القدس المحتلة- أجمع المحللون الإسرائيليون على أن الهجوم على الدوحة، مساء الثلاثاء الماضي، وما تلاه من فشل محاولة اغتيال قادة من حركة المقاومة الإسلامية (حماس) ألحق بإسرائيل أضرارا سياسية وإستراتيجية جسيمة، وبدل أن يحقق أهدافه جاء بنتائج عكسية عمَّقت عزلتها الدولية والإقليمية.
ورغم الخشية الإسرائيلية من أن تنعكس هذه العملية التي سُمّيت "قمة النار" سلبا على إسرائيل، فإن غالبية الإسرائيليين عبَّروا عن دعمهم للهجوم الذي استهدف قادة حماس بالعاصمة القطرية، وفقا لاستطلاع نشرته صحيفة "معاريف" الإسرائيلية.
وبحسب المعطيات، فإن 75% من الإسرائيليين أيدوا الهجوم، بينهم 49% أبدوا دعمهم الكامل للعملية وتوقيتها، و26% أيدوها لكنهم اعتبروا أن التوقيت لم يكن مناسبا. وفي المقابل، عارض الهجوم 11% فقط بينما اختار 14% عدم إبداء موقف.
وحول تأثير هذه العملية على جهود التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، رأى 38% من المستطلعة آراؤهم أن هجوم الدوحة قد يضعف هذه الجهود. في حين اعتبر 37% أن من شأنه أن يدعمها، بينما قال 25% إنهم لا يعرفون كيف سيؤثر ذلك.
نفوذ قطر
في قطر، يتوقع محللون إسرائيليون أن يجري استثمار النفوذ الاقتصادي الكبير لزيادة الضغط الدولي على إسرائيل، سواء عبر تحريك مواقف داخل الأمم المتحدة أو بالدفع نحو خطوات تجارية واقتصادية قاسية. بينما سارع خصوم الدوحة الإقليميون بدورهم إلى الاصطفاف معها، مما زاد من عزل إسرائيل وقلَّص هامش تحركها السياسي.
ووفق هؤلاء، فإن مصر قلقة من أن يكون ما يجري جزءا من "مخطط خبيث" يهدف إلى دفع سكان غزة للنزوح إلى سيناء، بينما تبقى حماس رغم استهداف قياداتها "حية ترزق"، وهو ما يعمّق المعضلة الأمنية والسياسية لإسرائيل.
واقتصاديا، تلقت الصناعات العسكرية الإسرائيلية صفعة إضافية مع استبعادها من أبرز معارض الطيران العالمية في دبي المقرر في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، في خطوة تعكس أيضا حجم التوتر العربي والدولي تجاه الاستيطان وخطة ما تسميه إسرائيل "فرض السيادة" على الضفة الغربية، وهو ما يعني تعزيز احتلال الضفة المحتلة أصلا وفقا لمواثيق الأمم المتحدة، والحرب على غزة.
إعلان
وينظر إلى القرار في إسرائيل باعتباره مؤشرا على استعداد متزايد لمقاطعة الصناعات الإسرائيلية الحساسة التي طالما شكلت مصدرا اقتصاديا وأمنيا مهما لإسرائيل، وهناك من يخشى أن يمهد إلى تجميد "اتفاقيات أبراهام".

سيناريوهات وفشل
وتذهب التقديرات في الصحف ووسائل الإعلام الإسرائيلية إلى أن الأسابيع المقبلة قد تحمل سيناريوهات معقدة، أبرزها:
تجميد اتفاقيات أبراهام (اتفاقيات التطبيع): فقد ترضخ بعض الدول العربية لضغوط شعبية ورسمية لتقليص علاقاتها العلنية مع إسرائيل أو تعليق مشاريع التعاون الاقتصادي. تصعيد اقتصادي دولي: مع إمكانية أن تدفع قطر وشركاؤها نحو فرض قيود أو عقوبات غير رسمية على الصناعات الإسرائيلية، خصوصا مجالات التكنولوجيا العسكرية والطيران. مزيد من العزلة الدبلوماسية: إذ قد يتسع الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية في الأمم المتحدة، ويترافق مع خطوات لعزل إسرائيل داخل المؤسسات الدولية. ضغط داخلي متزايد: من المتوقع أن تؤدي الخسائر السياسية والاقتصادية إلى تصاعد الاحتجاجات الداخلية ضد الحكومة، وتفاقم الانقسامات بين النخب السياسية والأمنية.وفي ضوء هذه التطورات، تجمع القراءات والتحليلات الإسرائيلية أن إسرائيل تخاطر بفقدان ما تبقى من مكاسبها الإقليمية والدولية، لتواجه واقعا جديدا قوامه العزلة والحصار، ليس فقط عسكريا بل سياسيا واقتصاديا واجتماعيا.
