كتب محمد الجمل:
تواصل "الأيام" نقل مشاهد جديدة من العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة، وترصد استمرار دعوة المواطنين للنزوح من مدينة غزة باتجاه مناطق شديدة الاكتظاظ بالنازحين، في وقت يستمر الحصار على القطاع، وتزيد المعاناة بسبب شح الطعام.
ومن بين المشاهد التي وثقتها "الأيام"، مشهد بعنوان "مناطق لا إنسانية"، ومشهد آخر يرصد شح الخضراوات في الأسواق، ومشهد ثالث يوثق حالة الفوضى التي تضرب الأسواق.
"مناطق لا إنسانية"
واصل الاحتلال على مدار الأيام الماضية دعوة سكان مدينة غزة للنزوح نحو جنوب القطاع، باتجاه ما سمّاها "المناطق الإنسانية"، التي ادعى أنها تضم خدمات إنسانية وصحية، وتتوفر فيها المياه.
لكن هذه المناطق الضيقة باتت شديدة الكثافة السكانية، وتعاني من ترد كبير في الخدمات، وتنتشر في صفوف النازحين المقيمين فيها الفيروسات والأمراض المعدية وغير المعدية، ويواجه القاطنون ظروفاً معيشية صعبة.
كما أن تلك المناطق التي شهدت تقليصاً متواصلاً على مساحتها منذ تجدد العدوان في 18 آذار الماضي، لم تعد قادرة على استيعاب نازحين جدد، نظراً لضيق مساحتها، وامتلاء أراضيها بالمواطنين، وانتشار الخيام حتى على شاطئ البحر.
ولا تزال غالبية الأسر في مدينة غزة ترفض النزوح للمناطق التي حددها الاحتلال، نظراً لعدم ملاءمة تلك المناطق لاستقبالهم، وعدم قدرتهم على النزوح بسبب افتقارهم لأجرة المواصلات المرتفعة جداً.
ووفق رئيس المرصد "الأورومتوسطي" لحقوق الإنسان، رامي عبده، فإن إعلان الاحتلال مواصي خان يونس "منطقة إنسانية" كذبة دعائية جديدة، تفضحها وقائع الهجمات العسكرية والوضع الإنساني الكارثي لمئات آلاف النازحين فيها.
وأوضح عبده أن ادعاء الاحتلال بتوفير خدمات إنسانية أفضل في المنطقة يكذبه واقع المنطقة التي تفتقر إلى بنية تحتية تلائم أعداد مئات آلاف النازحين، موضحاً أن إسرائيل لم تتوقف يوماً عن استباحة المنطقة التي تدّعي أنها إنسانية بالقصف عبر الجو والبحر والبر، وشنت 109 هجمات جوية فيها أسفرت عن مئات الشهداء وآلاف الجرحى.
وأكد أن مساحة المواصي تشكل نحو 3% من مساحة القطاع وتفتقر للبنية التحتية والخدمات، كونها كانت منطقة زراعية غير مهيأة لاستيعاب مليون إنسان جديد، علاوة على نحو 800 ألف يقيمون فيها في خيام بالية بعد تدمير رفح وخان يونس.
وأضاف عبده: إن الاحتلال يدّعي وجود مستشفيات في المنطقة، لكن المعطيات تؤكد أن هذه المستشفيات مستباحة وتتعرض للقصف كما حدث في مجمع ناصر الطبي، ومستشفيَي الأمل وغزة الأوروبي.
وأكد عبده أن مئات آلاف المدنيين يعانون من التجويع في وقت تُحوّل القوات الإسرائيلية نقاط توزيع المساعدات التي تديرها منظمة "غزة الإنسانية" إلى مسارح للقتل والموت اليومي.
ونشر الناطق باسم جيش الاحتلال "أفيخاي أدرعي"، صباح السبت الماضي، خارطة زعم فيها "توسيع المنطقة الإنسانية" جنوب قطاع غزة، لدفع المواطنين من مدينة غزة على النزوح من الأخيرة، والتي تتعرض لعملية عسكرية تهدف لاحتلالها.
الخضراوات سلعة شحيحة في الأسواق
لا تزال الخضراوات بمختلف أنواعها سلعة شحيحة في الأسواق وأسعارها عالية جداً، على الرغم من مرور نحو شهر على فتح المعابر باتجاه قطاع غزة.
ويُشاهد على بسطات التجار والباعة في أسواق جنوب ووسط القطاع كميات قليلة من الخضراوات، مثل البندورة، الخيار، البصل، الثوم، والفلفل الأخضر، والباذنجان، في حين لا تزال أنواع أخرى من الخضراوات غير متوفرة، مثل الكوسا وغيرها، بينما لا يتوفر أي نوع من الفواكه في السوق.
ووفق باعة وتجار، فإن غالبية الخضراوات المعروضة على البسطات، هي من إنتاج محلي، حيث تمت زراعتها في مساحات محدودة من الأراضي الزراعية التي ما زال يمكن للمزارعين الوصول إليها، خاصة غرب مدينتَي خان يونس ودير البلح.
