4 دلائل على أكذوبة انتصار نتنياهو - زاجل الإخباري

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

في غمرة احتفائه بما يعتقد أنه انتصارات تاريخية، لم يتردد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، باعتبار نفسه في "مهمة تاريخية وروحية"، معلنا أنه متمسك "جدا" برؤية إسرائيل الكبرى، التي تشمل الأراضي الفلسطينية، وربما أيضا مناطق من الأردن، ومصر، بحسب صحيفة تايمز أوف إسرائيل.

وذكرت الصحيفة أن محاوِر قناة i24 الإسرائيلية، شارون غال، الذي كان لفترة وجيزة عضوا يمينيا في الكنيست، أهدى نتنياهو تميمة على شكل "خريطة الأرض الموعودة"، وعندما سئل عن مدى ارتباطه "بهذه الرؤية" لإسرائيل الكبرى، أجاب نتنياهو: "بالتأكيد".

فكرة أو مصطلح "إسرائيل الكبرى" استخدم بعد حرب 1967، أو ما يعرف بـ"النكسة" للإشارة إلى إسرائيل والمناطق التي احتلتها آنذاك والتي تضم القدس الشرقية، والضفة الغربية، وقطاع غزة، وشبه جزيرة سيناء، ومرتفعات الجولان.

تأتي تصريحات نتنياهو لا لتؤكد فقط عقيدته الصهيونية المتطرفة التي تعبر عنها تركيبة وسياسات حكومته بشكل واضح، وإنما أيضا حجم الرهانات الشخصية التي تضخمت حد التورم لدى نتنياهو، لا سيما لما اعتبره إنجازات عسكرية مهمة في غزة، ولبنان، وسوريا، وإيران، وحتى في اليمن، والعراق.

هذه المكاسب العسكرية التي يتباهى نتنياهو بتحقيقها، لا تبدو على المستوى الإستراتيجي كنصر حقيقي، يمكن أن يوفر لإسرائيل ضمانات الأمن وتأمين الوجود. بل قد يتحول بعضها إلى معادلات أشبه بالهزيمة لنتنياهو ولإسرائيل.

أولا: لا يستطيع نتنياهو اليوم إعلان هذا الانتصار الذي يزعم أنه حققه، لأنه بالقياس إلى الأهداف التي أعلنها في بداية الحرب منذ حوالي 22 شهرا، لم يستعد الأسرى كأحد أهدافه المعلنة، ولم ينهِ حركة المقاومة الإسلامية حماس، بل فضلا عن تلقي جيش الاحتلال ضربات موجعة بكمائن نوعية من كتائب عز الدين القسام، التابعة لحماس، يعود نتنياهو في كل مرة للدخول في مفاوضات مع الحركة. بل ونجحت الحركة في فرض نفسها مفاوضا مع الولايات المتحدة الأميركية، ما يبدد فكرة القضاء عليها، مثلما خطط لذلك نتنياهو.

إعلان

والحقيقة أنه ومنذ الأشهر الأولى للحرب على غزة، تواترت التصريحات من قادة جيش الاحتلال الإسرائيلي، ومن رموز المعارضة، ومن العديد من زعماء العالم بمن في ذلك الرئيس الأميركي السابق جو بايدن، بأنه لا يمكن هزيمة حركة حماس، لسبب بسيط لأنها ليست مجرد جماعة مسلحة، وإنما هي فكرة.

ثانيا: لا يستطيع نتنياهو أن يزعم أنه نجح بشكل نهائي، في إسكات جبهات المواجهة الأخرى، التي فتحها على نفسه، بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، سواء مع لبنان، أو اليمن، أو إيران، التي تشير التقديرات إلى أن مشروعها النووي لم يدمَر، وإنما تعرض لأضرار جزئية، قد تجعل سيناريو تسريعه أرجح من سيناريو إنهائه.

ولا تزال المنطقة كلها تنبثق عن أوضاع تنذر بحالة من التوتر والاضطراب، وليس بحالة من الاستقرار لصالح إسرائيل.

كما لا تزال الجبهة الأساسية وهي غزة تلوح كمستنقع يستدرج إليه نتنياهو فيما يشبه "المصيدة الإستراتيجية" بحسب توصيف رئيس أركان جيش الاحتلال إيال زامير، الذي عبر في اجتماعات داخلية عن اعتراضه على فكرة احتلال غزة.

