كيف أثرت حرب غزة على النفوذ الإسرائيلي بالقارة السمراء؟ - زاجل الإخباري

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

 


سعت إسرائيل خلال العقدين الماضيين إلى تكثيف حضورها في القارة الأفريقية عبر بناء شراكات اقتصادية وأمنية مع عدد من الأنظمة، في محاولة لتأمين دعم سياسي داخل المؤسسات الأممية ومواجهة أي محاولات لعزلها. غير أن الحرب على غزة، خاصة مجزرة مستشفى العمداني في 17 أكتوبر 2023، مثلت نقطة تحول في المواقف الأفريقية، حيث تعززت الجبهة الداعمة للقضية الفلسطينية على حساب الكيان الإسرائيلي.
حيث بدأ الاحتلال يخسر نفوذه التي حاول خلال السنوات الماضية تقويته داخل القارة الإفريقية من خلال التعاون العسكري والاقتصادي والتكنولوجي، ولكن مع استمرار تلك الحرب بدأ هذا النفوذ ينهار حتي وصل الأمر إلى رفض شعوب الدول الإفريقية أي مسار للتطبيع أو تعزيز العلاقات مع إسرائيل.

فهذا التحول لم يقف عند الجانب السياسي فحسب، بل انعكس على حسابات بعض القوى الإفريقية الكبرى التي بدأت في مراجعة علاقاتها مع تل أبيب، مع فتح المجال لتوسيع التعاون مع أطراف أخرى مثل روسيا والصين، وهو ما يقلص هامش النفوذ الإسرائيلي في القارة.

بجانب عودة القضية الفلسطينية إلى واجهة الاهتمام الإفريقي، بعد سنوات من التراجع، لتصبح حجر عثرة أمام أي محاولات إسرائيلية لمد نفوذها. وهكذا تحولت الحرب إلى نقطة فاصلة، جعلت إسرائيل تواجه رفضًا واسعًا وتحديات غير مسبوقة داخل إفريقيا، بعدما كانت تراهن على القارة كجسر لتوسيع حضورها الدولي.

رهانات قديمة

على مدى عقود، ارتبطت المواقف الأفريقية إزاء إسرائيل بالقضية الفلسطينية، إذ عكست تجربة القارة في التحرر من الاستعمار ميلًا طبيعيًا لمساندة الشعب الفلسطيني.
لكن هذا التأييد شهد تراجعًا مع توقيع اتفاقية كامب ديفيد عام 1978، واتفاق أوسلو عام 1994، وصولًا إلى مسار التطبيع العربي الإسرائيلي الذي فتح الباب أمام تل أبيب لتعزيز نفوذها.

استراتيجية "العودة إلى إفريقيا"

منذ مطلع الألفية، كثفت إسرائيل تحركاتها باتجاه إفريقيا؛ فقد أطلق وزير الخارجية السابق أفيغدور ليبرمان عام 2014 مبادرة "اللوبي الأفريقي" داخل الكنيست لزيادة التنسيق مع الحكومات الأفريقية. وفي السنوات التالية، زاد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو من وتيرة زياراته، شملت أوغندا وكينيا ورواندا وإثيوبيا، كما حضر اجتماع المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس) عام 2017، وأعاد تطبيع العلاقات مع تشاد عام 2019.

وبحسب الإحصاءات الرسمية، ارتبطت إسرائيل بعلاقات دبلوماسية مع 46 دولة أفريقية، غير أنها فشلت في عقد القمة الأفريقية الإسرائيلية التي كان مقررًا تنظيمها في توغو عام 2017.

حدود النفوذ

رغم جهودها لتجاوز العزلة الدولية عبر القارة الأفريقية، لم تحصد إسرائيل التأييد المتوقع داخل الأمم المتحدة، ففي التصويت على مشروع قرار أميركي يتعلق بحركة "حماس" عام 2018، لم يؤيد المشروع سوى ثماني دول أفريقية، فيما امتنعت أو تغيبت غالبية الدول الأخرى.


