زيد اسليم
Published On 8/9/20258/9/2025
|آخر تحديث: 11:30 (توقيت مكة)آخر تحديث: 11:30 (توقيت مكة)
منذ اندلاع العدوان الإسرائيلي على غزة في أكتوبر/تشرين الأول 2023، تحولت المتاجر والمطاعم في تركيا إلى ساحة احتجاج صامتة، إذ أطلق المستهلكون واحدة من أوسع حملات المقاطعة الشعبية التي استهدفت علامات تجارية عالمية ينظر إليها على أنها داعمة لإسرائيل.
واضطرت شركات عالمية كبرى إلى الاعتراف في تقاريرها السنوية بأن المقاطعة الشعبية في تركيا باتت عاملا ضاغطا على نتائجها، مشيرة إلى تراجع في المبيعات والأسهم تراوح بين 10 و15% منذ اندلاع الحرب على غزة.

خسائر وإغلاقات
كانت كوكاكولا أبرز الخاسرين في السوق التركية مع تصاعد حملة المقاطعة. فبحسب بيانات الشركة، تراجعت مبيعاتها في البلاد بنسبة 22% في الربع الأخير من عام 2023 مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق، في انعكاس مباشر للضغط الشعبي.
واستمر المنحنى التنازلي خلال 2024، إذ أعلنت كوكاكولا آيسيجك (المعبئ المحلي) أن حجم المبيعات في الربع الثالث من العام انخفض بنسبة 12.2%، مما أدى إلى هبوط صافي الأرباح الفصلية بنسبة 61% ليقتصر على نحو 5.17 مليارات ليرة.
وقد أجبر هذا الانحدار الشركة على تعديل توقعاتها السنوية من نمو محدود إلى انكماش بحجم المبيعات، وهو اعتراف ضمني بعمق تأثير المقاطعة. ولم يتوقف الأمر عند حدود الأرقام، فقد دخلت المؤسسات الرسمية على خط الحملة، عندما أقر البرلمان التركي في نوفمبر/تشرين الثاني 2023 وقف بيع منتجات كوكاكولا داخل مطاعمه ومقاهيه استجابة للغضب الشعبي، كما توقف بيعها بالمؤسسات الحكومية والقطارات وشركات الطيران التركية.
ولم تسلم سلسلة المقاهي الأميركية ستاربكس من موجة المقاطعة التي اجتاحت تركيا عقب الحرب على غزة، إذ سرعان ما وجدت نفسها في صدارة العلامات التجارية المستهدفة.
فقد شهدت فروعها تراجعا ملحوظا في الإقبال منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، وسط اتهامات شعبية لها بدعم إسرائيل. وقدر محللون أتراك أن مبيعات المقاهي العالمية المستهدفة -وفي مقدمتها ستاربكس- تراجعت بأكثر من 50% في معظم الفروع التركية خلال الأشهر التالية لاندلاع الحرب، وهو ما اضطر بعض الفروع إلى تقليص أعداد العاملين لمواجهة التراجع في المبيعات.
إعلان
ولم يقتصر الضغط على المستهلكين، إذ سرعان ما لحقت به خطوات رسمية. ففي نوفمبر/تشرين الثاني 2023، أصدرت السكك الحديدية التركية قرارا يقضي بإزالة منتجات ستاربكس من عربات القطارات السريعة، لتصبح تلك الخطوة أول إجراء رسمي ضد العلامة التجارية في البلاد. وبالتوازي، اندلعت احتجاجات في مدن عدة: ففي ديار بكر، حُطمت واجهات مقاهي ستاربكس، بينما شهدت إسطنبول اعتصامات داخل بعض الفروع قادها ناشطون رفعوا شعارات داعمة لغزة.
وجاءت الضربة الأشد وقعا من نصيب سلسلتيْ كنتاكي وبيتزا هت، بعدما أعلنت الشركة المالكة "يام براندز" في 8 فبراير/شباط 2025 إنهاء عقد الامتياز مع المشغل التركي "إيش غدا" لتنهي بذلك وجود العلامتين العالميتين في تركيا دفعة واحدة. وقد أدى القرار، الذي اعتبر سابقة في حجم تأثيره، إلى إغلاق 537 فرعا في يوم واحد، تاركا خلفه آلاف العاملين في مواجهة المجهول.
ولم يصمد المشغل المحلي أمام هذه العاصفة، إذ أعلن إفلاسه وهو مثقل بديون تجاوزت 7.7 مليارات ليرة (214 مليون دولار). ورغم أن "يام براندز" بررت الخطوة بإخفاق الشركة التركية في الالتزام بمعايير الجودة والتشغيل، فإن التوقيت أثار تساؤلات واسعة حول دور المقاطعة الشعبية في تسريع الانهيار.

