كتب محمد الجمل:
واصلت "الأيام" رصد مشاهد جديدة من العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة، منها مشهد يُسلّط الضوء على إعلان الاحتلال الأخير تجهيز مناطق إنسانية جديدة جنوب القطاع، ومطابقة هذا الإعلان على الأرض، وإظهار عدم صدقه، ومشهد آخر تحت عنوان: "700 يوم من العدوان"، ومشهد ثالث يوثق الدمار الكبير الذي تسبب به الاحتلال في حي الزيتون جنوب مدينة غزة.
المناطق الإنسانية
أصدر الاحتلال منشورات جديدة، تتضمن الإعلان عن إقامة مناطق إنسانية جديدة في مواصي خان يونس، جنوب قطاع غزة، مدعياً أن فيها خدمات إنسانية، ومياهاً، وخدمات صحية، داعياً سكان مدينة غزة إلى النزوح باتجاهها.
ووفق خارطة "المناطق الإنسانية" التي نشرها الاحتلال مؤخراً، فقد اتضح أنها لا تتضمن أي جديد، فلم تتم إضافة أي مساحات جديدة لها، باستثناء إضافة محيط مجمع ناصر الطبي حتى عمارة جاسر وأطراف منطقة البطن السمين في خان يونس، وأطراف حي الأمل شمالاً، والمواصي غرباً، وهي مناطق أصلاً مكتظة بالمواطنين.
كما أخرج الاحتلال مناطق وسط قطاع غزة من دائرة المناطق الإنسانية، رغم أنها كانت في وقت سابق ضمن هذه المناطق، ما أثار مخاوف المواطنين، خشية أن تكون تلك المناطق هدفاً للعدوان الإسرائيلي في الفترة المقبلة.
وأكد مواطنون أنه وخلافاً للتوقعات، لم يتم توسيع المناطق الإنسانية، وما يجري الترويج له من قبل الاحتلال حول تحسين الخدمات، ادعاءات لا أساس لها من الصحة مطلقاً، فالمياه ما زالت شحيحة، والمراكز الطبية والمستشفيات الميدانية في منطقة المواصي خالية من الأدوية والمستلزمات الطبية، والأخطر من ذلك كله أن منطقة المواصي مكتظة بالكامل، ولا يوجد فيها موطئ قدم، ولا يمكنها استيعاب مئات الآلاف من النازحين الجدد، القادمين من مدينة غزة.
في حين، أعلن جيش الاحتلال أنه تُجرى أعمال ترميم في مستشفى غزة الأوروبي، وذلك لتمكين تقديم خدمات طبية أفضل للسكان، غير أنه لم يتم تنفيذ أي عمليات ترميم حتى الآن، وسمح الاحتلال بعدة زيارات لطواقم فنية من أجل تقييم الأضرار فقط.
وذكر المواطن عبد الكريم طه من سكان منطقة المواصي، أنه ومن دون توسعة المناطق الإنسانية باتجاه وسط وشرق خان يونس، أو شمال مدينة رفح، لا يمكن استيعاب نازحين جدد، والاحتلال يُسيطر فعلياً على أكثر من 93% من مساحة محافظتي رفح وخان يونس، وهذه الإعلانات الكاذبة لن تغيّر من الواقع الصعب، ولن تُحسّن الخدمات في مناطق المواصي.
وأشار طه إلى أنه يعرف الكثير من المواطنين من سكان مدينة غزة، كانوا ينتظرون توسيع المناطق الإنسانية من أجل النزوح، لكن وأمام الوضع الراهن لن ينزحوا، نظراً لعدم وجود أماكن يمكن الإقامة فيها.
700 يوم من العدوان
مازال سكان قطاع غزة البالغ عددهم نحو 2.4 مليون نسمة، يعانون ويلات الحرب والمجازر والنزوح المتكرر منذ 700 يوم، مع غياب أي أفق بانتهاء هذا الكابوس.
"الأيام" خصصت هذا المشهد لتوثيق حصاد 700 يوم من العدوان الإسرائيلي المتواصل، والكشف عن كوارث حرب الإبادة المستمرة.
ووفق بيانات نشرها المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة، فإن الحرب أفرزت دماراً شبه كامل بنسبة 90% من البنية التحتية، وخسائر أولية تتجاوز 68 مليار دولار أميركي، مع سيطرة الاحتلال على أكثر من 80% من مساحة القطاع بالقوة العسكرية والتهجير القسري.
وألقى الاحتلال خلال حرب الإبادة نحو 150 ألف طن من المتفجرات على قطاع غزة، حتى الآن. كما ارتكبت قوات الاحتلال خلال هذه الفترة مجازر دموية أدت إلى استشهاد وفقدان 73,731 شخصاً، بينهم أكثر من 20,000 طفل، و12,500 امرأة، إضافة إلى إبادة 2,700 أسرة بالكامل من السجل المدني، وقتل 1,670 من الطواقم الطبية و248 صحافياً، و139 رجل دفاع مدني، و173 موظف بلدية، كما أصيب أكثر من 162,000 مواطن، بينهم 19 ألف جريح بحاجة إلى تأهيل طويل الأمد، و4800 حالة بتر، منهم 18% أطفال، و1200 يعانون من الشلل الكامل، و1200 يعانون من فقدان حاسة البصر.