ثالثا: يتوهم نتنياهو أن حجم الدمار والقتل والإبادة الذي ارتكبه في غزة يمثل عنوان انتصاره، ونجاحه، بينما يرى العالم اليوم حجم الدمار غير المسبوق في قطاع غزة باعتباره جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

وهي جرائم حولت إسرائيل إلى كيان بغيض ومنبوذ، يعاني من عزلة، ويفقد دائرة أصدقائه وداعميه تباعا. وتمثل التحولات المعتبرة في مواقف القادة الغربيين باستثناء الولايات المتحدة الأميركية، حجم الضرر الدبلوماسي والسياسي الذي لحق بإسرائيل بسبب ما يرتكبه نتنياهو من إبادة في غزة.

فالرأي العام العالمي يتظاهر بعشرات الملايين أسبوعيا تضامنا مع غزة ورفضا للجرائم المروعة ضد الأطفال والنساء والنازحين. وقد رُفع العلم الفلسطيني في أنحاء العالم خلال العامين الماضيين، كما لم يرفع أي علم بلد في التاريخ.

وتحولت القضية الفلسطينية إلى قلب الاهتمام الدولي، شعبيا ورسميا. وتمثل خطوة العديد من دول العالم الاعتراف بالدولة الفلسطينية أو إعلان نية الاعتراف، تحولا نوعيا في المواقف الدولية في العلاقة بالقضية الفلسطينية.

وتزداد أهمية هذه التحولات عندما تعلن دول من الوزن الثقيل وأعضاء دائمون في مجلس الأمن الدولي، على غرار فرنسا وبريطانيا، نية الاعتراف بالدولة الفلسطينية.

وهو زخم بقدر ما أعاد الاعتبار للقضية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني، بقدر ما أربك القادة الإسرائيليين بشكل لافت، جعلهم يهاجمون تلك الدول ويعتبرونها تصطف إلى جانب حركة حماس.

وفضلا عن كل هذه العزلة الدبلوماسية، يواجه قادة إسرائيل اليوم ملاحقة من القضاء الدولي في مختلف أنحاء العالم، لا سيما محكمة العدل الدولية، والمحكمة الجنائية الدولية.

رابعا: اعتبر خبراء أميركيون وغربيون أن نتنياهو بعناده وتماديه في الحرب على غزة، بل ومغامراته العسكرية على الجبهات الأخرى، إنما يورط إدارة ترامب في مستنقع مواجهات عسكرية وحروب هو لا يريدها.

وفي الوقت الذي يكافح ترامب من أجل نحت صورة له كرجل سلام وضد الحروب، واضعا نصب عينيه هدف نيل جائزة نوبل للسلام، يعمل نتنياهو عكس هذا الهدف تماما، من خلال جر ترامب لمستنقع الحرب مع إيران، بل وجر الولايات المتحدة للتورط في المنطقة وإشعال فتيل عدم الاستقرار فيها. وإذ يفعل نتنياهو ذلك يشتت تركيز واشنطن باتجاه الصين عدوا إستراتيجيا، وروسيا خطرا إستراتيجيا.

إعلان

ولقد ارتفعت أصوات عديدة في الولايات المتحدة الأميركية تحذر ترامب، وتدعوه لعدم الانجرار وراء ألاعيب نتنياهو وعناده، وضرورة النأي بنفسه عن سياسات إسرائيلية باتت اليوم قرينة الإبادة وجرائم الحرب والتجويع والتهجير.

خامسا: بدد نتنياهو ما كان يمكن أن يعتبر مكاسب عسكرية، عندما فشل في استثمارها سياسيا، مصرا بدل ذلك على التمادي في حرب تحصد أرواح الأبرياء من المدنيين، وتخلف دمارا واسعا، لا يبدو الهدف منه واضحا ولا ممكنا.

وبدا الانتشاء بتلك المكاسب العسكرية فخا ورط القادة الإسرائيليين لا سيما نتنياهو وفريق حكومته في تصريحات خطيرة، تقوض أي فرص للبناء على تلك المكاسب العسكرية والاستثمار فيها سياسيا. فقد تورط قادة إسرائيليون انتشاء بتلك المكاسب في التنظير للإبادة والتهجير القسري، واستعمال النووي ضد أهل غزة.

كما تفاخر نتنياهو بالحديث دون اعتبار لدول المنطقة، عن هدف إسرائيل في إعادة تشكيل المنطقة، وهندسة الشرق الأوسط. ومضى في أكثر من مرة إلى حد استدعاء وهْم "إسرائيل الكبرى" التي تشمل أجزاء من دول عربية كثيرة، بعضها مطبِع مع تل أبيب.

