عاجل

"ليلة واحدة" أغنية بلاد سانكارا والرجال النزيهين الشجعان - زاجل الإخباري

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

يُعدّ الفنان فيكتور ديمي أحد أبرز رموز الموسيقى في بوركينا فاسو، وغالبًا ما يُلقب بـ"الأب الروحي" للموسيقى البوركينية المعاصرة.

كانت بوركينا فاسو تُعرف سابقًا بجمهورية فولتا العليا حتى عام 1984، حين غيّر الرئيس توماس سانكارا اسمها إلى "بوركينا فاسو"، أي "بلاد الرجال الشجعان" باللغات المحلية.

وفي الرابع من أغسطس/آب 1984، أُعلن رسميًا عن اسمها الجديد بوركينا فاسو دولة ذات أغلبية من المسلمين المتصوفة مع مسيحيين وغير متدينين وهو ما أسهم لاحقا في إثراء التراث الفني لهذه البلاد الواقعة في غرب أفريقيا ضمن نطاق الصحراء الكبرى.

وُلد ديمي عام 1962 في مدينة بوبو-ديولاسو، وبرز على الساحة الموسيقية بفضل قدرته الفريدة على مزج الأصوات التقليدية لشعب الماندينكا مع الموسيقى الفلكلورية والبلوز والنغمات اللاتينية، مما منح موسيقاه طابعًا عالميًا. وتُغنى أغانيه أساسًا بلغة الديولا، حيث عكست موضوعات موسيقاه قيم الوحدة الوطنية وتمكين المرأة والفخر بالتراث الثقافي.

على الرغم من التحديات التي واجهها في الحصول على الاعتراف، استطاع ديمي أن يحقق إنجازات كبيرة. ففي عام 2008، أطلق ألبومه الأول بعنوان "فيكتور ديمي" ، الذي حظي بإشادة دولية ونال لقب "أفضل ألبوم للسنة" من مجلة "خطوط الأغاني" وألبومه الثاني "ديلي" الذي عزز مكانته أكثر ووصل إلى المرتبة 138 في قائمة الألبومات الفرنسية، مؤكّدًا حضوره على الساحة الموسيقية الدولية.

رحل فيكتور ديمي عن عالمنا في عام 2015 عن عمر يناهز 53 عامًا، إثر إصابته بمرض الملاريا. ومع ذلك، بقى إرثه الموسيقي حيًا، مستمرًا في إلهام الأجيال الجديدة من الفنانين في بوركينا فاسو وخارجها، ومؤكدًا مكانته كأحد أعمدة الثقافة الموسيقية الأفريقية.

BADALONA, SPAIN - APRIL 17: Victor Deme performs on stage at Teatre Zorrilla on April 17, 2010 in Badalona, Spain. (Photo by Jordi Vidal/Redferns)
فيكتور ديمي يُحيي حفلا موسيقيا على مسرح زوريلا في 17 أبريل/نيسان 2010 في بادالونا/إسبانيا (غيتي)

بوركينا فاسو.. فسيفساء ثقافية غنية بالتقاليد الشعبية

تُعد بوركينا فاسو من الدول الأفريقية التي تزخر بتنوع ثقافي ولغوي واسع، مما انعكس على تقاليدها وعاداتها الشعبية المتوارثة عبر الأجيال. وتبرز في مقدمة هذه العادات احتفالات الزواج، التي تُعد مناسبات اجتماعية كبرى تُمثل محورًا مهما في الحياة المجتمعية.

إعلان

ويمثل الرقص والغناء مكونًا أساسيًا في يوميات البوركينيين، حيث يعبّران عن الفرح والانتماء، في حين تشتهر البلاد أيضًا بحرفها اليدوية، خاصة صناعة الأقمشة والملابس التقليدية ذات الألوان الزاهية والنقوش المميزة. وإلى جانب ذلك، يحتل التراث الشفهي مكانة بارزة من خلال الأساطير والقصص الشعبية التي تعكس تاريخ البلاد وأبطالها الأسطوريين.

