عاجل

الفيلق الأفريقي في مالي.. سد للفراغ أم بوابة للفوضى؟ - زاجل الإخباري

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

Published On 28/8/202528/8/2025

|

آخر تحديث: 19:32 (توقيت مكة)آخر تحديث: 19:32 (توقيت مكة)

في أواخر عام 2021، فتحت السلطات العسكرية في مالي أبواب العاصمة باماكو أمام مقاتلي مجموعة فاغنر الروسية، في خطوة اعتُبرت آنذاك قطيعة حاسمة مع سنوات من الإحباط تجاه فرنسا والأمم المتحدة.

لكن بعد 3 سنوات، ومع إعادة تموضع فاغنر تحت مظلة "الفيلق الأفريقي"، تتكشف صورة مغايرة تماما: إخفاقات عملياتية، وانقسامات داخلية، واستنزاف مالي غير مسبوق.

مجازر بدلا من الأمن

بحسب تحقيق نشره موقع "أفريكا ريبورت" استنادا إلى تقرير صادر عن منظمة "ذا سينتري"، لم يكن وجود فاغنر في مالي مجرد إخفاق عسكري، بل تحول إلى عامل تفكيك لبنية الحكم العسكري، ومصدر لتغذية التمرد.

كانت أبرز تلك المحطات مجزرة "مورا" في مارس/آذار 2022، حيث قُتل أكثر من 500 مدني، وتعرضت عشرات النساء والفتيات للاغتصاب، في عملية اتُهمت فيها عناصر فاغنر مباشرة.

ونقل التقرير شهادات لجنود ماليين أكدوا أن تأثير فاغنر دفع القيادات العسكرية إلى تجاوزات غير مسبوقة، حيث قال أحدهم "لولا فاغنر، لما حدثت مجزرة مورا بهذا الحجم أو بهذه الوحشية".

كما أشار التقرير إلى أن عناصر فاغنر كانوا ينفذون عمليات أمنية دون تنسيق مسبق، مستخدمين معدات الجيش خارج التسلسل القيادي، مما أدى في حالات عدة إلى فقدان معدات أو ترك الجنود الماليين دون دعم أثناء هجمات المتمردين.

خريطة انتشار قوات فاغنر "الفيلق الأفريقي" (الجزيرة)

أساليب قمعية غذّت التمرد

عززت أساليب فاغنر قدرتها على التجنيد، بدلا من تقويض نفوذ الجماعات الجهادية. فقد أدت عمليات التهجير الجماعي في شمال البلاد، والغارات الجوية على أهداف مدنية، والتحالفات مع مليشيات عرقية متهمة بارتكاب فظائع، إلى تعميق الانقسام المجتمعي.

وقد صرّح أمادو كوفا، زعيم جماعة "كتيبة ماسينا" التابعة لتنظيم القاعدة، في مقابلة عام 2024، بأن "الوحشية الروسية دفعت السكان إلى حمل السلاح دفاعا عن دينهم وأرضهم وممتلكاتهم".

إعلان

كما أشار التقرير إلى أن عناصر فاغنر كانوا يحظون بمعاملة تفضيلية، مثل الإخلاء الطبي، في وقت يعاني فيه الجيش المالي من نقص في الوقود والخدمات، مما زاد من حدة الاستياء داخل المؤسسة العسكرية.

من مأزق إلى كارثة

شكّلت معركة "تنزاواتين" في يوليو/تموز 2024، نقطة تحول حاسمة، إذ تعرضت قافلة مشتركة من الجيش المالي ومقاتلي فاغنر لكمين نفذه متمردون طوارق مدعومون بجهاديين.

وقد عطّلت العاصفة الرملية الدعم الجوي، وانتهت المعركة بمقتل 84 روسيا و47 ماليا، مما أنهى أسطورة التفوق القتالي لفاغنر وفق ما جاء في العديد من المصادر الإخبارية.

وقد انتشرت صور المتمردين وهم يستعرضون أسلحة روسية مصادرة، في حين تبادل الطرفان الاتهامات بالتخلي والخيانة.

كما اتهم ضباط ماليون الروس بالعنصرية وتجاهل التسلسل القيادي، واصفين الانتقال من فرنسا إلى فاغنر بأنه "من مأزق إلى كارثة".

مقاتلون من الطوارق بجوار مدرعة مدمرة استولوا عليها من قوات فاغنر الروسية في شمال مالي (رويترز)

أزمة ثقة وتصدّع سياسي

كشف التحقيق أن العلاقة بين فاغنر والجيش المالي تدهورت إلى مستوى من الشك المتبادل، خاصة بعد هجوم جهادي على مطار باماكو في سبتمبر/أيلول 2024، أسفر عن مقتل أكثر من 100 شخص، في حين تأخرت وحدات فاغنر 5 ساعات قبل التدخل، بسبب عدم دفع مستحقاتها.

