محمد عبد الله
Published On 5/9/20255/9/2025
|آخر تحديث: 10:47 (توقيت مكة)آخر تحديث: 10:47 (توقيت مكة)
شهد المصريون في صيف هذا العام موجات قاسية من الحرارة استمرت لأيام، بدرجات حرارة غير مسبوقة، مدفوعة بظواهر التغير المناخي والاحتباس الحراري العالمي، وهو ما انعكس على تفاصيل حياتهم اليومية، وعلى استغلال الموارد المتاحة.
وتتعدد تأثيرات هذه الموجة الحارة لتشمل الصحة العامة، حيث تزيد من مخاطر الإصابة بالأمراض المرتبطة بالحرارة، كما أثرت الموجة على ارتفاع استهلاك الكهرباء والوقود وزيادة الفواتير، وتراجع إنتاجية بعض المحاصيل الزراعية.
اقرأ أيضا
list of 2 items end of listورغم تحذيرات الخبراء من استمرار هذه الموجات الحارة مستقبلا، فإن التداعيات الاقتصادية والبيئية والاجتماعية باتت ملموسة بالفعل، تضع الحكومة والمواطنين أمام تحديات جديدة في إدارة موارد الطاقة والغذاء.
وحسب وزارة البيئة، تُعد التغيرات المناخية أزمة عالمية تخطّت حدود الدول، وقد ارتفع متوسط درجات الحرارة على سطح الأرض لتشكل خطورة على العالم أجمع، مشيرة إلى تداعيات خطيرة في ظل هذا الارتفاع المستمر في المتوسط العالمي لدرجة الحرارة مثل:
ارتفاع مستوى سطح البحر. التأثير السلبي على الموارد المائية. تراجع إنتاج المحاصيل. انتشار بعض الأمراض الزراعية وغيرها.وبحسب معهد بحوث البيئة وتغير المناخ (ECRI) التابع لوزارة الموارد المائية والري، يؤثر تغير المناخ مباشرة على موارد مصر المائية المحدودة، بما في ذلك نهر النيل والمياه الجوفية، حيث زادت معدلات التبخر نتيجة ارتفاع درجات الحرارة، وتراجعت الأمطار، ما أسهم في تفاقم ندرة المياه.

نقطة اللاعودة
وقال الدكتور شاكر أبو المعاطي، أستاذ المناخ بمركز البحوث الزراعية، إن التغير المناخي ظاهرة عالمية تؤثر على قطاعات حيوية مثل الزراعة والبيئة والصحة، إلا أن الزراعة هي الأكثر هشاشة لتعرضها المستمر لموجات حرارة وبرودة قاسية، إضافة إلى العواصف والأتربة، مما يؤدي إلى تلف المحاصيل وتراجع الإنتاج وارتفاع الأسعار وتراجع جودة الغذاء.
إعلان
وأضاف في تصريحاته لـ"الجزيرة نت" أن ارتفاع درجات الحرارة يضاعف استهلاك المياه نتيجة زيادة معدلات التبخر، وعطش الإنسان، والنتح في النباتات، وهو ما يفاقم الضغوط على الموارد المائية المحدودة لمصر البالغة نحو 55 مليار متر مكعب سنويًا، ويزيد من فاتورة الاستهلاك، ليصبح من أخطر تبعات موجات الحر.
وأشار أبو المعاطي إلى أن الحكومة المصرية تبذل جهودا من خلال رفع الوعي وتطوير الخطط لمواجهة آثار التغير المناخي، غير أن هذه الجهود تظل بحاجة إلى دعم عالمي أكبر، خصوصًا من الدول الكبرى المصدرة للانبعاثات، حتى تتمكن الدول المتأثرة مثل مصر من التكيف مع الأضرار والحد من تبعاتها.
ولفت إلى أن ما ميّز صيف هذا العام هو أنه لم يكن شديد الحرارة بشكل مستمر، بل تخللته موجات حارة للغاية، متوقعًا أن تشهد العقود المقبلة مزيدا من الارتفاع في درجات الحرارة ما لم تُتخذ إجراءات حاسمة على المستويين المحلي والعالمي، محذرًا من أن الاستمرار على هذا النهج قد يدفع نحو "نقطة اللاعودة".