طفرة محلية
لم تقتصر نتائج المقاطعة الشعبية في تركيا على تراجع العلامات الأجنبية، بل فتحت الباب أمام الشركات والمنتجات المحلية لتملأ الفراغ وتحقق مكاسب غير مسبوقة. وفيما يلي أبز الأمثلة:
حققت شركة المشروبات المحلية "كولا توركا" قفزة استثنائية في حجم المبيعات تجاوزت 10 أضعاف خلال الفترة بين يناير/كانون الثاني وسبتمبر/أيلول 2024، وهو ما شجعها على توسيع أسواقها الخارجية لتصل إلى 12 دولة. وفي مجال المقاهي، برزت شركة "قهوة دنياسي" كأبرز بديل وطني في مواجهة ستاربكس، إذ أعلنت أنها أنهت عام 2023 بإيرادات تقارب 4 مليارات ليرة (97.6 مليون دولار) بزيادة سنوية بلغت 150% مقارنة بعام 2022، ووصلت فروعها إلى 252 متجرا في 39 مدينة، مع خطة للوصول إلى 500 فرع خلال العام 2025. وفي السياق نفسه، أنهت سلسلة "إسبريسو لاب" العام نفسه بإيرادات تجاوزت مليارا و200 مليون ليرة (29.2 مليون دولار) وارتفع عدد فروعها إلى أكثر من 234 فرعا منتصف 2024 مع خطة للتوسع إلى 400 فرع حتى نهاية العام، موزعة على تركيا و11 دولة أخرى. وفي قطاع الصناعات الغذائية، فقد سجلت "أولكر بيسكو" أرباحا بلغت 7.4 مليارات ليرة (180.4 مليون دولار) عام 2024، بزيادة 52% عن العام السابق، وأطلقت الشركة 51 منتجا جديدا شكلت 15% من مبيعاتها المحلية. وفي قطاع المنظفات، سجلت منتجات "بورون" التابعة لشركة "إتي مادن" مبيعات تجاوزت 35 ألف طن عند إطلاقها بقيمة فاقت ملياري ليرة (48.8 مليون دولار) وزاد من حصتها السوقية عام 2023-2024 زخم المقاطعة.وتماشيا مع حملات المقاطعة، شهدت ولاية شانلي أورفا افتتاح متجر لافت حمل اسم "متجر فيدام للمقاطعة". وأطلق المشروع 8 شبان بهدف تقديم بديل عملي للمستهلك التركي يقوم على بيع منتجات محلية فقط، خالية من أي سلع مرتبطة بإسرائيل.
إعلان
وقد رُفعت على مدخل المتجر لافتة تقول "لا تُباع منتجات إسرائيلية بهذا المكان" في رسالة مباشرة إلى الزبائن. وأوضح أصحاب المتجر أنهم أرادوا تحويل المقاطعة من مجرد شعار إلى ممارسة يومية ملموسة، وأنهم تلقوا إقبالا واسعا وتفاعلا إيجابيا من المواطنين.

سلوك استهلاكي
يرى المحلل الاقتصادي عمر أكوتش أن حملة المقاطعة التي تشهدها تركيا أحدثت بالفعل تحولا ملحوظا في سلوك المستهلك التركي، لكن ترسيخ هذا التحول ليصبح دائما يتوقف -برأيه- على عدة عوامل:
1- تحول المقاطعة إلى عادة استهلاكية مستقرة تمتد على مدى عامين على الأقل.
2- حفاظ الشركات المحلية على ميزة القيمة من حيث السعر والجودة والتوافر.
3- ترجمة الطفرة الحالية إلى استثمارات إنتاجية وتوسعية قادرة على تثبيت المكاسب.
ويؤكد أكوتش -في حديث للجزيرة نت- أن النتائج ظهرت بوضوح في القطاعات التي يسهل فيها الاستبدال، مثل المشروبات الغازية والمقاهي والوجبات السريعة والمنظفات، حيث انحاز المستهلك سريعا إلى البدائل المحلية. أما في القطاعات التي تعتمد على الابتكار أو العلامات العالمية القوية مثل الإلكترونيات ومستحضرات التجميل، فما زال التحول أبطأ وأكثر تعقيدا.
ويشير إلى أن المقاطعة وحدها لا تكفي لتحقيق استقلال اقتصادي، لكنها تفتح المجال لتكبير الصناعة الوطنية إذا استُثمرت الأرباح في رفع الجودة والابتكار، وتوسيع الطاقة الإنتاجية، وبناء علامات قادرة على التصدير.
0 تعليق