أما على المستوى السياسي، فقد أدى النفوذ الروسي إلى تعميق الانقسامات داخل المجلس العسكري.

ورغم أن وزير الدفاع ساديو كامارا، المعروف بلقب "رجل موسكو في باماكو"، كان مهندس الاتفاق مع فاغنر، فإن التكلفة الشهرية الباهظة (10 ملايين دولار) أثقلت كاهل الدولة، وأثارت شكوك قائد المجلس العقيد أسيمي غويتا، خاصة في ظل العقوبات والتضخم.

وقد كشف تقرير "ذا سينتري" أن الرئيس غويتا نفسه منع منح فاغنر أي امتيازات تعدين كجزء من الاتفاق، رغم ضغوط كامارا، مما فاقم التوتر داخل القيادة العسكرية.

وفي تطور لافت، اعتقلت السلطات المالية في أغسطس/آب 2025 أكثر من 30 ضابطا بتهمة محاولة زعزعة الحكومة العسكرية، بعد اجتماع بين جنرالات ناقشوا استياءهم من استمرار سيطرة الروس على قواعد عسكرية، رغم إعلان فاغنر انسحابها في يونيو/حزيران.

ويُعتقد أن هذه المحاولة مرتبطة جزئيا بطريقة تعامل "الفيلق الأفريقي" مع الجنود الماليين، خاصة أن نحو 70 إلى 80% من عناصره هم من المرتزقة السابقين في فاغنر.

فاغنر بلا مناجم ولا تمويل

وعلى خلاف تجربتها في جمهورية أفريقيا الوسطى والسودان، فشلت فاغنر في ترسيخ وجود اقتصادي في مالي. إذ اصطدمت محاولاتها للحصول على امتيازات تعدين برفض حكومي، في حين بقي قطاع الذهب تحت سيطرة شركات مثل "باريك" و"بي تو غولد"، التي تشكل أكثر من نصف دخل الدولة الضريبي.

وقد أجبر هذا الفشل الاقتصادي فاغنر على الاعتماد على دعم مباشر من الدولة الروسية، مما قوّض صورتها كشريك أمني ممول ذاتيا.

وبحسب التقرير، لم يتم تأسيس أي نشاط اقتصادي فعّال للفاغنر أو "الفيلق الأفريقي"، في حين تدهورت علاقتهما بالجيش المالي مع مرور الوقت، وتراجعت سمعتهما القتالية بفعل سلسلة من الانتكاسات الميدانية.

خريطة مالي
خريطة مالي (الجزيرة)

دروس للفيلق الأفريقي

حذر تقرير "ذا سينتري" من تكرار تجربة مالي، في ظل إعادة هيكلة العمليات الروسية في أفريقيا تحت اسم "الفيلق الأفريقي".

إعلان

فالفيلق، رغم وعوده بالانضباط والدعم الحكومي، يحمل إرثا دمويا وثقلًا من فاغنر لا يمكن تجاهله.

كما دعا التقرير إلى فتح تحقيقات من المحكمة الجنائية الدولية في جرائم الحرب، وفرض عقوبات على شبكة كامارا، وإحياء الوساطة الجزائرية مع متمردي الطوارق.

كما يشير إلى ضرورة إعادة تقييم الإستراتيجية الغربية في الساحل، في ضوء إخفاقات فاغنر التي كشفت هشاشة المقاربة الروسية.

إرث المرتزقة وتحديات السيادة

كشفت تجربة مالي مع فاغنر، حسب ما يدعي التقرير، ثم "الفيلق الأفريقي"، فشل النموذج الروسي القائم على المرتزقة عبر تفكيك للمؤسسات، وتغذية للتمرد، واستنزاف للثقة والموارد. إذ إن استمرار السيطرة الروسية داخل القواعد العسكرية، رغم الانسحاب المعلن، فاقم التوترات الداخلية، وارتبط بمحاولة انقلابية غير مسبوقة.

في المقابل، يواجه الاتحاد الأفريقي اختبارا حاسما: إما بلورة موقف واضح من التدخلات غير النظامية، وإما ترك فراغ يُملأ بالفوضى حسب تقييم التقرير.

كما أن إخفاقات فاغنر تفرض على الشركاء الدوليين مراجعة مقارباتهم الأمنية، لصالح دعم السيادة وبناء المؤسسات.

وليست مالي حالة منعزلة، بل مرآة لهشاشة الدولة في الساحل، حين تُختزل السيادة في عقود أمنية، وتُدار الجغرافيا بمنطق المرتزقة وفق خلاصة التقرير.

0 تعليق