وقد أثار هذا الموقف الإسرائيلي حفيظة وغضب دول المنطقة، ووضع حظوظ إسرائيل في إقامة علاقات طبيعية مع هذه الدول محل شك وتساؤل.
بيد أن الغرور الإسرائيلي لا يزال يتمادى، حتى إنه نقل عن نتنياهو في أحد اجتماعات حكومته قوله إن دولا عربية ستطبع مع إسرائيل دون الحاجة لأن توقف إسرائيل حربها.

سادسا: ثمة وهم يسكن عقول وأطماع القيادة الإسرائيلية المتطرفة اليوم، سيساهم مساهمة كبيرة في تعميق أزمتها، وتبديد ما حققته مما يبدو مكاسب عسكرية وأمنية، وهي فكرة الهيمنة على المنطقة وإعادة تشكيلها على مزاجها.

فالتفوق العسكري الذي تعمل الولايات المتحدة الأميركية بالتعاون مع دول غربية على تأمينه لإسرائيل، باتت القيادات الإسرائيلية الأخيرة تقرؤه بشكل خاطئ، وتفهمه باعتباره فرصة للهيمنة على المنطقة وصاحبة القول الفصل فيها وعليها.

وبرزت هذه النزعة في التصريحات الكثيرة التي تصدر عن نتنياهو وشخصيات إسرائيلية أخرى بما يفيد هذا الموقف. فسمعنا كثيرا من القيادات الإسرائيلية كلاما عن: إعادة تشكيل المنطقة، الاتفاقيات الأبراهامية، إسرائيل الكبرى.

وصاحب هذه المواقف والتصريحات عدوانية إسرائيلية جامحة، تستبيح دول المنطقة بهجمات عسكرية، في فلسطين، ولبنان، والعراق، وإيران، وسوريا، وشبكات تجسس نشطة.
وإذ يندفع الإسرائيليون بهذا الجموح الهيمني، منتشين بالحملات العسكرية التي يستهدفون بها دول المنطقة، بما في ذلك إيران، يتناسون حقائق صلبة لا يمكن القفز عليها ولا تجاهلها في التاريخ والديمغرافيا والجغرافيا والسياسة والإستراتيجية.

فحلم التحول إلى القوة المهيمنة إقليميا، لا تكفي فيه المكاسب العسكرية الإسرائيلية المرفوعة والمدعومة بالكامل من الولايات المتحدة الأميركية، وإنما يقتضي شروطا أخرى أهم، لا يبدو أن إسرائيل في وارد توفيرها، لا حاضرا ولا مستقبلا.

فإسرائيل التي لا يزيد عدد سكانها عن 10 ملايين نسمة، منهم 25% من العرب، لا يمكنها أن تجعل من نفسها القوة المهيمنة في منطقة تعد حوالي 450 مليون عربي، و90 مليون إيراني، وحوالي 90 مليون تركي، مع مساحة جغرافية تزيد عن 15 مليون كيلومتر مربع، بينما لا تزيد المساحة المحتلة التي تقع عليها إسرائيل عن 23 ألف كيلومتر مربع.

ولا تبدو إسرائيل تملك من مقومات قوة إقليمية مهيمنة، وهي بطبعها، باعتبارها قوة احتلالية، تواجه إعاقة حتى في طبيعتها، وعدم قابلية اندماجها في المنطقة، وعدم قبول مكونات المنطقة بالتسليم لها كقوة إقليمية مهيمنة، كل ذلك يبدد التطلعات الإسرائيلية بالهيمنة على المنطقة، ويجعل منها مجرد أوهام.

إعلان

ففضلا عن المزاج الشعبي العام في المنطقة الرافض، بل والمعادي بشدة لإسرائيل، لا تبدو الأخيرة قادرة على القضاء أو إخضاع من تعتقد أنهم يقفون في وجهها لتنفيذ مخططها، فلا تركيا الناهضة، ولا إيران العنيدة، ولا مصر الباحثة عن نفسها، ولا سوريا القادمة من بعيد، ستقبل بمشهد إقليمي، تشكله إسرائيل، وتتحكم فيه، وتهيمن من خلاله على المنطقة.

بل ستواجه إسرائيل رغم ما تبديه من علو كعبها اليوم، تحديات داخلية وإقليمية ودولية كبيرة، لن تدفعها فقط إلى الانكفاء والانحسار، وإنما ستجدد السؤال الذي يؤرقها ويلاحقها منذ القيام إلى اليوم، وهو سؤال الوجود نفسه.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

0 تعليق