ويتراوح ثمن كغم الخضراوات في السوق ما بين 50-130 شيكلاً، وبعض الأنواع يزيد ثمنها على ذلك، في حين يصل ثمن رأس الثوم الواحد إلى 20 شيكلاً.
وقال البائع يوسف النجار: إن الاحتلال سمح مؤخراً بدخول أنواع محددة من الخضراوات، مثل البصل والثوم، لكنها وصلت القطاع بكميات قليلة جداً، لذلك ما زال العرض محدوداً والطلب كبيراً، لذلك الأسعار عالية.
وأشار إلى أن ثمة حديثاً لدى بعض التجار باحتمال زيادة كميات الخضراوات التي سيسمح بدخولها إلى القطاع في الفترة المقبلة، وهذا الأمر وحده يمكن أن يحل المشكلة، ويزيد العرض، ويسهم في انخفاض الأسعار.
بينما يقول المواطن رائد داود: إن الخضراوات المتوفرة في الأسواق حكر على طبقة معينة من المواطنين، ولا يستطيع شراؤها سوى الأثرياء ولصوص المساعدات، نظراً لارتفاع أسعارها، مقسماً أن أي نوع من الخضار لم يدخل خيمته منذ نيسان الماضي.
وأكد داود أنه وغيره من المواطنين يأملون بتحسن الوضع، ووصول الخضراوات بكميات أكبر للسوق، حتى يستطيعون تلبية احتياجات أسرهم، وشراء هذه السلعة الضرورية، موضحاً أنهم يعتمدون على المعلبات لتوفير بعض أنواع الخضراوات مثل معجون الطماطم "صلصة"، البديل عن البندورة، وبعض الخضراوات الأخرى المعلبة.
يذكر أن الاحتلال لا يزال يفرض قيوداً مُشددة على استيراد السلع الغذائية للقطاع، ويمنع وصول اللحوم والدواجن، وبيض المائدة، والفواكه، وغالبية أنواع الخضراوات، ومنتجات الألبان، وغيرها من الأصناف.
أسواق بلا رقيب
تعج أسواق القطاع بحالة من الفوضى غير المسبوقة، ويتحكم فيها ثلة من التجار وأصحاب البسطات، ممن يقومون بإخفاء سلع معينة في أوقات مفاجئة، بعد السماع بوقف توريدها للقطاع، بهدف احتكارها ورفع أسعارها.
وتعتمد السوق في الوقت الحالي على مصدرَين للسلع، الأول من خلال تجار يستوردون البضائع عبر المعابر، وهم قلة، يتحكمون في الأسعار صعوداً وهبوطاً، والمصدر الثاني هم اللصوص ممن يستولون على المساعدات فور وصولها القطاع، وقد تحول هؤلاء إلى عصابات منظمة، يعملون بشكل منسق، ويمتلكون وسائل نقل، ولا يسمحون للمساعدات بالوصول إلى داخل القطاع، ويبيعون ما يسرقونه في الأسواق بأسعار عالية.
ومؤخراً راجت شائعة لا يعلم أحد مصدرها بأن الاحتلال بصدد إغلاق معبر "كيسوفيم"، الذي تصل منه بضائع التجار، وفجأة اختفى السكر من على البسطات إلى جانب سلع أخرى، وارتفعت أسعارها، وحدثت فوضى في السوق، وسبقتها شائعة مماثلة بإغلاق معبر "كرم أبو سالم"، الذي تصل منه المساعدات التجارية، فحدث الأمر ذاته في الطحين، وارتفع ثمن الشوال في دقائق.
ووفق مواطنين، فإن الأسواق تعيش حالة من الفوضى غير المسبوقة، تؤثر على استقرارها، وتجعل الناس يعيشون في قلق دائم، فأكثر السلع توفراً وعرضاً في السوق قد تختفي في غضون دقائق إثر شائعة، لذلك يعمل الناس على شراء السلع بكثرة وتخزينها، لتأمين قوت عائلاتهم.
وقال المواطن بسام عاشور: إن قطاع غزة يعيش حالة من الفوضى، والأسواق جزء منها، وفي ظل غياب الرقابة على السوق ستستمر الفوضى وربما تزيد.
وأكد عاشور أن الفوضى في السوق تتعدى إخفاء السلع ورفع أسعارها، إذ تباع سلع تالفة، لها تاريخ صلاحية منتهٍ، ويتم بيع سلع مجهولة المصدر، لا توجد عليها بيانات للمستهلك، عدا الاستغلال والاحتكار.
في حين أكد البائع خالد حمد أن كل تاجر وبائع يعمل وفق أهوائه، لذلك تجد وضمن حالة فوضى الأسواق اختلاف وتباين الأسعار من بائع لآخر، ووصل الحد لاتفاق تجار البسطات على إطلاق شائعات بشكل متزامن، من أجل رفع سعر سلعة معينة، أو زيادة الطلب عليها.
وأوضح أن الباعة يستغلون عدم استقرار الوضع، واستمرار الحرب، والتهديد بتهجير سكان مدينة غزة لخلق بلبلة وفوضى في الأسواق تخدم مصالحهم.
0 تعليق