الذكاء الاصطناعي يعيد "صوت بابل" بعد ألف عام من الصمت - زاجل الإخباري

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

حازم بدر

Published On 5/9/20255/9/2025

|

آخر تحديث: 15:18 (توقيت مكة)آخر تحديث: 15:18 (توقيت مكة)

قبل نحو ألف عام، كان صدى نشيد بابلي يتردد في أروقة المعابد والمدارس، يردده أيضا الأطفال وتتغنى به المدينة في طقوسها وأعيادها، لكن هذا الصوت خفت تدريجيا، واندثر مع انهيار الحضارة واندثار الكتابة المسمارية، حتى ظنه الجميع قد سكن إلى الأبد في طين الألواح المكسورة.

واليوم بعد أكثر من ألف عام من الصمت، نجح باحثون في استدعاء صوت بابل من رحم النسيان، لا على يد كاهن أو شاعر، بل عبر خوارزميات الذكاء الاصطناعي، التي نسجت من الشظايا المبعثرة نشيدا كاملا، أعاد للحضارة صوتها المفقود.

قاد هذا الإنجاز -الذي أُعلن عنه مؤخرا بموقع جامعة لودفيغ ماكسيميليان الألمانية- فريق بحثي بقيادة البروفيسور إنريكي خيمينيز، بالتعاون مع جامعة بغداد، وساعدهم على تحقيقه منصة إلكترونية مدعومة بالذكاء الاصطناعي تسمى "المكتبة البابلية الإلكترونية".

اللوح المسماري الذي يحمل النشيد بعد تجميعه بالذكاء الاصطناعي (جامعة لودفيغ ماكسيميليان)

البداية من الألواح المبعثرة

بدأت قصة هذا الإنجاز مع ألواح طينية مبعثرة، معظمها مكسور أو ناقص، توجد بين مقتيات أكثر من متحف حول العالم، وكان النشيد مكتوبا بالخط المسماري عليها، وتقليديا يحتاج العلماء إلى سنوات طويلة لتحليل هذه الأجزاء ومطابقتها يدويا، وهي عملية أشبه بتجميع آلاف القطع من لعبة بازل دون وجود صورة مرجعية.

ولأن تنفيذ هذه العملية اليدوية يبدو أقرب إلى الاستحالة، جاء الدور الذي لعبه الذكاء الاصطناعي، فبفضل منصة رقمية طورها فريق خيمينيز، تُدعى "المكتبة البابلية الإلكترونية"، تم تدريب خوارزميات الذكاء الاصطناعي على قراءة آلاف الأجزاء المسمارية المرقمنة من متاحف ومكتبات حول العالم، ثم تحليل الأنماط اللغوية والتراكيب المتكررة في النصوص، وأخيرا تحديد الألواح التي تنتمي للعمل الأدبي نفسه حتى لو لم يكن هناك دليل واضح بشري.

إعلان

وبفضل هذه التقنية، استطاع الذكاء الاصطناعي ربط 30 نسخة مختلفة من النشيد المفقود، مما مكن العلماء من استعادة النص كاملا تقريبا، وهو إنجاز إن كان قد كتب له النجاح بشكل يدوي، كان سيستغرق عقودا كاملة من العمل.

فوائد تتجاوز القيمة التاريخية

والنشيد المكتشف هو قصيدة مديح رائعة لمدينة بابل، تصف عظمة معبد مردوخ (إيساجيل)، وكيف يأتي الربيع إلى المدينة بفضل نهر الفرات، وجمال النساء البابليات ودورهن الكهنوتي، وأخلاقيات المجتمع البابلي، ومنها احترام الأجانب.

هذه التفاصيل التي كشف عنها النشيد لم تكن معروفة في نصوص سابقة، وهي تفتح نافذة جديدة على الحياة الاجتماعية والدينية في مدينة بابل القديمة، والتي تقع أطلالها على بُعد حوالي 85 كيلومترا جنوب العاصمة العراقية بغداد، وهي مُدرجة على قائمة اليونسكو للتراث العالمي.

ويقول الباحثون إن "ما يجعل هذا الاكتشاف فريدا ليس فقط قيمته التاريخية، بل الطريقة التي تم بها، فهو نموذج رائع على كيفية توظيف الذكاء الاصطناعي بما يساهم في حفظ التراث الإنساني ومساعدة المؤرخين في حل ألغاز عمرها آلاف السنين".

0 تعليق