في بوركينا فاسو، الموسيقى التقليدية تعتمد غالبًا على الإيقاعات والطبول والألحان الشفوية، ولا تُستخدم المقامات الموسيقية الشرقية أو الغربية التقليدية بالضبط. الموسيقى الشعبية هناك تتميز بالإيقاعات المعقدة والطبول مثل طبول دوندوما وكوندولو. المقامات النغمية تعتمد على السلالم الخماسية والسداسية أكثر من السلالم الموسيقية الغربية التقليدية أما الأغاني التقليدية فغالبًا ما تكون مرتبطة بالرقص والطقوس الاجتماعية، وتختلف حسب العرقية (مثل موسيقى مورسي وبوبا وفولاني).

وتُعد الكورا من الآلات التقليدية، وهي آلة وترية عريقة ظهرت في عهد الإمبراطورية المالية بالقرن الـ13، من أبرزها. كما يشتهر متحدثو لغة الماندي بآلة البالافون الخشبية أما طبول الدجيمبي، المصنوعة غالبًا في بوبو ديولاسو من قطعة خشب واحدة، فتُعد جزءًا أساسيًا من الموسيقى البوركينابية ويعود أصلها لشعب المالينكي، أما شعب الفولا في شمال المنطقة، فيتميز باستخدامه مزيجًا من الآلات مثل الطبول، والـهودو الشبيه بالبانجو، والريتي ذات الوتر الواحد، إلى جانب تقنيات صوتية وإيقاعات التصفيق.

تنتهج الموسيقى والغناء في بوركينا فاسو نهج الغناء الجماعي كشكل تقليدي مستمر حتى الآن، وأصوات الجموع الغنائية هناك كانت دومًا أنقى من صوت مدافع الصراع السياسي. لم تكن الموسيقى مجرد ترفيه بل كانت نبضًا يمثل المقاومة، الهوية والتغيير الاجتماعي عبر العقود.

Smockey at the 5 March concert in front of the ruins of the National Assembly. المصدر:musicinafrica.
سموكي في حفل 5 مارس/آذار أمام أنقاض الجمعية الوطنية (ميوزيك إن أفريكا)

"مكنسة المواطن".. صوت الشارع الفني في بوركينا فاسو

تُعد حركة "مكنسة المواطن" (Balai Citoyen) واحدة من أبرز حركات المجتمع المدني في بوركينا فاسو، تأسست عام 2013 على يد مجموعة من الفنانين والناشطين، بينهم المغني الشهير "سموكي" و"سامسك لي جاه "اللذان تأثرا بحركتي "لقد سئمت السنغالية" و"القوة السوداء" في الولايات المتحدة، وسرعان ما تحولت الحركة إلى رمز للمقاومة الشعبية، خصوصًا خلال احتجاجات عام 2014 التي أدت إلى إسقاط الرئيس بليز كومباوري بعد محاولته تعديل الدستور لتمديد حكمه.

تستلهم الحركة مبادئها من إرث القائد الثوري توماس سانكارا (1983–1987)، الذي اغتيل إثر انقلاب دبره كومباوري نفسه. ويظهر ذلك في شعارها ورمزها "المكنسة" والتي ترمز إلى تطهير البلاد من الفساد وسوء الإدارة، وتعيد إلى الأذهان حملات تنظيف الشوارع الجماعية التي كان يطلقها سانكارا لتعزيز روح المسؤولية المدنية.

تجمع "مكنسة المواطن" بين جمعيات شبابية وصحفيين وفنانين ملتزمين، وتعمل على تعزيز الوعي السياسي والمطالبة بالشفافية، من دون التحول إلى حزب سياسي. ورغم اختلاف أشكال نشاطها بين التظاهر والضغط المدني والأنشطة الثقافية، فإن رسالتها الثابتة هي تمكين المواطنين من الدفاع عن ديمقراطيتهم ومصيرهم.

إعلان

"سانكارا دو بوركينا" الأغنية الشعبية، والتي يغنّيها الفنان البوركيني "سامسك لي ياه" وهو ناشط سياسي معروف ومغن على نمط الريغي الجامايكي.