حلفاء إسرائيل

وجدت تل أبيب في بعض الدول حلفاء استراتيجيين، أبرزهم كينيا، رواندا، إثيوبيا، أوغندا، وغانا، جنوب السودان حيث قدمت هذه الدول دعمًا سياسيًا لها داخل المحافل الدولية، خاصة في الأمم المتحدة.

غير أن هذا النفوذ ظل هشًا ومتأثرًا بتطورات الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي؛ إذ تراجعت مواقف بعض الحكومات الأفريقية بعد حرب غزة الأخيرة، مع تنامي الضغط الشعبي الرافض للتطبيع أو الشراكة مع إسرائيل، ما جعل تل أبيب تواجه معادلة صعبة بين مكاسبها الأمنية والاقتصادية وخسائرها الدبلوماسية الناتجة عن دعم متزايد للقضية الفلسطينية.

 

تغيير وجهات الدول بسبب الحرب

مع استمرار تلك الحرب برز أسم جنوب إفريقيا بقوة، ليس فقط عبر بيانات الإدانة، بل أيضًا بخطوة عملية عندما لجأت إلى محكمة العدل الدولية لمقاضاة إسرائيل، معتبرة أن ما يجري يرقى إلى جرائم حرب.

وعلى النهج ذاته، اتخذت الجزائر وتونس وموريتانيا والسنغال مواقف حادة، مطالبة بوقف فوري للعمليات العسكرية والتأكيد على مركزية القضية الفلسطينية بالنسبة لشعوبها.

في المقابل، اختارت دول مثل مصر والمغرب طريقًا أكثر توازنًا، داعية إلى التهدئة ووقف العنف من جميع الأطراف، ومجددة تمسكها بحل الدولتين باعتباره السبيل الأمثل لإنهاء الصراع.

هذه المواقف جاءت في إطار سعيها للحفاظ على دور الوسيط وضبط علاقتها مع كل من الفلسطينيين والإسرائيليين.


وعلى مستوى أوسع، دعا الاتحاد الأفريقي إلى وقف القتال والعودة للحوار، مشددًا على أن السلام العادل يتطلب الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني، بالتوازي مع حق الإسرائيليين في العيش بأمان.

 

خروج إسرائيل من الاتحاد الإفريقي

بعد حصول إسرائيل عام 2021 على صفة عضو مراقب في الاتحاد الأفريقي بعد جهود استمرت نحو عقدين، غير أن هذه الصفة سُحبت نهائيًا في فبراير 2024 تحت ضغط دولي واسع وإدانة شديدة لحرب غزة والانتهاكات في فلسطين.

ورغم محاولات إسرائيل استثمار عضويتها لتعزيز حضورها في القارة عبر التعاون الأمني والاقتصادي، فإن المواقف الداعمة للقضية الفلسطينية داخل الاتحاد، ورفض العديد من الدول الأفريقية للوجود الإسرائيلي، حسمت الموقف وأضعفت مساعي تل أبيب لترسيخ نفوذها في المنظومة القارية.

 

آخرهم: تشاد تغلق سفارتها في إسرائيل

أعلنت وزارة الخارجية التشادية اليوم السبت 7 سبتمبر 2025، عن إغلاق سفارتها في تل أبيب، مرجعة القرار إلى أسباب مالية، دون الكشف تفاصيل إضافية.
ولكن كشفت مصادر لـ "الفجر"، أن الحقيقية من هذا الإغلاق بسبب الضغوط الشعبية على الحكومة بسبب العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.

 


في الختام، حرب غزة مثلت نقطة فاصلة في نفوذ إسرائيل بإفريقيا، حيث تسببت في تراجع الدعم الإسرائيلي وتزايد التضامن مع القضية الفلسطينية، مع تصاعد الضغوط الشعبية والرسمية على الحكومات الإفريقية لرفض التطبيع.

هذه الحرب أعادت القضية الفلسطينية إلى قلب الاهتمام الإفريقي، وفتحت المجال لتوسع نفوذ قوى أخرى مثل روسيا والصين.

0 تعليق