بينما تنفّذ قوات الاحتلال جريمة تهجير قسري ممنهجة بحق أبناء الشعب الفلسطيني، خاصة في مدينة غزة وشمال القطاع، عبر منعهم من العودة إلى ديارهم وتدمير أحيائهم ومرافقهم الحيوية، في خرق فاضح لاتفاقية جنيف الرابعة ونظام روما الأساسي، ما يجعلها جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية تستوجب الملاحقة الدولية.
كما دمّر الاحتلال 38 مستشفى، و833 مسجداً، و163 مؤسسة تعليمية كلياً، كما دمّر آلاف المؤسسات بشكل بليغ، وفرض سياسة تجويع ممنهجة عبر حصار شامل ضد السكان المدنيين ومنع دخول آلاف شاحنات الغذاء والمساعدات، مسبباً كارثة إنسانية تهدد حياة أكثر من 2.4 مليون إنسان، بينهم أكثر من مليون طفل أصبحوا على حافة الموت جوعاً.
واعتقلت قوات الاحتلال من قطاع غزة منذ بداية الحرب 6691 مواطناً، بينهم 362 من الطواقم الطبية، و48 صحافياً، و26 من عناصر الدفاع المدني.
دمار في حي الزيتون
كشف تراجع جيش الاحتلال من بعض مناطق حي الزيتون جنوب مدينة غزة، عن حجم دمار كبير.
ووفق مصادر محلية وشهود عيان، فإن قوات الاحتلال أعادت انتشارها جنوب شرقي حي الزيتون مؤخراً، بعد أكثر من ثلاثة أسابيع من عملية عسكرية تدميرية استهدفت الحي ومحيطه.
وبينت المصادر ذاتها أن قوات الاحتلال سوّت مربعات سكنية كاملة بالأرض، وأحرقت بعض المنازل المتبقية خاصة في المناطق المحيطة بشارع 8، ومفترق دُولة، جنوب شرقي الحي.
وأشار شهود عيان إلى أن مناطق "حسن البنا، ومسجد بدر، ومسجد الفاروق"، شمال شرقي شارع 8 تحوّلت معظمها إلى ركام بعد أن دمّر الاحتلال غالبية المنازل والبنية التحتية فيها.
وأكدوا أن بعض "الروبوتات" المفخخة التي تستخدمها قوات الاحتلال لتفجير منازل المواطنين ما زالت في المنطقة ولم تنفجر، ما يُشكل خطراً كبيراً على العائدين إلى الحي، مع احتمال انفجارها في أي لحظة.
ورغم التراجع المحدود لآليات الاحتلال العسكرية إلا أن الحي ما زال يشهد قصفاً جوياً ومدفعياً، مع استمرار تحليق الطائرات المُسيّرة "كواد كابتر" التي تُحاصر المنطقة وتطلق النار على المواطنين.
وأوضح الناطق باسم الدفاع المدني في قطاع غزة محمود بصل، أن الاحتلال دمّر 100% من المنطقة الجنوبية لحي الزيتون في مدينة غزة، وكان يستخدم "الروبوتات" المفخخة والجرافات والقصف لتدمير المنازل في الحي، مشيراً إلى رصد تدمير واسع ومماثل في الأحياء الشرقية لمدينة غزة، خاصة أحياء التفاح، وتركمان، والشجاعية.
ولفت مواطنون إلى أن الاحتلال استخدم نهج التدمير الشامل للحي، بخلاف مرات الاجتياح السابقة، حيث كانت آلة الحرب الإسرائيلية تُدمر منازل وتُبقي أخرى، لكن هذه المرة لم يتبق شيء في الحي.
ورغم الخطر الشديد، ومواصلة استهداف الحي، إلا أن مواطنين من سكان الحي وصلوا إلى قلبه، وبدؤوا بالبحث عن أقربائهم المفقودين داخل الحي، حيث جرى خلال اليومين الماضيين انتشال جثامين شهداء، بعضها كانت مُتحللة بشكل كامل، وأخرى عبارة عن رفات متناثرة، وتعود لشهداء كانوا يحاولون الوصول إلى منازلهم في الحي في فترات سابقة.
ويسود الاعتقاد بأن هناك عشرات الجثامين ما زالت داخل الحي، بعضها تحت الركام، وأخرى في الشوارع، وسط مخاوف من قيام جرافات الاحتلال بدفن جثامين الشهداء وإخفائها.
وقال المواطن محمد عبد العزيز إن الاحتلال ينفذ خطة متدحرجة ضد مدينة غزة، ويمهّد لاحتلال المدينة وتهجير جميع السكان منها، متوقعاً أن تشهد الفترة المقبلة مزيداً من التصعيد والتدمير، يتخللها مجازر كبيرة.
وتوقع عبد العزيز أن ما حدث في حي الزيتون من دمار كبير، سيتكرر في جميع أحياء مدينة غزة، ما لم يتم وقف العملية العسكرية.
0 تعليق