سانكارا من بوركينا فاسو

جاء رجلا نزيهًا

لبناء أفريقيا كريمة

سانكارا سانكارا سانكارا

سانكارا.. الرئيس الذي قاد الثورة بالعزف على أوتار الغيتار

لم يكن توماس سانكارا (1983/1987)، رئيس بوركينا فاسو الثوري والذي كان يُسمى "تشي جيفارا أفريقيا" تأسّيًا بالثوري الكوبي أرنستو تشي جيفارا، مجرد قائد سياسي وعسكري، بل حمل في داخله روح موسيقي شغوف. قبل دخوله عالم السياسة، كان سانكارا عازف غيتار موهوبا فمنذ شبابه، تعلّم العزف على الغيتار على يد باسكال أودراوغو كايور، ليصبح لاحقًا عازفًا بارعًا وعضوًا في فرقة اسمها "انقلاب الجاز" إلى جانب صديقه بليز كومباوري، الذي كان يغني. ورغم قلة حفلات الفرقة، وُصفت عروضها بأنها كانت ساحرة.

ظل سانكارا قريبًا من الموسيقى حتى بعد توليه الحكم. لم يتردد في حمل غيتاره خلال المناسبات الرسمية أو في أثناء حملات التطعيم في القرى، معتبرًا الموسيقى وسيلة للتقارب الشعبي وأداة للتحفيز الثوري. بل إنه كتب بنفسه النشيد الوطني لبلاده "لي ديتاني" "ليلة واحدة" ويُعتقد أنه وضع لحنه أيضًا.

كما أسّس فرقة عسكرية باسم "فرقة الصواريخ" في مدينة بو، وشارك بالعزف خلال العروض. كان بذلك يترجم إيمانه بأن الثقافة والموسيقى ليستا ترفًا، بل جزءًا من مشروع التحرر الوطني.

واليوم، ما زال إرثه الموسيقي حاضرًا، إذ تُعرض غيتاره الأحمر الشهير في متحف مخصص له في واغادوغو، شاهدًا على زعيم جمع بين الثورة والثقافة، وظل قريبًا من شعبه بعزفه كما بقي بقراراته.

يقول النشيد الوطني البوركيني:

وجمعت ليلة واحدة في داخلها تاريخ شعب بأكمله

نحو أفق السعادة

ليلة واحدة صدّقت شعبنا مع جميع شعوب العالم،

في غزو الحرية والتقدم

الوطن أو الموت، سننتصر

الموسيقى.. ذاكرة بوركينا فاسو وصوت نسائها

لطالما شكّلت الموسيقى جزءًا أصيلا من تاريخ بوركينا فاسو، حيث ارتبطت بالتحولات السياسية والاجتماعية منذ الحقبة الاستعمارية وحتى الاستقلال. وفي قلب هذا الإرث برزت النساء كركيزة أساسية في صياغة الهوية الفنية للبلاد، خصوصًا في مشيخة "موغا" حيث لعبن أدوارًا محورية في الاحتفالات التقليدية وتشكيل ملامح الموسيقى الوطنية.

من بين هذه الأصوات، يظل اسم أدو غورغو ليونتين الأكثر حضورًا. فبمسيرة تجاوزت 6 عقود، استطاعت أن تكرّس نفسها كـ"ملكة الموسيقى البوركينابية". انطلقت من دعم الزعيم التقليدي لارلي نابا أنبغا، لتقود لاحقًا فرقة نسائية شهيرة هي فرقة لارلي، التي نقلت الأغاني الشعبية والحكايات عبر الإذاعة الوطنية، وحافظت على حضور لافت داخل البلاد وخارجها، بما في ذلك فرنسا وبلدان الجوار الأفريقي.

أصبحت أغاني الفرقة أيقونات فنية ما زال الموسيقيون المعاصرون يستلهمون منها. وحتى خلال حرب 1985 بين مالي وبوركينا فاسو، أسهمت ليونتين بأغانٍ وطنية جسّدت الروح التعبوية لتلك المرحلة. اليوم، تُعدّ ليونتين وفرقتها جزءًا من "العصر الذهبي" للموسيقى البوركينية، وكنزًا ثقافيًا يخلّد دور الفن في توثيق التاريخ وصناعة الهوية الوطنية.

