سي إن إن" التركية في سبتمبر/أيلول 2024، إلی التغلغل الإسرائيلي الواسع في هيكلية بلاده، وضعفها الأمني مقارنة مع العدو، مؤكدا أنه تم إنشاء قسم مضاد لإسرائيل في إيران، ولكن بعد مدة تبيّن أن قائد هذا القسم كان عميلا للموساد.
أما أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي لاريجاني، فقد دق ناقوس خطر الاختراق الأمني قبل 6 أشهر من الهجوم الإسرائيلي على بلاده، موضحا أن "موضوع التغلغل الأمني في إيران خلال السنوات الأخيرة وارد جدا"، مؤكدا في تصريح صحفي أدلى به في ديسمبر/كانون الأول 2024، أن الأجهزة الأمنية في بلاده تعمل على معالجة الاختراق الأمني.
وردا على سؤال "عما إذا كان الاختراق قد حصل في المؤسسات السياسية والأمنية أم العسكرية؟"، قال لاريجاني "لا أستطيع تحديد ذلك، لكنني أعلم أنه على أي حال وقعت أحداث مثل الاغتيالات، سواء لعلماء نوويين أو لغيرهم، والتي تظهر أن العدو قد نجح في التسلل إليهم"، مشددا على ضرورة أن تبدي الأجهزة الأمنية الإيرانية حساسية تجاه هذه المسالة، وأن يتم العثور على رؤوس خيوطها.
وإثر اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، عقب مشاركته في احتفال تنصيب الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، قال الرئيس الأسبق للجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، حشمت الله فلاحت بيشه، إن "أهم سيناريو يجب الاهتمام به فيما يتعلق باغتيال هنية هو سيناريو التغلغل الأمني".

واعتبر فلاحت بيشه، أن تكرار بعض الأحداث في بلاده ومنها اغتيال هنية، "يُظهر أن هناك ثغرات أمنية لا بد من اتخاذ إجراءات جذرية لإصلاحها"، مضيفا أنه يجب على إيران قبل كل شيء تحديد عناصر التغلغل المحتملة وسدّ طرق وصولهم إلى المجالات الاستخباراتية والأمنية.
الأرشيف المسروق
لم تكن حرب يونيو/حزيران 2025 أول اختراق أمني إسرائيلي لأكثر المؤسسات العسكرية والأمنية الإيرانية سرية، إذ سبق لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن كشف يوم 30 أبريل/نيسان 2018، لأول مرة، عن سرقة الموساد لنحو 55 ألف وثيقة وعشرات الأقراص المدمجة المتعلقة بأرشيف إيران النووي، إثر عملية اقتحام ناجحة لما أسماه "مخبأ سري" جنوبي العاصمة طهران.
وعلى الرغم من أن طهران أنكرت لسنواتٍ عملية السطو الإسرائيلي على وثائق برنامجها النووي واعتبرتها "ادعاءات كاذبة"، فإن الرئيس الإيراني الأسبق حسن روحاني، أكد لأول مرة عام 2021 صحة العملية في خطابه الرسمي الأخير أمام أعضاء حكومته، ما أثار حينها تساؤلات عن الحجم الحقيقي للاختراق الأمني الإسرائيلي في الجمهورية الإسلامية.
وبعد مشوار طويل من الاغتيالات الإسرائيلية التي طالت علماء نوويين وقيادات عسكرية، إلى جانب عمليات تخريبية استهدفت المنشآت النووية الإيرانية طوال عقدين، بلغ الاختراق الأمني الإسرائيلي في إيران ذروته خلال الهجمات الأخيرة التي شنتها تل أبيب على أهداف إيرانية واستمرت 12 يوما، حيث تزامنت مع موجة اغتيالات طالت قادة عسكريين وعلماء نوويين، بل طالت مقر المجلس الأعلى للأمن القومي في لحظة انعقاده، مما أدى إلى إصابة الرئيس مسعود بزشكيان نفسه، مما أعاد إلى الواجهة التساؤلات المحرجة حول مدى اختراق الموساد للمنظومة الأمنية الإيرانية.