ولم تكن تهديدات التغير المناخي بعيدة عن الحكومة المصرية، إذ أطلقت الإستراتيجية الوطنية للتغير المناخي التي تقوم على مسارين رئيسيين وعدة أهداف من بينها:
تحقيق التنمية المستدامة منخفضة الانبعاثات التوسع في مصادر الطاقة المتجددة مثل الشمس والرياح وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري. رفع كفاءة استهلاك الطاقة في مختلف القطاعات. تشجيع أنماط إنتاج واستهلاك تحدّ من انبعاثات الغازات الدفيئة. بناء القدرة على التكيف والمرونة. الحد من الآثار الصحية والخسائر الناتجة عن التغير المناخي. الحفاظ على المساحات الخضراء والتوسع فيها. تطوير خدمات قادرة على مواجهة الموجات الحارة.إلا أن البلاد تواجه حسب الخبراء مجموعة من التحديات المعقدة التي تهدد أهدافها وجهودها لمواجهة التغيرات المناخية، يمكن تلخيصها في النقاط التالية:
أزمة نقص المياه بفعل سد النهضة وتغير المناخ تهدد الأمن المائي والغذائي. موجات حر وارتفاع البحر والسيول والعواصف تؤثر على البنية التحتية والمدن الساحلية. النمو السكاني والعمران العشوائي يزيدان الضغط على الموارد الطبيعية. الفقر وصعوبة التمويل وعدم إشراك المرأة تعرقل مشاريع التكيف.
استهلاك متزايد
يقول الدكتور علي قطب، أستاذ المناخ بجامعة الزقازيق ونائب رئيس هيئة الأرصاد الجوية سابقا، إن المناخ يرتبط ارتباطا مباشرا بحياة الإنسان حاضرا ومستقبلا، سواء من الناحية الصحية أو الغذائية أو من حيث النشاط اليومي.
وأوضح في حديثه لـ"الجزيرة نت" أن هذا الارتباط ينعكس على أنماط الاستهلاك، مثل المياه والكهرباء، إذ تؤدي الموجات الحارة أو الباردة المتتالية إلى تغييرات في سلوك الأفراد ومحاولاتهم للتكيف مع الظروف، سواء عبر زيادة الاستهلاك أو عبر وسائل التكيف كاللجوء إلى التشجير أو تعديل أساليب المعيشة.
وأضاف أن التغير المناخي يُشعر به على مدى زمني طويل، حيث ترتفع درجات الحرارة تدريجيا بمعدل يتراوح بين درجة إلى درجة ونصف كل 150 عاما.
إعلان
وشدّد قطب على أن ما يلفت الانتباه هو الظواهر المناخية المتطرفة الناتجة عنه، مثل تكرار موجات الحر أو البرودة الشديدة، والتي تؤدي إلى استهلاك أكبر للوقود والكهرباء والمياه.
وتطرق إلى زيادة المسطحات الخضراء وتشجير المدن كأحد أبرز الحلول لمواجهة تداعيات التغير المناخي، حيث تسهم النباتات في خفض درجات الحرارة وخلق تيارات هوائية باردة في المناطق المحيطة، كما تسهم في زيادة نسبة الأكسجين وتقليل ثاني أكسيد الكربون الممتص للحرارة.
غير أن المساحات الخضراء الحالية – بحسبه- لا تزال غير كافية، والاستثمار في الطاقة الخضراء يحتاج إلى موارد مالية ضخمة لكنه يظل استثمارا يخدم المناخ والبيئة على الأمد الطويل.

حلول بديلة
وفي تقرير له، دعا مركز "حلول للسياسات البديلة" التابع للجامعة الأميركية بالقاهرة إلى خطة عاجلة لتوسيع المساحات الخضراء في القاهرة والمدن الكبرى لمواجهة آثار تغير المناخ، مشيرا إلى أن موجات الحر الأخيرة كشفت هشاشة البيئة العمرانية.
وتوقع التقرير أن ترتفع الحرارة في مصر بمقدار 3 درجات مئوية بحلول عام 2050، بعد أن زادت بمعدل 0.53 درجة لكل عقد خلال الـ30 عامًا الماضية.
كما شدد على أهمية توسيع الغطاء الشجري في المناطق المزدحمة، مشيرا إلى أن رفع نسبته إلى 50% يمكن أن يسهم في خفض الحرارة نصف درجة مئوية.
وقد أدت موجة الحرارة إلى ارتفاع واردات مصر من الغاز المسال في الأشهر الـ7 الأولى من 2025 إلى 3.41 ملايين طن، متجاوزة إجمالي واردات 2024 البالغة 2.8 مليون طن، وذلك نتيجة زيادة استهلاك الكهرباء بفعل موجات الحر.
ووفق الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، قفزت واردات المنتجات البترولية إلى 10.5 مليارات دولار في 2024 مقابل 7.5 مليارات دولار في 2023.
0 تعليق