قصة محاولتي انقلاب ضد السادات بسبب إسرائيل - زاجل الإخباري

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

تستمد إسرائيل بقاءها، وتغذيه، بأنهار من الدماء. وتحلم بالوصول إلى نهر النيل، أو توصيل مياهه إليها. وافق أنور السادات على الفكرة التي رفضتها الدولة العميقة، فذهب العدو إلى الجنوب للتحالف الدفاعي مع إثيوبيا.

وإذا كانت المياه ثروة اقتصادية حيوية لا تقل عن مصادر الطاقة والمعادن النفيسة، فإن موافقة السادات على توصيل مياه النيل إلى إسرائيل تستحق التوقف، وما يستحق الاعتبار أيضا محاولتان للانقلاب على السادات، كان يمكن لإحداهما أن تأتي بالفريق سعد الدين الشاذلي من منفاه بالجزائر ليحكم البلاد.

مصدر مصري وثق تساهل السادات، فاستدعت الذاكرة المقولة الراسخة عن الذي لا يملك، لكنه أعطى وعدا لمن لا يستحق. وكان لا بد من مصدر أجنبي، تمثل في كتاب "حروب المياه.. الصراعات القادمة في الشرق الأوسط"، الذي نشرت ترجمته وزارة الثقافة. ويتضمن تفاصيل محاولتي انقلاب.

في حياة رئيس الوزراء السابق مصطفى خليل، نشر محمد حسنين هيكل ثلاثية المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل (2006). وفي نهاية الكتاب الثاني، تناول تعثر مفاوضات "السلام" عام 1979، بين مصطفى خليل ورئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن في الإسكندرية، فذهب إلى السادات، يشكو تعنت الوفد الإسرائيلي، فطمأنه السادات في حضور وزير الدولة للشؤون الخارجية بطرس غالي: "اطمن يا مصطفى، الحل في جيبي".

لم يفصح عن الحل. ثم تعثرت المفاوضات، وتكررت شكوى رئيس الوزراء وإجابة السادات الذي قهقه، وقدم إيضاحا ملغزا بأن الإسرائيليين يعرفون ماذا يستطيع أن يعطيهم، "وفي الوقت المناسب سوف أقول لكم".

وفي بدايات 1979 عاد بطرس غالي من إسرائيل، وتوجه إلى رئيس الوزراء، ليروي تفاصيل ما سمعه من وزير خارجية إسرائيل موشيه ديان الذي قال له بيغن بانفعال: "أنا لن أبيع سيادة إسرائيل مقابل ماء النيل".

إعلان

وقال غالي إنه حاول "برقة" استقصاء الأمر من ديان، وعرف أن بيغن تلقى من السادات "عرضا سريا.. باستعداده لإقامة خط أنابيب من مياه النيل يصل إلى النقب لري أراضي مستعمرات يمكن نقلها من الضفة الغربية إلى هناك"، إذا تم التوصل إلى اتفاق بشأن الضفة الغربية.

يذكر هيكل أن رئيس الوزراء أدرك خطورة ما نقل إليه بطرس غالي، فذهبا إلى السادات، ففوجئا بهدوئه وقوله: "وماله؟". وأضاف: "خلاص.. نديهم الميهْ دي". فأوضح رئيس الوزراء مرة أخرى: "أننا لا نستطيع أن نعطيهم هذه المياه". فقال السادات إنه "بعث بعرضه فعلا إلى بيغن، ولا بد من إعادة النظر في الموضوع بما يسمح بتنفيذ وعده".

هكذا قرر السادات، من دون علم رئيس الوزراء ووزراء الخارجية والزراعة والري. الذي لا يملك أعطى وعدا لمن لا يستحق.

ولإقناع الرئيس بالعدول عن وعده لبيغن، شكل رئيس الوزراء لجنة تضم وزير الري وعددا من الخبراء، ومعهم غالي ومستشارون قانونيون من الخارجية. وعرضا على الرئيس ما توصلت إليه اللجنة، فاستعرض غالي الزاوية القانونية، وأن اتفاقية مياه النيل الموقعة بين دول حوض النهر، لا تسمح لأي دولة بإعطاء طرف ثالث أي كمية من المياه، إلا "بموافقة كل دول الحوض".

