لماذا منعت أميركا الرئيس الفلسطيني وفريقه من دخول نيويورك؟ - زاجل الإخباري

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

في المضمون، استند القرار الأميركي لمنع الرئيس الفلسطيني وفريقه، من دخول الولايات المتحدة، إلى جملة من الأسباب، أو قل الذرائع: التحريض على الإرهاب والتردد في مقاومته، نشر ثقافة الكراهية، ملاحقة إسرائيل جنائيا، وحث دول العالم على الاعتراف من جانب واحد، بدولة فلسطينية.

واشنطن لم تكتفِ بعدم منح الفريق الرئاسي الفلسطيني تأشيرات دخول، بل عمدت إلى إلغاء الصالح منها، لتنتهي إلى تعميم القرار على الشعب الفلسطيني بأسره، مع استثناءات قليلة للغاية.

في الشكل، القرار الأميركي يُعد إهانة للسلطة والرئاسة واستخفافا بهما، نهجا ورهانات، مثلما يعتبر ضربة جديدة للشعب الفلسطيني برمته. والأخطر، أنه جاء بمثابة صفعةٍ للمنتظم الدولي، وانتهاكٍ لاتفاقية المقر، ولكل الأعراف والتقاليد الدبلوماسية.

في السياق، القرار جاء في ذروة حرب الإبادة على غزة، وانفلات غول الضم والتهويد والاستيطان في الضفة الغربية، من عقاله، وسط مباركة أميركية، تتخطى الضوء الأخضر، إلى الشراكة في دعم وإسناد وحماية التوحش الإسرائيلي. وليغذي الشهية العدوانية التوسعية لحكومة اليمين الفاشي، ويحفزها على المضي قدما في مقارفة مختلف صنوف جرائم الحرب.

في التوقيت المباشر، القرار جاء بعد ثلاثة اجتماعات هامة، الأول، في البيت الأبيض، وبمشاركة توني بلير وجاريد كوشنر إلى جانب الفريق الأميركي برئاسة ترامب، للبحث في مستقبل غزة و"اليوم التالي". وحين تذكر أسماء كهذه، يتعين على الفلسطينيين دوما، "تحسس مسدساتهم". فالأول عمل طوال فترة ولايته في الضفة الغربية ممثلا للرباعية الدولية (2007 – 2015) على هندسة "الإنسان الفلسطيني الجديد"، الذي يرى في المقاومة عدوا وفي إسرائيل حليفا أو مشروع حليف على أقل تقدير.

والثاني، الذي ارتبطت باسمه، أسوأ صفقة تعرضها إدارة أميركية لحل القضية الفلسطينية: صفقة القرن، والتي تضمنت فيما تضمنت، الاعتراف بالقدس الموحدة، عاصمة "أبدية" لإسرائيل، ونقل السفارة الأميركية من تل أبيب إليها، و"منح" إسرائيل 30٪ من أراضي الضفة، في منطقة الغور ومحيط القدس أساسا، وإسقاط ملف اللاجئين. قديما قيل، المكتوب يُقرأ من عنوانه، وعنوان الإستراتيجية الأميركية الجديدة لفلسطين، يتصدره هذان الاسمان.

إعلان

الاجتماعان، الثاني والثالث، في مقر الحكومة الإسرائيلية، الأول بحث في إنشاء "إمارة الخليل" بتجريدها من أي وجود للسلطة ونقلها لرموز عشائرية ومحلية مرتبطة بالإدارة المدنية الاحتلالية. والثاني، شرع في رسم خرائط الضم القادم للضفة أو لأجزاء واسعة منها، البحث لم يكتمل بقرارات قطعية، لكنه جارٍ على قدم وساق.

نظرة للذرائع الأميركية

في نظرة تحليلية للائحة "الأسباب/الذرائع الموجبة" للقرار الأميركي، يمكننا الاستنتاج أن الأمر لا يتعلق بما تقوم به السلطة، بل بما لا تقوم به، على نحو فعّال وناجز. القول مثلا، إنها تدعم الإرهاب، وإنها لم تدن هجمات السابع من أكتوبر/تشرين الأول، متهافت تماما.

فالسلطة التي ترددت في البدء أن تعلي صوت النقد والإدانة للمقاومة وحماس، عادت في سياق حرب السنتين، وعبر سلسلة من قادتها والناطقين باسمها، للتنديد بالطوفان ومن قام بإطلاقه. "شيطنة" حماس وإحراجها؛ سعيا لإخراجها من مسرح السياسة والإدارة والجغرافيا الفلسطينية، مسار لا يتوقف.

السلطة لم تكتفِ بإدانة حماس، بل قاتلتها في جنين وطولكرم وعموم الضفة الغربية. السلطة بقراراتها الأخيرة، لم تُخفِ نيتها في إخراج حماس من المنظومة السياسية الفلسطينية، فمن يشترطُ التزام الفصائل بأوسلو والتزاماته ومندرجاته، يريد غلق باب المشاركة في وجه حماس وفصائل المقاومة. دور السلطة في الحرب على حماس، أكثر مضاءً من غيره من الأدوار، كونه يصدر عن جهة فلسطينية أدرى بشعاب المشهد الداخلي بتفاصيله وتلافيفه.