أدو ليونتين غورغو ..صوت بوركينا فاسو الذي تحوّل إلى ذاكرة وطنية

يتردد اسم أدو ليونتين في سجلّ الموسيقى البوركينية، كرمزٍ خالد للشجاعة والتواصل الثقافي. فمنذ ولادتها عام 1931 في مدينة كاندو، اختارت أن تجعل من صوتها أكثر من مجرد أداةٍ للفن؛ جعلته سلاحًا للذاكرة ومصدرًا للوحدة الوطنية.

ليونتين، التي تربّت في حضن التقاليد الموسيقية الأصيلة، لم تكن مغنيةً فحسب، بل تحوّلت إلى حاميةٍ لتراثٍ شفهي متجذر في وجدان شعبها. وبعد رحيل رائد الموسيقى التقليدية لارلي نابا أنبغا، الذي ربطتها به علاقة وثيقة، تصدّت للمسؤولية بتأسيس فرقة "ناميندي" لتواصل المسيرة برفقة أسماء لامعة مثل الراحل أميدو زونغو.

إعلان

في أواخر عام 1985، خلال النزاع الثاني بين مالي وبوركينا فاسو، كان صوت غورغو حاضرًا على الجبهات، يقود الناس بأغاني التعبئة، إلى جانب أصوات وطنية خالدة مثل إينوسا سنكارا وبوبا ديالو ومامودو باري. ولا تزال أغنيتها الشهيرة "بوبلوجدو" وتعني "ضع جعبتك على كتفك" محفورة في الذاكرة الجمعية كأنشودة شجاعة ارتبطت بما وصفه البعض بـ"الحرب الشعبية الشاملة".

على امتداد أكثر من 6 عقود من العطاء، لم تكتف غورغو بالأداء، بل كرّست حياتها لتعليم الأجيال الجديدة ورعاية المواهب الصاعدة. فقد خرّجت أسماءً بارزة مثل كيستو كويمبري وسانا بوب، جامعة بذكاء بين الأصالة والمعاصرة، وراسمة ملامح مسار موسيقي متكامل يجمع بين الغناء والتلحين والعزف.

صورة للمغنية Ado Gorgo Léontine مع وزير الثقافة البوركيني الصورة من.infosculturedufaso.net/
صورة للمغنية أدو ليونتين غورغو مع وزير الثقافة البوركيني (الصحافة الفرنسية)

وفي عام 2012، احتُفل بمسيرتها الفنية الممتدة لأكثر من نصف قرن، قبل أن تُتوّج في 2023 بلقب "كنز بشري حي" خلال أسبوع الثقافة الوطني في تكريم رسمي من حكومة بوركينا فاسو تقديرا لعطائها الكبير في صون التراث غير المادي وتعزيز الفنون الأدائية". واليوم، يقف اسم أدو ليونتين غورغو في "شارع النجوم" كشعلة مضيئة من ذاكرة الأمة، شاهدةً على تاريخ موسيقي وثقافي تميّز بالصمود، والإبداع، والحب العميق للشعب والوطن.

بوركينا فاسو.. الموسيقى صوت الثورة والهوية

شهدت بوركينا فاسو نهضة موسيقية ثورية، حيث لعبت الأغاني دورًا محوريًا في التعبير عن الهوية الوطنية والمقاومة ضد الاستعمار والأنظمة الاستبدادية، خصوصًا خلال فترة حكم توماس سانكارا في السبعينيات والثمانينيات.

بشكل عام يتميز المشهد الموسيقي البوركيني بأنواعه المتنوعة التي مزجت التراث بالإيقاعات الحديثة. أبرزها تيشومارين المستوحى من ثقافة الطوارق، والروك الأفريقي الذي دمج الإيقاعات الأفريقية التقليدية مع الغيتار الكهربائي، ليكون أداة للتوعية السياسية والاجتماعية.

من بين أبرز الفنانين الذين أسهموا في هذا الحراك، مادو مختار الذي كتب أغاني عن حقوق المرأة والمساواة، وسياكا دياباتي الذي استخدم الآلات التقليدية لتعزيز الهوية الموسيقية الوطنية.

الموسيقى البوركينية لم تقتصر على الداخل، بل امتدت عالميًا، حيث أسهمت في توصيل رسائل المقاومة والعدالة الاجتماعية إلى جمهور دولي، مؤكدة قدرة الفن على توحيد الشعوب وإحداث التغيير.

0 تعليق