حركة "جنود من أجل المختطفين" ترعب نتنياهو - زاجل الإخباري

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

Published On 8/9/20258/9/2025

|

آخر تحديث: 00:34 (توقيت مكة)آخر تحديث: 00:34 (توقيت مكة)

منذ انطلاق "طوفان الأقصى" والمجتمع الإسرائيلي لم يتوقف عن إبراز أصوات تعترض على نهج حكومة بنيامين نتنياهو في إدارة دفة الأمور، بدأت بكُتاب ومحللين يساريين، ثم كتل سياسية كانت تنادي بالسلام، تساوقت في البداية مع الحرب، ثم بدأت تتمايز تدريجيا مع ارتكاب الجيش الإسرائيلي "إبادة جماعية"، فضلا عن تعثره في تحقيق انتصار سريع كما كان يظن.

واتسع الأمر ليشمل أسر الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة في غزة، وعلى التوازي ارتفعت أصوات المعارضة السياسية التي تسجل نقاطا سلبية على الحكومة في سبيل حيازة السلطة، وفق المسار السياسي المعروف.

لكن هذا الاعتراض المتنامي يمضي في اتجاه اعتادته إسرائيل في حروبها السابقة، وكانت الحكومة لديها من الخبرة والملاءة والسند المشروع حسب القوانين والتقاليد الإسرائيلية ما يمكّنها من التعامل معه، وتجاوزه، خصوصا أثناء جريان الحرب.

أما اليوم فتواجه حكومة نتنياهو، الذي يحشد لاجتياح جديد لقطاع غزة، أمرين غير مسبوقين:

الأول، أن الجيش ذاهب إلى الحرب بينما استطلاعات الرأي تقول إن أغلبية الشعب الإسرائيلي ليست مع استمرارها. والثاني، أن هذا الجيش نفسه لم يقف اعتراضه على جولة جديدة من الحرب عند حدود تقديرات المواقف والاستشارة بين الساسة والعسكريين مثلما كان متبعا من قبل، إنما خرج هذا إلى العلن، ليس على مستوى الخطاب فقط، إنما الممارسة أيضا.

وهذه الممارسة أخذت خطوة أوسع وأعمق مما اعتادت عليه إسرائيل بتكوين حركة "جنود من أجل المختطفين"، والتي لم تكتفِ بمناداة نتنياهو بالذهاب إلى التفاوض باعتباره الطريق الأسلم والأسلس في استعادة الأسرى، بل ذهبت إلى رفض احتلال الجيش الإسرائيلي مدينة غزة، واصفة إياه بأنه "غير قانوني"، ويمثل "خيانة للرهائن والشعب الإسرائيلي"، ويشكل "خطرا على حياة الأسرى".

إعلان

والحركة التي تضم الآن ما يزيد على 400 من جنود الاحتياط، صارت تشكل شوكة في خاصرة نتنياهو، تقلقه وترعبه، لعدة أسباب:

1ـ يتعزز وجود هذه الحركة تباعا، إذ يزيد عدد المنتمين إليها، ويكسب خطابها أنصارا داخل المجتمع الإسرائيلي بمرور الوقت. فقد بدأت الحركة بمبادرة في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وقع عليها 200 جندي، ثم فتحت الباب للتوقيع الإلكتروني على موقعها، فانضم إليها المئات من جنود الاحتياط، وهم يزيدون تباعا.

2ـ ترفض هذه الحركة الخدمة العسكرية في قطاع غزة؛ لأنها تمثل بالنسبة لها مساهمة في تعريض حياة الأسرى للخطر، وهو ما أعلنته بوضوح في مؤتمر صحفي لها قالت فيه: "لن نمتثل للخدمة العسكرية في غزة؛ لأنها ستؤدي إلى مقتل المختطفين، ولا تخدم سوى الحكومة المتطرفة".

وهذا الرفض يختلف بالطبع عن ذلك الذي يصدر عن طائفة "الحريديم"، حيث هو لأسباب دينية، ووفق تقاليد شهدتها إسرائيل منذ إنشائها، بينما موقف حركة "جنود من أجل المختطفين" يختلف في عدم رفض التجنيد إطلاقا، إنما التجنيد للمشاركة في الحرب ضد غزة، وتصف موقفها هذا بأنه "قرار وطني"، وهو تعبير جديد على الساحة السياسية والعسكرية الإٍسرائيلية، يصف الامتناع عن المشاركة في حرب بـ "الوطنية"، بما يعاكس أو يناقض كل الذي كان متبعا من قبل.

وقد بررت الحركة موقفها هذا في بيانها التأسيسي قبل شهور، حين قالت: "نحن- جنودَ الاحتياط والجنودَ العاديين والضباط- نعلن بموجب هذا أننا لا نستطيع الاستمرار في ظل هذه الظروف. إن الحرب في غزة تحكم على إخواننا وأخواتنا المختطفين بالإعدام".