واشنطن تريد للسلطة أن تلعب دورا، لا أقل من دور فصيلة متقدمة لجيش الاحتلال في اقتلاع كل نفس مقاوم للاحتلال، والانقلاب على تاريخ الشعب الفلسطيني ومستقبله. هنا، وهنا بالذات، تندرج الضغوط لشيطنة أيقونات الشعب الفلسطيني من شهداء وأسرى.

وفي هذا الملف، بالذات، "لم تقصر السلطة" في الاستجابة للضغوط، إذ أحالت هؤلاء وعائلاتهم، إلى "الشؤون الاجتماعية" بوصفهم "طالبي معونة وطنية"، وليس بوصفهم طلائع متقدمة لحركة التحرر الوطني الفلسطيني.

شهية واشنطن لانتزاع المزيد من التنازلات من السلطة والمنظمة، كشهية إسرائيل، "نقول لها هل امتلأت فتقول هل من مزيد". مثل هذه المقاربة، تحيل حياة السلطة وقيادتها، إلى جحيم لا يطاق، فهي تكتشف اليوم، أن لا قعر مرئيا لخط النهاية في لعبة تقديم التنازلات والمزيد منها، على "مذبح الدولة" وقربان "حل الدولتين"، وهم كما كل أعمى وبصير، يرى رأي العين، أن لا دولة في الأفق، وأن سرابها يزداد ابتعادا كلما ظن القوم، أنها باتت على مرمى حجر.

في تحليل مغزى ومضامين القرار، نتوقف عند ما هو أكثر خطورة مما ذهبنا إليه. واشنطن، لا تريد للسلطة أن تكون شريكا في محاربة المقاومة واستئصالها فحسب، بل تريد أن تنزع من يدها ورقة "المقاومة الشعبية السلمية" التي طالما تغنى بأهميتها أركان السلطة، فالأمر هنا يندرج في سياق التحريض على الكراهية.

وإسرائيل لا تريد للسلطة أن تكون محركا لـ"تسونامي" الاعترافات الدولية بفلسطين – وهي ليست كذلك على أية حال– بل تريدها "سدّا" منيعا في وجه هذا السيل من الاعترافات. والولايات المتحدة، لا تريد للسلطة أن تلاحق إسرائيل جنائيا وقضائيا أمام المحاكم الدولية، وهي لم تفعل الكثير على هذا المضمار، منذ "توصية الجدار" و"تقرير جولدستون"، بل تريدها "حاجبا" يقف أمام المحكمة الجنائية الدولية، يمنع المتقدمين إليها بدعاوى ضد مجرمي الحرب من قادة إسرائيل.

إعلان

خلاصة التحليل للقرار الأميركي، واشنطن الوالجة في حرب إبادة ضد المقاومة وشعبها، تمارس تكتيك "أقصى الضغوط" على السلطة، لتجريدها من ورقة "الكفاح السلمي"، غير المفعّلة أصلا، وتريد نزع سلاح الدبلوماسية والقانون الدولي من يدها. فما الذي تبقى ويمكن فعله، في وجه عدو بلغ أوج توحشه وفاشيته، في غزة كما في الضفة، وصولا لبقاع وساحات عربية أبعد؟

الصورة الكبرى

لا يمكن فهم القرار الأميركي بمعزل عن "الصورة الكبرى" لمشتركات الموقفين الأميركي الإسرائيلي. لا مطرح في قاموس الحليفتين الإستراتيجيتين لدولة فلسطينية قابلة للحياة، دع عنك سيّدة ومستقلة. لا مطرح لـ"حل الدولتين"، وترامب لم يأتِ على ذكر هذا الأمر، ولو من باب "زلة لسان". المطلوب تدمير كل فرصة لقيام الدولة، والقضاء على كل "رمز" يشي باحتمال قيامها، وإن بعد حين.

توازيا مع حرب الإبادة في غزة ضد المقاومة وشعبها، تنظر واشنطن بعين إسرائيلية إلى السلطة، التي على هزالها وهشاشتها، ما زالت ترمز لفرصة قيام دولة، أي دولة. هذا ناقوس خطر يقرع بقوة في غرف القرار في تل أبيب، ويتردد صداه في واشنطن، والمطلوب الإجهاز على هذه "الرمزية"، تماما مثلما جاء في النقاشات الإسرائيلية حول "إمارة الخليل"، وانسجاما مع تهديدات قادة اليمين الأكثر تطرفا، بضم الضفة، وتهجير سكانها، وحشر من سيتبقى منهم في "سبع إمارات/ مدن" فلسطينية، غير متحدة.

وإن كان ثمة من فرصة لبقاء السلطة في رام الله، فهي أن ترتضي، وترتضي قيادتها، بأن تكون واحدة من هذه الإمارات السبع، لا أكثر ولا أقل، وربما إلى حين.

