فيلم "متلبسا بالسرقة".. دارين آرنوفسكي يجرب حظه في الكوميديا السوداء - زاجل الإخباري

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

Published On 10/9/202510/9/2025

|

آخر تحديث: 14:59 (توقيت مكة)آخر تحديث: 14:59 (توقيت مكة)

يشتهر المخرج دارين آرنوفسكي بأفلامه شديدة القتامة، شخصيات معقدة توضع في مواقف تضطرها لاتخاذ أسوأ ردود الأفعال وتختبر الجانب الأسوأ من العالم والبشر وأنفسهم، غير أنه هذا العام يقدم فيلمًا مختلفا، يحمل نواة أفلامه السابقة لكن في إطار أكثر خفة، وشخصية رئيسية تقف على حافة الظلام، إلا أنها هذه المرة لا تقع فيه بالكامل.

"متلبسًا بالسرقة" (Caught Stealing) أحدث أفلام المخرج دارين آرنوفسكي، وهو مقتبس من رواية بالاسم ذاته للروائي تشارلي هيوستون، وكتب الأخير السيناريو كذلك، وبطولة أوستن باتلر وزي كرافيتز ومات سميث وليف شرايبر وريجينا كينغ.

اقرأ أيضا

list of 2 items end of list

 

"قط" يقود إلى الفوضى

يبدأ "متلبسًا بالسرقة" بتعريف المتفرجين على الشخصية الرئيسية هانك (أوستن باتلر)، الشاب الذي يعمل في حانة منسجمًا مع هذه البيئة الصاخبة، إلا أنه في قلبه لا يزال الفتى القادم من ريف الجنوب الأميركي حاملًا قيمًا مختلفة عن تلك السائدة في نيويورك تسعينيات القرن العشرين، فهو على علاقة وثيقة بوالدته ويحدثها تليفونيًا يوميًا، يحترم حبيبته ولطيف مع جيرانه أيًا كان مستوى غرابة تصرفاتهم وأهوائهم، ليُظهر الفيلم مدى التناقض بين عالمي البطل الداخلي والخارجي.

يفصح الفيلم عن لمحات من ماضي هانك عبر الكوابيس ومحادثاته مع والدته، فقد كان لاعب بيسبول واعدًا للغاية، حتى أدت حادثة سيارة إلى تدمير سلامه النفسي ومستقبله الرياضي، فيترك كل ماضيه خلفه، وينتقل إلى نيويورك في مهنة بسيطة بلا مستقبل، يقضي صباحاته نائمًا، وأمسياته في بيع الكحول واحتسائه.

ومثل كل العواصف الهوجاء، بدأ اضطراب حياة هانك بحدث بسيط للغاية كنسمة هواء قوية أكثر من اللازم، فيعود إلى المنزل ويجد جاره البريطاني راس (مات سميث) على وشك العودة إلى بلده لإصابة والده بجلطة، ويترك في عهدة هانك قطه "باد"، وهو طلب مزعج بالتأكيد، غير أنه لم يُشِر في البداية إلى الكوارث التي سيجلبها على رأس هانك وحبيبته وكل ما يعرفه تقريبًا.

إعلان

يكتشف هانك في اليوم التالي أن راس متورط مع أكثر عصابات نيويورك وحشية، الذين يبحثون عن شيء ما لا يعلمه، غير أنهم يتوقعون منه الإدلاء بمكانه، وبالتالي يتعرض لضرب عنيف يستيقظ منه في المستشفى وقد فقد إحدى كليتيه، وعندما يعود إلى المنزل يكتشف أنه تورط حتى عنقه في حرب عصابات، ولا يجد الملاذ الآمن حتى في الشرطة.

تُشبه حبكة "متلبسًا بالسرقة" إحدى حبكات المخرج البريطاني ألفريد هيتشكوك المفضلة، التي فيها يتورط البطل في حرب أكبر منه لأسباب قدرية بحتة -وعلى الأغلب مصادفة- غير أن أفلام هيتشكوك المشابهة ومنها "شمالًا إلى الشمال الغربي" (North by Northwest) تتميز بخليط متوازن من العنف والخفة، فيتعرض البطل للضغط لكنه لا يتأذى هو أو أحبابه بشكل حقيقي، وهو الأمر الذي لم يضمنه دارين آرنوفسكي لبطله هانك، الذي يفقد في الربع الأول من الفيلم كليته، ثم يبدأ أحباؤه في التساقط من حوله، لتظهر المقارنة بين الفيلمين ليس فقط الاختلافات بين وجهتي نظر المخرجين، بل أيضًا بين نيويورك الخمسينيات والتسعينيات.