وإذا حصل طرف ثالث على أي كمية من المياه لمدة سنة، واستزرع عليها أرضا، فيترتب لهذا الطرف، بموجب القانون الدولي، "حق ارتفاق دائم على هذه المياه". وأن دول الحوض وقعت 12 معاهدة، وإذا طالبت مصر بإعادة الاتفاق على توزيع المياه، فالتوزيع الجديد للحصص لن يكون في مصلحتها، "لأننا نأخذ بالفعل أكثر من حصتنا… فإذا جئنا الآن وأعطينا لإسرائيل مياها قلنا إنها زائدة عن حاجتنا، فإننا بذلك نفتح الفرصة لكل دول الحوض أن تنقض معاهدات توزيع حصص المياه".

استمع السادات إلى الحجج القانونية، وقال: "نستطيع أن نقول للأفارقة إننا سوف نعطي مياه شرب للعرب الفلسطينيين". فتدخل مصطفى خليل بانفعال: "إنني رئيس وزرائك، ومن واجبي تجاهك، فضلا عن واجبي تجاه البلد، أن أحمي صورتك أمام الناس. وأنا لا أستطيع بضمير مستريح أن أمد أنبوبة قطرها بوصة واحدة إلى إسرائيل"، فالمياه غير فائضة، ومصر تستعير جزءا من حصة السودان، وإيراد النيل متذبذب ولولا السد العالي لوقعت كارثة.

وجاء عزرا وايزمان ليمهد لزيارة بيغن، وتجنب مقابلة رئيس الوزراء في القاهرة، واتجه إلى أسوان للقاء السادات الذي استدعى رئيس وزرائه، لاجتماع لمجلس الأمن القومي. وفاجأهم السادات بإثارة ثلاث قضايا، أولاها توصيل المياه إلى إسرائيل. وفي اليوم التالي أثار الموضوع في أجواء متوترة، وأنهى الجلسة التي كانت نهاية وزارة مصطفى خليل.

في 2007 صدر كتاب "ستون عاما من الصراع في الشرق الأوسط.. شهادات للتاريخ". محاورات أجراها أندريه فيرساي بين بطرس غالي وشمعون بيريز الذي قال إن التصحر هو عدو العرب وإسرائيل، وإن مساحة العالم العربي 13 مليون كيلومتر مربع، منها 89% أرض صحراوية، "ويجب أن ننظم عملية ري مناسبة، ويجب أن تكون إقليمية. ولذلك يصبح علينا من الآن إقامة علاقات سلمية سريعة.. حتى يمكن أن نحقق التعاون في تنفيذ سياسة تخطيط وتقسيم منصف للمياه".

إعلان

أي مياه تملكها إسرائيل، وتقبل التقسيم؟ إلا إذا كانت تريد إجبار جيرانها على المشاركة في مياههم.

كتاب "حروب المياه" ألفه البريطاني جون بولوك والمصري/البريطاني عادل درويش، وترجمه هاشم أحمد محمد، وراجعه الدكتور محمد عبدالقادر شريف، رئيس قسم بحوث المقننات المائية والري الحقلي بمعهد بحوث الأراضي والمياه والبيئة بوزارة الزراعة.

ويسجل المؤلفان انزعاج مصر من وجود مستشارين عسكريين إسرائيليين وخبراء في مجالي الزراعة والمياه في إثيوبيا، وأن هذا "قد قوى من أصوات المطالبين داخل مصر بضرورة القيام بعمل عسكري، لضمان تدفق النيل لمصر".

في الصفحة 44 يذكر الكتاب أنه "توجد حاليا خطط لمد خطوط مواسير أو قنوات لتوصيل مياه النيل لصحراء النقب". منذ الطبعة الإنجليزية (1993)، والترجمة العربية في المجلس الأعلى للثقافة (1999)، لم يصدر تكذيب لهذا الكلام.

يسجل الكتاب أن للأمن القومي لمصر مستويات، "وأمن وحيد فقط من الفئة (أ): ذلك الأمن الذي يقع تحت الحماية المباشرة للقوات المسلحة. فأي تهديد لأمن النيل، يخول القيادة العامة المصرية إصدار أوامر مباشرة بتدخل الجيش دون انتظار مجلس الشعب".

بعد إرهاق الحروب، كان في مصر شيء من الارتياح لرحلة السادات إلى القدس 1977، بتأثير الآلة الإعلامية، "وعقد كبار المسؤولين وضباط الجيش مؤتمرات مصحوبة بالقلق… كان الرئيس السادات على وشك السقوط إثر انقلاب عسكري، من خلال المعلومات التي حصلنا عليها من القاهرة، وواشنطن والقدس، وكنا قادرين على جمع تفاصيل مؤامرتين لعزل الرئيس السادات، وكانت الأسباب الداعية لعزله.. لا تكمن فقط في أنه أراد أن يعقد سلاما مع إسرائيل، ولكن أيضا لأنه كان ينوي تحويل مياه النيل لري صحراء النقب في إسرائيل… وكان موضوع المياه سيعجل بسقوطه".