والمفارقة أن طهران استبقت الهجمات الإسرائيلية الأخيرة بالإعلان أن بحوزتها وثائق سرية تتعلق بمنشآت ومشاريع نووية إسرائيلية، مما سيمكنها من استهداف المنشآت النووية والبنية التحتية الاقتصادية والعسكرية الإسرائيلية في حال وقوع هجمات على المنشآت النووية الإيرانية. هذا إذا ما تم استثناء مواظبة الأجهزة الأمنية الإيرانية على الإعلان خلال السنوات الماضية عن إلقاء القبض على عناصر تعمل لصالح الاستخبارات الإسرائيلية.
ونقل التلفزيون الإيراني الرسمي يوم 7 يونيو/حزيران 2025، عن مصادر استخباراتية أن أجهزة الأمن الإيرانية تمكنت من الاستيلاء على "آلاف الوثائق السرية" تعود إلى جهاز الاستخبارات الإسرائيلي، وتشمل معلومات عن منشآت نووية.
اعترافات ما بعد الحرب
وزير الاستخبارات إسماعيل الخطيب أقر بأن 50 جهازا استخباريا أجنبيا يعمل في إيران (الصحافة الإيرانية)
وزير الاستخبارات إسماعيل الخطيب أقر بأن 50 جهازا استخباريا أجنبيا يعمل في إيران (الصحافة الإيرانية)
وعقب حرب 12 يوما، ظهرت إلى العلن شهادات رسمية تفيد بحجم الاختراق الأمني الإسرائيلي في إيران وبالثغرات الأمنية التي يمكن تلخيصها كالتالي:
كشف وزير الاستخبارات الإيراني إسماعيل الخطيب، عن وجود أكثر من 50 جهازا استخباراتيا أجنبيا لديها مكاتب وتشكيلات متخصصة بالعمل الأمني على الأراضي الإيرانية، ولدى إشارته إلى أن اعتقال الجواسيس مستمر في بلاده منذ ما قبل الحرب وحينها وبعدها، قال ردا على سؤال حول أعداد المعتقلين "ستُعلن الإحصائيات المتعلقة بالجواسيس بشكل تدريجي ومناسب مع الظروف والمناسبات المختلفة من قبل السلطة القضائية، لأن النشر المفاجئ لهذه الإحصائيات غير مناسب". من ناحيته، كشف عضو مجلس الإعلام الحكومي فياض زاهد، عن تفاصيل ليلة الهجوم الإسرائيلي على بلاده، وأثار تساؤلات حول قنوات تسرب المعلومات الدقيقة إلى العدو، حيث قال "يجب الغوص في عمق هذه القضية ومعرفة الجهات التي وجّهت بعض القيادات الإيرانية إلى مبنى معين. لقد قال رئيس هيئة الإذاعة والتلفزيون السيد بيمان جبلي إن قائد الحرس الثوري الجنرال حسين سلامي أبلغه الساعة الواحدة والنصف من ليلة الهجوم بأن هجوما قادما هذه الليلة، مما يعني أن الجنرال كان على علم بالعملية، ويجب تحديد القنوات التي وصلته منها هذه المعلومات". وأضاف زاهد، أن 9 أشخاص حضروا اجتماعا في هيئة الأركان المشتركة وأن عاشرهم تأخر، وعقب حضوره بدأ الهجوم، هذه المسألة مهمة ولا ينبغي غض البصر عنها.. يجب على وزارة الاستخبارات وجهاز استخبارات الحرس الثوري التعامل مع هذه القضية بحساسية فائقة. كما أثار رئيس منظمة الدفاع المدني، العميد غلام رضا جلالي، جدلا بتأكيده استخدام العدو برمجيات رقمية ومنصات تواصل اجتماعي -منها الواتساب- في تتبع واغتيال قادة محور المقاومة، بمن فيهم إسماعيل هنية الذي استُهدف قبل عام في طهران، لكن مهدية شادماني ابنة الجنرال علي شادماني، القائد السابق لمقر خاتم الأنبياء المركزي -والذي اغتالته إسرائيل بعد أربعة أيام فقط من تعيينه خلفا للجنرال غلام علي رشيد- نفت هذه الرواية جملة وتفصيلا. ونقلت الصحافة الفارسية عن مهدية قولها إن مواقع إقامة والدها كانت تتغير كل بضع ساعات مرة، ولم يكن يحمل هاتفا أو أجهزة ذكية، بل كان يراعي البروتوكولات الأمنية بشكل كامل، لكن خلال أيام قيادته لمقر خاتم الأنبياء المركزي تعرض عدة مرات لمحاولات اغتيال من قبل إسرائيل، وبعد عدة إخفاقات نجح العدو أخيرا في استهدافه. في الواقع، أنظمة التتبع الدقيقة لإسرائيل تتجاوز الواتساب أو التجسس التقليدي والفردي.
