يُطل نجم "سهيل" في سماء الأردن في مثل هذه الأيام من كل عام، معلناً بداية مرحلة من التحولات المناخية التي ارتبطت بالذاكرة الشعبية منذ مئات السنين، ومثّلت علامة فارقة في التراث المرتبط بالمواسم الزراعية وحياة البادية، ومؤشراً مهماً لعلماء الفلك على مرّ العصور.
ويجمع هذا النجم اللامع بين دلالته التراثية العميقة وقيمته العلمية الكبيرة.
في الموروث الشعبي: "إذا طلع سهيل لا تأمن السيل"
يحظى نجم سهيل بمكانة خاصة في الثقافة والتقويم الشعبي الأردني. ويقول الحاج فرحان الهقيش، أحد العارفين بعلوم الفلك في البادية الأردنية، إن ظهور "سهيل" في أواخر شهر آب/أغسطس يمثل رمزية كبيرة، فهو يبشر بقرب انحسار الحر ودخول موسم
الهريف" الذي يسبق الشتاء.
وارتبط ظهوره بالعديد من الأمثال الشعبية التي تعكس مكانته، وأبرزها المثل القائل "إذا طلع سهيل لا تأمن السيل"، في إشارة إلى قُرب موسم الأمطار. ويستبشر به الفلاحون خيراً لبدء حراثة الأرض وزراعة المحاصيل الشتوية، حيث تبرد التربة ويتهيأ البذار للإنبات.
ويبين الهقيش أن من العلامات الشعبية على بزوغه ظهور نبتة "عود الروى"، حتى قبل رؤية النجم بالعين المجردة.
في عين العلم: ثاني ألمع النجوم في السماء
من الناحية العلمية، يوضح أستاذ الفيزياء الفلكية وعلوم الفضاء في جامعة البلقاء التطبيقية، الدكتور علي الطعاني، أن نجم سهيل (Canopus) هو ثاني ألمع نجم في السماء بعد نجم الشعرى اليمانية (Sirius).
وهو نجم عملاق يفوق لمعانه لمعان الشمس بنحو عشرة آلاف مرة، وتبلغ كتلته ثماني مرات كتلة الشمس، ويبعد عن الأرض مسافة 313 سنة ضوئية.
ويضيف الطعاني أن ظهور "سهيل" في هذا التوقيت يتزامن فلكياً مع بدء انخفاض درجات الحرارة بشكل طبيعي في المنطقة، وهو ما يفسر ارتباطه الشعبي بانكسار شدة الحر.
وتستمر فترة ظهوره نحو 52 يوماً، تُقسّم علمياً إلى 4 مراحل (الطرفة، الجبهة، الزيرة، الصرفة)، تبدأ فيها الأجواء بالاعتدال نهاراً والميل للبرودة ليلاً بشكل تدريجي.
ويمكن حالياً رصد النجم في الأفق الجنوبي للمملكة قبل شروق الشمس بنحو نصف ساعة باستخدام التلسكوب، وسيصبح مشاهداً بالعين المجردة بوضوح خلال أسبوع تقريباً.
جسر بين الماضي والحاضر
وهكذا، يجمع "سهيل" بين دلالته التراثية كرمز حي في حياة الأجداد وتقويمهم الزراعي، وبين قيمته العلمية كجسم فلكي هائل يضيء سماء الكون.
ويبقى هذا النجم حاضراً في وجدان الأردنيين كبشير للخير، وفي اهتمامات العلماء كمختبر طبيعي لدراسة تطور النجوم.
0 تعليق