في مباحثات كامب ديفيد حضرت المياه، ووافق السادات. لكنّ رجال الأمن المستعدين للتصدي لخطط التأثير على تدفق المياه إلى مصر، "لم يقبلوا فكرة تحويل جزء من مياه النيل إلى إسرائيل". قبل توقيع اتفاقيات كامب ديفيد في سبتمبر/أيلول 1978، وقعت محاولتا انقلاب:

الأولى تبدأ بتحرك قوى المعارضة والنقابات، يليها نزول الجيش "إلى الشوارع متظاهرا بأنه يحافظ على الأمن.. وكان سيتم القبض على السادات، وكانت إشارة البدء، هي أي إعلان عن اتفاقية مع إسرائيل تتضمن مياه النيل".

وفشلت الخطة لسبب يبدو دراميا. فالانقلاب يلزمه غطاء شرعي، وقام ضابطان بإبلاغ البرلماني الناصري كمال أحمد للتنسيق معه لتبني الانقلاب في البرلمان. لم يصدق تماما، وخشي أن يكون مستهدفا، وأبلغ عن الضابطين.

وبعد فشل محاولة الانقلاب الثانية، الأكثر تعقيدا، ظل كمال أحمد ثابتا على معارضته لكامب ديفيد، فقال في البرلمان عند مناقشة الاتفاقية: "هذه الاتفاقيات خيانة عظمى يا أنور"، فتعدى عليه عضو برلماني بالضرب، وتم طردهما من القاعة.

أما خطة الانقلاب الثانية "والأكثر خطورة.. والأكثر تطورا"، فكشفها الأميركان، وأبلغوا بها السادات. وأحد أبطالها ضابط المخابرات الرائد محمود نور الدين، الملحق العسكري في السفارة المصرية في لندن، وقد تواصل مع معارضي السادات، واطلع على تفاصيل الاتفاقيات مع إسرائيل، ورأى أن نجاح الانقلاب يتوقف على "أن يقوده شخصية معروفة ومحترمة من كل المصريين. وكان الفريق سعد الشاذلي هو الرجل الوحيد الذي تنطبق عليه هذه المواصفات".

وسافر نور الدين إلى الجزائر، ومعه وثائق تثبت أن السادات "يخطط لتحويل مياه النيل إلى إسرائيل"، وتأكد له أن هذه المعلومات ستقنع الشاذلي بالقيام بالمهمة. وانتبه الأميركيون إلى "السلوك غير الطبيعي" لنور الدين، فتنصتوا على مكالمات الشاذلي، وتوصلوا إلى تفاصيل تتضمن احتلال فصائل من القوات الخاصة لمبنى التلفزيون، بمجرد الإعلان عن موافقة السادات "على إعطاء مياه النيل لإسرائيل".

إعلان

في كامب ديفيد، قام ستانسفيلد تيرنر مدير وكالة المخابرات المركزية (CIA) بتسليم السادات رسالة شخصية، وأخبره بالتفاصيل، فلم يقتنع "بأن الجيش سينقلب ضده… وكان الجيش يعكس الحالة النفسية العامة للشعب".

الأميركان نصحوا السادات بأن يصرف النظر عن قضية المياه. والكتاب سجل أن أحد كبار القادة العسكريين "نبه المسؤولين الأميركان بأن الجيش المصري يعارض أي تنازلات أخرى لإسرائيل"، وأن هذا القائد وهو وزير الدفاع محمد عبدالحليم أبو غزالة "أخبر رئيسه بأنه لن يستطيع أن يضمن ولاء الجيش له، إذا أخبر الضباط جنودهم بأن هناك انقلابا لمنع إسرائيل من سرقة مياه النيل".

فذلكة التاريخ تقضي باختلاف المصائر، فيقود محمود نور الدين تنظيم "ثورة مصر" المسلح في الثمانينيات. ويرجع الشاذلي من المنفى، ويرضى بالسجن، رافضا تقديم التماس إلى حسني مبارك للعفو. وحذفت صورة الشاذلي من لوحة الشرف الخاصة بحرب 1973، وأضيفت مكانها بالتزوير صورة مبارك، انتقاما من الشاذلي الذي مات عشية خلع مبارك، في ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

0 تعليق