ويعتقد مراقبون إيرانيون أن التغلغل الأمني الذي سهّل لإسرائيل اغتيال عدد من القيادات العسكرية الإيرانية وعلماء نوويين في غرف نومهم وليس في ساحات المعركة، ومكن تل أبيب من توظيف عملاء لتركيب المسيرات الصغيرة وإطلاقها نحو الأهداف من داخل الأراضي الإيرانية؛ لم يكن نتيجة عمل قصير لجهاز الموساد، وإنما نتيجة عمل أمني متواصل منذ فترات طويلة.
فقد كشف علي خضريان، وهو عضو في لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية بالبرلمان الإيراني، أن "شبكات التغلغل الأمني الإسرائيلي في إيران كانت قائمة منذ 20 عاما وتخطط طيلة هذه الفترة باستمرار، وأن بعض مرتزقتها كان يفترض أن يدخلوا في حرب مسلحة على الأراضي الإيرانية، ولكنهم تعرضوا لضربة استخباراتية بمساعدة الشعب الإيراني.
ومن خلال متابعة مواقف لخبراء ومؤثرين إيرانيين آخرين، يبدو أن التغلغل الأمني الإسرائيلي في الجمهورية الإسلامية نتيجة تراكمية لسياسات داخلية خاطئة امتدت لعقدين، أفضت إلى واحدة من أضخم العمليات العسكرية والأمنية، إذ ضرب الاحتلال الإسرائيلي خلالها عمق الأراضي الإيرانية، وفي أكثر المراكز العسكرية والأمنية تأمينا، مخلفا إهانة مباشرة لأجهزة الأمن الإيرانية التي لم تعتبر جراء سرقة الوثائق النووية واغتيال عدد كبير من العلماء النوويين والمسؤولين الإيرانيين، وعلى رأسهم العالم النووي محسن فخري زاده، وكذلك الضيف الفلسطيني إسماعيل هنية، فضخامة ودقة هذه العمليات لا يمكن تحقيقها دون سيادة استخباراتية واختراق ميداني وثغرات أمنية.
اعتقالات
وإثر مباغتة الأجهزة الأمنية الإيرانية فجر 13 يونيو/حزيران 2025 بالخرق الأمني الذي أودى بحياة 23 قائدا عسكريا رفيعا وعالما نوويا، بدأت قواتها الأمنية حملة اعتقالات واسعة النطاق مصحوبة بانتشار مكثف في الشوارع وحول نقاط التفتيش للكشف عن شبكة جواسيس الموساد الإسرائيلي.

وبالرغم من أن الصحافة الفارسية دأبت على الإعلان عن اعتقال بضعة أشخاص هنا وهناك أثناء فترة الحرب واستمرت بعد وقف إطلاق النار، فإن وزارة الاستخبارات لم تعلن أرقاما موحدة عن الموقوفين بعد مضي نحو شهرين من توقف الهجمات المتبادلة، لكن بعض المسؤولين الآخرين تحدثوا عن أعداد متفاوتة.
