مريم السايح
Published On 6/9/20256/9/2025
|آخر تحديث: 10:18 (توقيت مكة)آخر تحديث: 10:18 (توقيت مكة)
لندن- ضمن شهادات صادمة، تحدث موظف بريطاني سابق في وزارة الخارجية عن تعرضه لضغوط روتينية في أثناء عمله لتعديل تقاريره حول الوضع الإنساني في غزة بحيث "تبدو أقل سوءا"، في محاولة لإخفاء حجم المأساة عن الرأي العام.
وجاءت هذه الشهادة وغيرها في جلسة مشحونة ضمن أعمال "محكمة غزة الشعبية"، التي عُقدت بدعوة من النائب البريطاني جيرمي كوربن، وذلك بعد رفض الحكومة فتح تحقيق رسمي حول التورط البريطاني بالحرب على غزة.
وكان كوربن قد تقدم في الرابع من يونيو/حزيران الماضي بمشروع قانون إلى مجلس العموم يطالب بفتح تحقيق مستقل في دور بريطانيا العسكري واللوجستي في غزة، يشمل تصدير السلاح، ومشاركة الطائرات الاستطلاعية، واستخدام قواعد سلاح الجو الملكي، لكن الحكومة رفضت المشروع في القراءة الثانية في الرابع من يوليو/تموز، مؤكدة أنه "لا توجد حاجة لتحقيق".
وعكس هذا الرفض -وفق كوربن- "الرغبة في التغطية على الحقيقة"، الأمر الذي دفعه إلى إطلاق محكمة شعبية تستمع لشهادات خبراء وضحايا وصحفيين، ويقول كوربن "تماما كما حدث في حرب العراق، تحاول الحكومة الهروب من المساءلة، لكنها لن تنجح في إسكات الحقيقة".

شهادات صادمة
وداخل المحكمة الشعبية، استمع الحضور إلى مارك سميث، الموظف السابق في الخارجية البريطانية، الذي استقال احتجاجا على استمرار تصدير الأسلحة لإسرائيل، وقدم شهادته أمام المحكمة، حيث أكد أنه كان يُطلب منه مرارا تأجيل أو تعديل تقاريره عن غزة حتى "يجدوا شيئا أكثر إيجابية" لنشره، بما في ذلك التقليل من أعداد القتلى المدنيين.
وأضاف "كانت هناك مئات، إن لم تكن آلاف، النقاشات حول الجوانب الأكثر إثارة للجدل في سياسة تصدير السلاح، لكنها لن تُكشف للرأي العام، حتى عندما لجأت إلى فريق التبليغ الداخلي، تم تجاهلي أنا وزملاء آخرين"، واعتبر سميث أن ما شاهده من ممارسات يجعل من "المستحيل إثبات أن الحكومة البريطانية تتصرف وفق القانون".
إعلان
كذلك استمعت المحكمة إلى شهادة محامي عائلة ديفيد هندرسون، وهو عامل إغاثي في منظمة "المطبخ المركزي العالمي" قُتل في غزة، وأكد المحامي أن اغتياله "مسجّل على الأرجح بواسطة طائرات مراقبة بريطانية"، مشيرا إلى رفض الحكومة تسليم تسجيلات الطيران.
وقال إنه "من المرجح جدا أن رئيس الوزراء متورط في جريمة إبادة، ومن المرجح أن تتم إدانة آخرين إذا ما حوكموا، لأن الحكومة البريطانية خرقت القانونين الدولي والوطني وساهمت في الإبادة".

من جانبه، قدّم الصحفي الاستقصائي مات كينارد نتائج بحثه في بيانات رحلات الطائرات المنطلقة من قاعدة "أكروتيري" البريطانية في قبرص، وأوضح أنه سعى لمعرفة إذا ما كانت بريطانيا تشارك بيانات المراقبة مع إسرائيل، وقال "بعد مراجعة الأدلة، أرى أن دور بريطانيا في الإبادة تخطى حدود الدعم ليصل إلى المشاركة الفعلية".
وفي شهادة إنسانية مؤثرة، قدّم الجراح البريطاني نِك ماينارد، ومعه الطبيبة فيكتوريا روز، تجربتهما خلال العمل في مستشفيات غزة، إذ وصف ماينارد كيف كان يجري عمليات للأطفال المصابين بالقصف، بينما كانت تُستخدم ضدهم طائرات "إف-35" المصنّعة بأجزاء بريطانية، وأضاف أن "الحكومة البريطانية تخذل أطفال غزة، وتسمح باستخدام أسلحة بريطانية الصنع ضدهم".
كما أضافت شهادات أخرى لصحفيين وخبراء قانونيين بُعدا قانونيا وسياسيا للقضية، من بينها شهادة الصحفي جون ماكفوي، كبير المراسلين في موقع "ديكلاسيفايد" الاستقصائي البريطاني، إذ قال إن "المملكة المتحدة تدرب جنودا في جيش يرتكب إبادة جماعية".
إرث من التواطؤ
وضمت المحكمة، التي استمرت يومي الخميس والجمعة، خبراء في القانون الدولي، وصحفيين، وشهودا من داخل غزة، ومن المتوقع أن يختتم كوربن أعمالها بكلمة يعتبر فيها أن "إرث هذه الحكومة سيُسجل كتواطؤ في واحدة من أعظم الجرائم ضد الإنسانية في عصرنا".
وأكد المنظمون للجزيرة نت أن هدفهم هو "كشف الحقائق التي حجبتها الحكومة، وإثبات أن المملكة المتحدة لم تكتفِ بالفشل في الوفاء بالتزاماتها القانونية، بل شاركت بفاعلية في الجرائم".
وفي السياق نفسه، صرح للجزيرة نت جوناثان بيرسل، مسؤول الشؤون العامة في "المركز الدولي للعدالة للفلسطينيين"، بأن "رفض الحكومة إجراء تحقيق رسمي جعل هذه المحكمة ضرورة ملحّة، فالأدلة المعروضة هنا لا تترك مجالا للشك أن بريطانيا ليست متواطئة فحسب، بل إنها شريك فاعل في الإبادة".
وكما رفضت الحكومات السابقة التحقيق بجدية في ملابسات غزو العراق عام 2003 -إلا بعد سنوات- يخشى المنظمون أن تسلك الحكومة البريطانية الحالية المسار نفسه في غزة، لتؤجل الاعتراف حتى يصبح بلا معنى عملي، فبالنسبة لكوربن وداعميه، فإن المقارنة مع العراق ليست مجرد خطاب سياسي.
لكن المنظمين يؤكدون للجزيرة نت أن "هذه المرة مختلفة"، لأن الأدلة متاحة بشكل فوري، والشهادات متدفقة، والضغط الشعبي يتصاعد".
0 تعليق