ويقول الباحث في الأمن القومي ميخائيل هراري، بمقال له في صحيفة معاريف، إن محاولة اغتيال قادة حماس في الدوحة "فشلت بتحقيق أهدافها، وعكست صورة إسرائيل كدولة غير متزنة، بل فتحت الباب أمام أزمة دبلوماسية وسياسية معقدة" وأعاقت قدرة الولايات المتحدة على دعمها دون تعقيد علاقاتها الإقليمية.
ويعتقد أن إسرائيل تجاوزت خطا أحمر في الخليج بهجومها على أراضي دولة ذات سيادة تلعب دورا محوريا في الوساطة لوقف الحرب، مما يهدد "اتفاقيات أبراهام" ويزيد المخاطر السياسية والأمنية في المنطقة.
ولفت هراري إلى أن الهجوم الفاشل على الدوحة عزَّز صورة إسرائيل عالميا كدولة متسرعة، تحاول فرض هيمنتها بالقوة، وهو ما يفاقم عزلتها ويهدد مكانتها الإقليمية والدولية، ويضعها أمام تحديات دبلوماسية وإستراتيجية غير مسبوقة.

لا إدراك العواقب
يذكر الدكتور ميخائيل ميلشتاين (رئيس منتدى الدراسات الفلسطينية في مركز موشيه ديان للدراسات الشرق أوسطية والأفريقية بجامعة تل أبيب) إن محاولة اغتيال خالد مشعل في عمَّان عام 1997، التي وافق عليها آنذاك رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو المطلوب للمثول أمام المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب بغزة".
إعلان
ولفت ميلشتاين، الذي شغل سابقا منصب رئيس الساحة الفلسطينية بشعبة الاستخبارات في الجيش الإسرائيلي، إلى أن محاولة اغتيال مشعل انتهت بأزمة سياسية كادت أن تُفِّجر العلاقات مع الأردن، وانتهت بإطلاق سراح مؤسس حماس الشيخ أحمد ياسين، في خطوة منحت حماس دفعة قوية.
وكما حدث قبل 28 عاما، يضيف ميلشتاين، في مقال بصحيفة معاريف، "أظهر هجوم الدوحة أن إسرائيل، رغم تفوقها العسكري والاستخباراتي، تعاني محدودية في إدراك العواقب الإستراتيجية لمثل هذه العمليات".
وعلى صعيد العالمين العربي والإسلامي، يقول ميلشتاين "اعتبر الهجوم الإسرائيلي تجاوزا لخط أحمر حتى من خصوم قطر التقليديين، كالسعودية ومصر والإمارات" مما أثار شكوكا عميقة في نوايا إسرائيل ورغبتها في فرض هيمنة عسكرية على حساب استقرار المنطقة.
وخلص بالقول "حتى الآن، لم يغير الهجوم على الدوحة مواقف حماس، بل عززها. فالأمل الإسرائيلي بانهيار قيادة حماس وقبولها شروط الصفقة، أو بروز انشقاقات داخلية، لم يتحقق". في حين أعلنت حماس تمسكها بخطها مؤكدة استعدادها لتصعيد المواجهة.
عزل إسرائيل
وتحت عنوان "نتنياهو وإسرائيل لاعب غير متوقع يقترب من نقطة اللاعودة" تناولت ليزا روزوفسكي مراسلة الشؤون الدبلوماسية بصحيفة "هآرتس" التداعيات العكسية التي تواجهها إسرائيل إقليميا ودوليا عقب الهجوم على الدوحة.
وقالت روزوفسكي إن محاولة اغتيال قادة حماس في الدوحة "تحولت إلى خطوة مبالغ فيها حتى بالنسبة لأقرب حلفاء إسرائيل" وأدت إلى موجة إدانات غربية وعربية، مما دفع العديد من العواصم الغربية إلى مراجعة علاقاتها مع إسرائيل، والتلويح بعقوبات أكثر صرامة.
وأوضحت أن هذه الخطوة لم تضعف موقع حماس بقدر ما عمَّقت عزلة إسرائيل، وفتحت الباب أمام خسائر سياسية ودبلوماسية متسارعة بسبب نتنياهو الذي يحاول الظهور بمظهر الزعيم الحازم، لكنه في الواقع يُرسِّخ صورة إسرائيل كطرف متهور وغير متوقع حتى تجاه من يسعون لدعمها.
وأشارت روزوفسكي إلى أن توقيت الهجوم، قبل أسابيع قليلة من اعتراف متوقع لدول غربية بالدولة الفلسطينية، فاقم الانتقادات ووضع إسرائيل في مواجهة مباشرة مع شركاء إستراتيجيين تقليديين، وقدمها كدولة متقلبة وخطيرة.
وختمت قائلة "مع تصاعد الخطوات الأوروبية والعربية ضده، يصبح المشهد أكثر وضوحا، إسرائيل تقترب من مرحلة فقدان الغطاء الدولي بما قد يضعها أمام نقطة يصعب العودة منها".
0 تعليق