فبعدما أعلن رئيس السلطة القضائية غلام حسين محسني إيجئي يوم 23 يوليو/تموز 2025 اعتقال 2000 مشتبها بتعاونه مع إسرائيل، كشف المتحدث باسم الشرطة الإيرانية العميد سعيد منتظر المهدي، عن اعتقال 21 ألف "مشتبه به" خلال فترة الحرب.
وقال منتظر المهدي إنه "كانت هناك زيادة بنسبة 41% في عدد البلاغات العامة من قبل الجمهور عن أي أفراد يعتقدون أنهم يتصرفون على نحو مريب، مما أدى إلى اعتقال 21 ألف مشتبه به خلال الحرب التي استمرت 12 يوما".
وعلى النقيض من تجاهل المتحدث باسم الشرطة التهمَ الموجهة للمشتبه بهم المعتقلين، فإن السلطات الإيرانية طالما تحدثت خلال الفترة الماضية عن طيف من الإجراءات الأمنية منسوبة إليهم، لعل أبرزها المشاركة في تركيب الطائرات المسيرة الصغيرة ونقلها، والتوجيه والتحكم فيها، وصنع القنابل اليدوية، والتقاط صور للمراكز العسكرية الحساسة، وإرسال المعلومات إلى جيش الاحتلال الإسرائيلي.
وقال المتحدث باسم الشرطة، إن أجهزة إنفاذ القانون "ألقت القبض على 2774 مهاجرا غير نظامي واكتشفت 30 قضية أمنية خاصة من خلال فحص هواتفهم"، مضيفا أنه جرى إلقاء القبض على 261 مشتبها بضلوعه في التجسس و172 شخصا متهمين بالتصوير غير المصرح به.
وأضاف أن الشرطة الإيرانية تعاملت مع أكثر من 5700 حالة من الجرائم الإلكترونية، مثل الاحتيال عبر الإنترنت والسحب غير المصرح به للأموال خلال الحرب، والتي قال إنها حولت "الفضاء الإلكتروني إلى جبهة قتال مهمة".

من ناحيته، يوضح رئيس السلطة القضائية غلام حسين محسني إيجئي أن "الكثير من الموقوفين أُطلق سراحهم بعد فترة قصيرة، لأنهم لم يكونوا جواسيس ولم يتعاونوا مع النظام الصهيوني؛ هؤلاء الأشخاص أُطلق سراحهم بعد إجراء التحقيقات وجمع المعلومات".
وأضاف إيجئي، أنه قد يكون رفع الشبهة عن بعض هؤلاء المفرج عنهم لم يتم بشكل كامل، وبالتالي تم الإفراج عنهم بإصدار "قرار"، مؤكدا أن بعض المعتقلين ثبت أنهم كانوا يتعاونون مع النظام الصهيوني، حيث كان مستوى ونوع هذا التعاون متفاوتا، وبناء على القانون الإيراني لا بد من توقيف ومحاكمة من يتعاون أثناء الحرب مع العدو.
وأوضح أنه "في بعض الأحيان تكون عقوبات بعض هؤلاء الأشخاص شديدة وتصل إلى حد الإعدام، وفي حالات أخرى يتم فرض عقوبات أقل شدة على المعتقلين الذين تعاونوا مع النظام الصهيوني. لقد كان لدينا جميع أنواع هؤلاء الأشخاص، وبعضهم كانت لديهم ارتباطات تنظيمية مع النظام الصهيوني، ويجب أولا استخلاص المعلومات منهم وتحديد شركائهم في الجريمة، وهذا العمل قد يستغرق بعض الوقت".
السلطات الإيرانية أعلنت إعدام أشخاص بينهم عالم نووي (رويترز)
السلطات الإيرانية أعلنت إعدام أشخاص بينهم عالم نووي (رويترز)
إعدام المدانين
نفذت السلطات الإيرانية -خلال الفترة الماضية- حكم الإعدام بحق عدد غير محدد من الموقوفين إثر إدانتهم بالتجسس لصالح العدو والتعاون مع الموساد الإسرائيلي. لعل أبرزهم كالتالي:

تقصي حقائق
بعد مرور نحو شهرين على وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران، ورغم اعتراف السلطات الإيرانية بوجود اختراق أمني كبير في أجهزتها الأمنية، فإنها لم تعلن بعدُ عن تشكيل لجنة تقصي حقائق، ما أدى إلى تصاعد المطالب بتشكيل مثل هذه اللجنة للتحقيق في الأسباب وتشخيص المقصرين.
