عاجل

لماذا صمتت الحيتان الزرقاء؟ العلماء يعتبرونها صرخة استغاثة - زاجل الإخباري

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

Published On 2/9/20252/9/2025

|

آخر تحديث: 09:26 (توقيت مكة)آخر تحديث: 09:26 (توقيت مكة)

لقرون عديدة، جابت أصوات الحيتان الزرقاء العميقة والرنّانة محيطاتٍ بأكملها، ناقلةً رسائل بين أكبر مخلوقات الكوكب. أما الآن، فقد بدأت هذه الأصوات بالتلاشي، في مؤشر مناخي خطير، كما يقول العلماء.

تشير دراسة جديدة، استمرت 6 سنوات، قبالة سواحل كاليفورنيا إلى أن موجات الحر البحرية والتلوث الضوضائي يُغيّران المشهد الصوتي للبحر، ويحذر العلماء من أن الصمت يُنذر بكارثة جسيمة.

تحت الأمواج، لا يهدأ المحيط أبدا. صوت طقطقة الروبيان، وهدير العواصف البعيدة، ونداءات الحيتان المزعجة تُشكّل ترنيمة متواصلة.

ويلتقط هذه الأصوات جهاز هيدروفون معدني صغير مُثبّت على عمق 3 آلاف قدم تحت سطح كاليفورنيا، وهو جزء من شبكة تُمكّن الباحثين من التنصت على العالم تحت الماء عاما بعد عام .

وعندما بدأ فريق الباحثين -بقيادة جون رايان، عالم المحيطات البيولوجية في معهد مونتيري باي لأبحاث الأحياء البحرية في مراقبة المنطقة عام 2015، لم يكن لديهم أي فكرة أن موجة حر بحرية قياسية على وشك إعادة تشكيل المنطقة.

ورُصدت موجة الحر البحرية، التي سُميت لاحقا بـ"البقعة"، لأول مرة عام 2013 كبقعة دافئة في بحر بيرينغ. وامتدت جنوبا على طول ساحل المحيط الهادي، ممتدة من ألاسكا إلى المكسيك بحلول عام 2016.

وفي بعض الأماكن، ارتفعت درجات حرارة المياه بأكثر من 15 درجة مئوية فوق المعدل الطبيعي، وهذا أدى إلى اضطراب التيارات وتشتيت الفرائس.

بالنسبة للحيتان الزرقاء والزعنفية -وهي أنواع تعتمد بشكل شبه كامل على أسراب الكريل الكثيفة- كان هذا الأمر مدمرا. فقد انخفضت أعداد الكريل بشكل حاد، وأصبح من الصعب العثور على ما تبقى منها، ووجدت الدراسة أن أصوات الحيتان الزرقاء انخفضت بنسبة تقارب 40% خلال سنوات موجة الحر.

وقالت كيلي بينوا-بيرد، عالمة الأحياء البحرية في حوض مونتيري باي للأحياء المائية والمؤلفة المشاركة في البحث لمجلة ناشيونال جيوغرافيك: "في ظل هذه السنوات الحارة جدا وموجات الحر البحرية، لا يقتصر الأمر على مجرد ارتفاع درجة الحرارة، فالنظام بأكمله يتغير، ولا تحصل الحيتان على غذائها الرئيسي من الكريل، لذلك تصبح في خطر".

إعلان

وفي المقابل، استمرت الحيتان الحدباء، ذات الأنظمة الغذائية الأكثر تنوعا، في الغناء خلال فترة الاضطراب. أما بالنسبة للحيتان الزرقاء، التي تعتمد إستراتيجيتها الغذائية على جرعات هائلة من المياه الغنية بالكريل، فإن السنوات العجاف تعني محيطات أكثر هدوءا.

ويقول رايان، مشيرا إلى تسجيلات صوتية تحت الماء من ذلك العام: "لا نسمعهم يغنون. إنهم يبذلون طاقتهم كلها في البحث عن الغذاء، وهذا يُنبئنا بأن تلك السنوات كانت مرهقة للغاية".

أنثى حوت أزرق نافقة جرفتها الأمواج إلى ساحل شمال كاليفورنيا الأميركية (أشوشيتد برس)

نمط عبر المحيطات

تشير الدراسة إلى أن هذا الانخفاض لم يقتصر على شرق المحيط الهادي، ففي خليج جنوب تاراناكي بنيوزيلندا، وجد الباحثون نمطا مشابها بين عامي 2016 و2018، إذ انخفضت نداءات الحوت الأزرق، المرتبطة بالتغذية، خلال سنوات المياه الدافئة، وانخفضت أغاني التزاوج النمطية في الموسم التالي.

وتقول داون بارلو، عالمة البيئة البحرية بجامعة ولاية أوريغون: "عندما يقلّ الغذاء، يقلّ استثمارهم في التكاثر، إنه مؤشر واضح على إجهاد النظام البيئي".

وتصف بارلو الحيتان الزرقاء بأنها "حراس" لصحة المحيط، لأنها تدمج الإشارات من مختلف مناطق التغذية الشاسعة، لذلك تعكس التغيرات في سلوكها تحولات أكبر في البيئة البحرية.

وتزداد موجات الحر البحرية تواترا وطولا وسخونة. وقد تضاعف متوسط ​​مدتها 3 مرات منذ أربعينيات القرن الماضي، إذ أدت بعض الأحداث إلى ارتفاع درجات حرارة المحيطات بما يصل إلى 5 درجات مئوية، وفقا لدراسة نُشرت في أبريل/نيسان الماضي وتمتد هذه الظواهر المتطرفة عبر الشبكة الغذائية بأكملها، من العوالق إلى الحيوانات المفترسة.

ويقول بينوا بيرد إنه "إذا ظلت الحيتان، القادرة على قطع آلاف الكيلومترات، عاجزة عن إيجاد طعام لها، فهذه علامة على اضطراب واسع النطاق".

وفي بعض الحالات، قد تُحدث موجات الحر المتكررة تغييرا دائما في النظم البيئية، وهذا يؤثر على تخزين الكربون ومصائد الأسماك والتنوع البيولوجي.

والمراقبة الصوتية طويلة الأمد قد تساعد صناع القرار على الاستجابة بشكل أسرع للضغوط البيئية، وتنظيم الضوضاء الصناعية، وتحديد الموائل الحرجة للتغذية أو التكاثر قبل أن يتم فقدها.

ويمكن للحيتان الزرقاء أن تعيش 80 عاما أو أكثر، وهذا يعني أن اتجاهات أعدادها بطيئة، ولم يمضِ سوى بضع عشرات من الأجيال منذ انتهاء صيد الحيتان التجاري، ويقول العلماء إنه لا يمكننا الانتظار قرونا قبل اتخاذ أي إجراء.

وتقول بارلو: "العلم واضح: تغير المناخ يُغيّر المحيطات. نشهد ذلك من أصغر العوالق إلى أكبر الحيوانات المفترسة. إن الإنصات إلى هذه النظم البيئية أمر ضروري إذا كنا نأمل في حمايتها".

وتضيف أنه في الوقت الحالي، الرسالة الصادرة عن أكبر مغنّي المحيط بسيطة وملحة، غناؤهم يتراجع وغذاؤهم يتراجع وسواء استجبنا لهذا التحذير أم لا، فإن ذلك قد يُحدد ليس فقط مصير الحوت الأزرق، بل أيضا صحة المحيطات التي نعتمد عليها جميعا.

0 تعليق