 

آرنوفسكي يجرب نغمة جديدة

عالم دارين آرنوفسكي السينمائي قاسٍ للغاية على أبطاله ومشاهديه على حد سواء، فيصعب الخروج من أحد أفلامه بدون مشاعر قلق أو ضيق، فنيًا هي أعمال مميزة بالتأكيد، غير أنه لا يتورع عن حبس متفرجيه وشخصياته في حيز ضيق قاتم تزدحم فيه قسوة العالم، بينما المعضلات النفسية والجسدية تبلغ مداها الأقصى.

يختلف "متلبسًا بالسرقة" عن أفلام آرنوفسكي السابقة في هذه النقطة، فيخلط فيه بين الإثارة والتشويق والكوميديا السوداء، فحتى في أحلك المواقف التي قد تصيب البطل والمشاهد معًا باليأس، هناك بارقة من الطرافة غير المتوقعة في عالم المخرج السوداوي عادة، وربما لأن هذا المجال جديد عليه فقد أتت بعض هذه اللحظات مرتبكة للغاية، وتبدو في بعض الأحيان خارجة عن السياق أو على الأقل مختلفة بشدة عما يسبقها ويلحقها من مشاهد، فيفقد البطل شخصية مقربة منه في مشهد، فيكون على شفير الانهيار العصبي، ثم بعدها بقليل يتعامل بغضب مضحك مع جاره راس الذي يعود فجأة فيضفي على الحبكة بعضًا من الفوضى الطريفة.

كذلك تبدو الشخصيات الأخرى (غير البطل) مقسمة بشكل واضح لتؤدي مهامها، فلدينا أفراد المافيا الروسية العنيفين، واثنان من اليهود الحسيديين الذين يقدسون العنف بنفس درجة تقديسهم لطقوس يوم السبت في منزل جدتهم، في مفارقة كوميدية مكتوبة بشكل جيد بالفعل، بينما تمثل الشرطية رومان (ريجينا كينغ) صورة واقعية للتطبيع مع عنف نيويورك.

يحاول الفيلم كذلك في بعض مواضعه التركيز على جوانب كئيبة من ماضي البطل، مثل عدم اعترافه بأخطائه التي تسببت في انتهاء مستقبله قبل أن يبدأ، وهروبه من تحمل المسؤولية تجاه موت أقرب أصدقائه، وحتى إدمانه على الكحول الذي عقد حياته أكثر بعدما دخلت إليها هذه العصبة من المجرمين المتنوعين، أضفى ذلك على الفيلم طابعًا أكثر جدية وثقلًا من أفلام الإثارة العادية، غير أنه لم يندمج بسلاسة مع باقي أحداث الفيلم، فظهر مثل المشاهد الكوميدية، كما لو أنهما خارج السياق ومدفوعان بإرادة خارجية من المخرج والمؤلف.

إعلان

على الجانب الآخر، تميز الفيلم بموسيقى تصويرية استحضرت روح التسعينيات من القرن العشرين، ومثلت العمود الفقري لإيقاع الفيلم الذي التزم بتقديم الفترة التي تُعد الآن تاريخًا مضى عليه ثلاثون عامًا، يتواصل فيه البطل مع الشخصيات الأخرى عبر كبائن الهواتف العامة، أو يستعير الهاتف المحمول من جاره راس فيؤكد عليه الأخير عدم استخدام كل "دقائق" باقته المحمولة، وربما لم يركز الفيلم على صورة نيويورك التسعينيات، غير أن الموسيقى والتفاصيل الدقيقة للعالم الفيلمي قامتا بذلك على أكمل وجه.

فيلم "متلبسًا بالسرقة" عمل مختلف للغاية عن أعمال المخرج الأخرى، غير أن ذلك لا يعيبه، وعلى المتفرجين والنقاد انتظار أفلامه القادمة ليتبينوا هل هو تحول بالفعل في سينما دارين آرنوفسكي، أو مجرد تجربة عابرة.

0 تعليق