من ناحيتها، كتبت الناشطة السياسية جميلة كديور، أن "الضربات الموجعة التي لو حدث أي منها في أي مكان آخر من العالم لأدت إلى استجواب واستقالة العديد من المسؤولين وعلى مختلف المستويات السياسية والعسكرية والأمنية، لم تكن الضربةَ الأولى من نوعها، ولم تكن التجارب المماثلة في اغتيال الكوادر العسكرية والنووية الإيرانية المتميزة على يد إسرائيل في إيران والمنطقة، خاصة بعد 7 أكتوبر 2023، هذه التجارب للأسف لم يتم التعلم منها بسبب عمق ومدى اختراق النظام الصهيوني للمستويات المختلفة العسكرية والسياسية والاستخباراتية الأمنية؛ من اغتيالات العسكريين الإيرانيين في سوريا ولبنان والعراق، إلى اغتيال إسماعيل هنية في طهران بعد سويعات من حفل تنصيب الرئيس الجديد. هذا الاغتيال كانت رسالته أن استهداف أي مسؤول في إيران أضحى ممكنا لإسرائيل".

وفي مقال نشرته على موقع "دبلوماسي إيراني" المقرب من الدبلوماسي البارز صادق خرازي، تحت عنوان "لا بد من أخذ الاختراق الأمني اللامرئي على محمل الجد"، كتبت كديور أنه رغم العملية الأمنية التي بدأت عقب الهجمات الإسرائيلية للكشف عن عملاء الموساد والمتسللين في البلاد، وإجراء تحقيقات موسعة أدت -بفضل اعترافات المعتقلين- إلى توفير قاعدة بيانات ضخمة وشاملة في متناول الأجهزة الاستخباراتية الإيرانية، فإن ما حدث في يونيو/حزيران الماضي وبعده يبدو أنه يشير إلى اختراق يتجاوز عمل عدد من المهاجرين والعمالة العابرة للحدود والأقليات العرقية الدينية وحضور أشخاص تحت غطاء السياحة، بل يشمل الاختراق الأمني أشخاصا كانوا يعملون داخل النظام وكانوا موثوقين وموضع ثقة المؤسسة الرسمية.
من ناحيته، كتب الناشط السياسي أحمد زيد آبادي، "ننتظر كل يوم تشكيل لجنة تقصي حقائق للتحقيق المحايد والعلمي في كيفية اختراق جهاز التجسس الإسرائيلي داخل البلاد وتحديد التقصير والإهمال لجميع المؤسسات والمسؤولين المهددين، لذلك لو حدثت هذه الأحداث في أي بلد آخر، لتبعته مئات الاستقالات والإقالات، فلماذا لم يحدث حتى تغيير واحد في بلدنا؟".
وفي تعليق تحت عنوان "لجنة تقصي حقائق"، نشره في قناته على منصة تلغرام، كتب زيد آبادي "يبدو أنه في نظر بعض المؤسسات المسؤولة لم يحدث أي شيء خاص يحتاج إلى تحقيق، البعض يتحدث كما لو أن الاغتيال المفاجئ والمتزامن لأعلى المسؤولين العسكريين والخبراء النوويين كان أمرا عاديا ومعتادا، كما لو أن بعض المهاجرين الأفغان وتطبيق واتساب مسؤولان عن هذه الكارثة، وبترحيلهم وحظرهم يتم حل المشكلة".
وتابع، أن "مثل هذه التصرفات مثيرة للقلق والشك بشكل كبير.. نتوقع من رؤساء السلطات أن يكونوا مسؤولين بشأن تشكيل لجنة التحقيق للكشف عن الاختراق المروع الذي حدث".
المصدر: الجزيرة
0 تعليق