لا يمكن فهم القرار الأميركي، الإسرائيلي في منشئه، بمعزل عن هجمة الاستيطان الزاحف في القدس والخان الأحمر وغور الأردن، ومنطقة "E1″، وعمليات هدم وإزالة مخيمات الشمال، ومشروع إمارة الخليل، والسطو على أموال المقاصة (10 مليارات شيكل)، والحبل على الجرار.

لا يمكن فهم هذا القرار، بمعزل عن التصريحات الأميركية التي تترك لإسرائيل حرية التصرف، إنْ في غزة وحرب الإبادة، أو في الضفة، ومشاريع الضم، والتهويد، والتهجير.

مأزق السلطة وخياراتها

في غمرة انشغالها بعزل المقاومة و"شيطنة" حماس، جاء القرار الأميركي ليلقي بالسلطة في أتون مأزق عميق. لقد أمل قادتها بـ "وراثة" مكتسبات الطوفان وصمود غزة وتضحياتها. عرضوا أنفسهم بديلا لحماس، وليس شريكا في مشروع وطني أكبر وأوسع.

وانتقلوا لفرط سذاجتهم، من الضغط لإحراج حماس وإخراجها من غزة، إلى تقطيع كل السبل التي يمكن أن توصلها إلى منظمة التحرير. خرج ناطقون باسمها يعرضون بسذاجة مشبوهة، حلا سحريا لاستعصاء "اليوم التالي": على حماس أن تسلم سلاحها للسلطة وأن تقبل بـ"سلطة واحدة، شرعية واحدة، سلاح واحد". ولم يصغوا كفاية إلى تأكيدات نتنياهو وفريقه من اليمين المأفون الرافضة لحماس وعباس، حماسستان وفتحستان.

لم يتأملوا كثيرا في "صمت إدارة ترامب" المريب عن الإدلاء بأي تصريح عن "دولة " أو "حل الدولتين"، أو ملاحظة أي دور للسلطة في اليوم التالي للحرب على غزة.

ظنوا أن خماسية عربية أو ترويكا أوروبية، كفيلة بتعويمهم، إلى أن صدموا (إن صدموا)، بأن الموقف العربي لم يتخطَّ حدود "الأسف" للقرار الأميركي، وأن أوروبا كعادتها، تصمت وتقلق، وأحيانا تدين (ليس بأشد العبارات كما هي العادة التي درج عليها بعض العرب مؤخرا) المواقف والقرارات الأميركية والإسرائيلية.

ستحاول السلطة أن تحشد تأييدا عربيا ودوليا لثني الولايات المتحدة عن قرارها، وربما تفكر في تكرار سيناريو 1988 عندما نجح ياسر عرفات في نقل الجمعية العامة من نيويورك إلى جنيف، لتخطي حاجز "التأشيرة الأميركية"، وربما الاكتفاء بقيام "من حضر" من دبلوماسييها في نيويورك بتمثيلها في المؤتمر المنتظر لحل الدولتين.

إعلان

هذه هي الخيارات المتاحة لسلطة وضعت نفسها في "صندوق أوسلو والتزاماته"، وجميعها لا ترقى إلى مستوى التحدي ولا تشكل استجابة لمهام المرحلة المقبلة.

في مراحل سابقة من عمر المنظمة والسلطة، كانت "الدولة" هي المقابل الفلسطيني للتنازلات المطلوبة أميركيا وإسرائيليا. اليوم، تقلص هذا المقابل، وصارت "التأشيرة" هي الثمن الذي ستتحصل عليه السلطة، إن هي قبلت بـ"دفتر الشروط الأميركية".. أي ذُلٍ هذا، وأي قعر بلغه هذا المسار؟!

لست من "هواة" الدعوات الفارغة للحوار والمصالحة والإصلاح واستعادة الوحدة، فقد أغلق "القوم" السبل بإحكام في طريق هذه الأهداف الرومانسية (سمها النبيلة إن شئت). أحسب أن الاستقالة على "الطريقة الهولندية" هي أولى خطوات المراجعة والإنقاذ.. استقالة الرئيس وفريقه، وتسليم السلطة والمنظمة لقيادة جماعية مؤقتة "يمكن أن تكون الإطار القيادي الموحد لمنظمة التحرير".

على أن يصار إلى التداعي لعقد ورشة عمل وطنية فلسطينية تحت عنوان "ما العمل؟" بعد أكثر من طوفان: طوفان المقاومة، طوفان الإبادة والتطهير والتهجير، طوفان الاستيطان، طوفان صفقة القرن الجديدة، التي تبني على القديمة وتتوسع في أعطياتها لإسرائيل.

هذه نقطة البدء، التي تعكس قدرا من الاعتراف بالفشل المتمادي والمتراكم، ومن دونها، سنعود إلى الدوامة ذاتها: مزيد من التنازلات، مزيد من سياحة المؤتمرات، مزيد من فعل الشيء ذاتها، سلوك الطريق نفسه، وانتظار الوصول إلى وجهة أخرى.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

0 تعليق