3ـ تعري الحركة نوايا نتنياهو واصفة إياه بـ "المتطرف" و"السياسي الذي يضحي بكل شيء من أجل نجاته"، لتعيد بهذا الجدل مجددا حول الأسباب الحقيقية التي تدفع رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي إلى الاستمرار في الحرب كنوع من "التهرب السياسي"، وليس ما يسوقه في خطابه عن النصر الحاسم، واستعادة الردع، وتحقيق الأهداف الكبرى الموعودة لإسرائيل.

4ـ لا تكتفي الحركة بتعرية نتنياهو إنما تنادي بمحاسبته، مع الساسة المتساوقين معه، والقادة العسكريين الذين يسايرونه في التصعيد ضد غزة، ثم تؤسس هذه المحاسبة على ثلاثة أشياء، هي: عدم امتلاك الحكومة أي شرعية في مواصلة الحرب، وتعريض الأسرى للأذى بدءا من الجوع وانتهاء بالقتل حال استمرار المعركة، والثالث هو تقديم نتنياهو مصلحته الخاصة على الصالح العام لإسرائيل، وبشكل سافر.

5 ـ تمتلك هذه الحركة حجية قوية، سياسية وأخلاقية من زاوية الفهم والإدراك الإسرائيلي الشائع اجتماعيا، ألا وهي أنها لم تبدأ من قبل رافضين للخدمة العسكرية على الدوام، ولا من غير دافعي ثمن في هذه الحرب، ولا من خائضين فيها مشافهة وعن بعد، إنما ممن شاركوا في هذه الحرب أصلا، وهي مسألة عبر عنها جندي منضم إليها يسمى ماكس كريش حين قال: "بصفتنا جنودا خدموا في هذه الحرب ونهتم بمستقبل بلدنا، من واجبنا الوطني أن نرفض المشاركة في هذه الحرب".

وهذا الجندي يتكئ في تصريحه هذا على البيان المؤسس للحركة الذي عبر عن موقف أعضائها قائلا: "نحن الذين خدمنا وما زلنا نخدم بإخلاص، مجازفين بحياتنا، نعلن بموجب هذا أنه إذا لم تغير الحكومة مسارها على الفور وتعمل على تأمين صفقة لإعادة الرهائن إلى ديارهم، فلن نتمكن من الاستمرار في الخدمة… بالنسبة لبعضنا، تم تجاوز الخط الأحمر بالفعل. يقترب بسرعة اليوم الذي سنتوقف فيه بقلوب مكسورة عن تقديم الخدمة".

إعلان

6 ـ تمثل هذه الحركة رأس رمح للاتجاه المدني الرافض للحرب، متمثلا في عائلات الأسرى، الذين ظلوا على مدار الشهور الفائتة يبحثون عن تبني العسكريين الإسرائيليين بقوة ونجاعة مطلبهم بوقف الحرب، دون جدوى، حتى إنهم اضطروا لمخاطبة الرئيس الأميركي دونالد ترامب نفسه بالضغط على نتنياهو لوقف الحرب وإنقاذ أبنائهم.

واليوم يُراكم أهل الأسرى على موقف "جنود من أجل المختطفين"، ويمثلون رافعة مدنية لها، تتسع بكسب متعاطفين من غير أهل الأسرى، وهؤلاء أكثر عددا.

بالطبع فإن حركة "جنود من أجل المختطفين" لن تمنع نتنياهو من الاستمرار في الحرب بغية احتلال مدينة غزة، كما يريد، لا سيما بعد أن حشد قوات نظامية، وأرسل لاستدعاء أربعين ألف جندي احتياطي في الدفعة الأولى للتعبئة، لكنها، دون شك، باتت تشكل إحدى أوراق الضغط عليه الآن، ومسارا يؤرقه مستقبلا إن خضع لمساءلة أو محاكمة.

وفي كل الأحوال صارت أحد المطاعن أو المآخذ المهمة على سعيه لاحتلال غزة، وهو ما عبر عنه كريش حين قال: "أي عمل يضفي شرعية على استمرار الأعمال القتالية على حساب صفقة تعيد الرهائن هو خيانة لهم، وخيانة للشعب الإسرائيلي".

ومن المتوقع، إن توعّك الجيش الإسرائيلي مجددا أثناء محاولة احتلال مدينة غزة، وواصل النزيف في الأفراد والمعدات والصورة والحالة المعنوية، بفعل صمود المقاومة، أن يأخذ موقف حركة "جنود من أجل المختطفين" حجية أقوى، وينضم إليها مزيد من جنود الاحتياط، وقد تجذب جنودا نظاميين أيضا، وتتسع دوائر الرأي العام المتساوقة مع خطابها وموقفها، فتكون هي الثقب الذي يبتلع نتنياهو في المستقبل المنظور.

إن تجارب الحركات الاجتماعية في دول كثيرة توضح أنها قامت لأداء مهمة، ثم تنفضّ بعد هذا، وبعضها مثّل انعطافة مهمة في تاريخ بعض الدول، وهو اقتراب يمكن أن ينطبق على "جنود من أجل المختطفين" التي قد تنجح في بناء موقف أكثر تماسكا داخل الشعب والجيش في إسرائيل، ينتهي بإسقاط نتنياهو ومحاسبته.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

0 تعليق